فى الوقت الذى جاءت فيه هجمات الحادى عشر من سبتمبر لتسطر اتهامات واضحة للمسلمين بالوقوف وراءها، مستعدية العالم بأسره نحو الإسلام والعرب ولصق تهمة الإرهاب بهم، إلا أن السينما الأمريكية لم تنجح حتى الآن فى توثيق هذا الحدث الجلل، الذى أصاب الأمن القومى الأمريكى، وفقا لآراء عدد من المحللين وخبراء السينما فى هوليوود، ورغم أن الأحداث والوقائع التى عاشها ملايين الأمريكيين وقتها - إثر مصرع 3 آلاف شخص أثناء الهجمات - مليئة بالتفاصيل التى يمكن تقديم مئات الأفلام عنها، فإن الأفلام التى قدمت عن هجمات الحادى عشر من سبتمبر جاءت قليلة جداً، مقارنة بهذا الحدث وتأثيره فى الكيان الأمريكى، خاصة بعد مرور 10 سنوات، وهو ما كشفت عنه الاحتفالات الأخيرة بالذكرى العاشرة للهجمات قبل أيام قليلة، حيث رصد خبراء السينما قلة عدد الأفلام، خاصة الروائية تحديداً، التى تناولت الهجمات، وأيضاً قلة عدد النجوم والمخرجين الذين تفاعلوا مع الأحداث وقدموا أفلاماً عنها، إلا أن نقاداً آخرين رأوا عزوف صناع السينما فى هوليوود عن توثيق تلك الأحداث يرجع إلى كونها أكبر بكثير من أن تستوعبه الأعمال، ورغبة من صناع السينما فى عدم استغلالها فى تقديم أفلام تجارية وجنى الأرباح من خلالها، لكن هذا الرأى يدحضه رأى آخر، يتمثل فى أن السينما الأمريكية طوال عمرها تجنى الأرباح من الأفلام التى تتناول المآسى والأحداث القومية الأليمة، بل تعيد تقديم تلك الأفلام مجدداً، كما حدث فى عدة أفلام منها «بيرل هاربور»، الذى تناول أحداث تفجير القاعدة الأمريكية العسكرية الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية على يد القوات اليابانية، إضافة إلى إقامة مهرجان بالكامل «تريبيكا» السينمائى الدولى، ليكون رمزاً للهجمات، ويخصص عوائده لصالح ضحاياها، وهو المهرجان الذى أسسه ويموله النجم «روبرت دى نيرو».
ورأى نقاد آخرون أن مصرع أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، والمتهم الأول فى الهجمات قبل أشهر قليلة فى باكستان كان له تأثير كبير على تحول صناع السينما إلى اتجاه آخر فى النظر إلى الهجمات والتعامل معها سينمائياً، فبعد أن كان الهدف الأول لهم تقديم أفلام ترصد الأحداث، وتقدم الضحايا، وتستعرض مآسيهم دون التطرق إلى ظهور شخصية «بن لادن» سينمائياً، بات ظهور تلك الشخصية وتناولها هو الهدف الرئيسى لصناع الأفلام بعد اغتياله، فالمخرجة «كاثرين بيجلو» تستعد لتصوير فيلم «قتل بن لادن»، بعد تعديل السيناريو الخاص به، حيث كان من المقرر أن يتناول فشل القوات الأمريكية فى مهمة لاغتيال زعيم تنظيم القاعدة، إلا أنه بعد نجاح القوات الأمريكية على أرض الواقع، كان من المهم تعديل السيناريو لرصد هذا النجاح، ويلعب بطولة الفيلم كل من «مايكل فاسبندر» و«جويل إدجر تون» و«فييجو مورتينسون»، فى حين يقدم المخرج البريطانى «ستيفن دالدرى» الحياة الناجمة عن الهجمات بالنسبة لأسر الضحايا فى فيلمه الجديدExtremely Loud and Incredibly Close، الذى يجهز له حالياً، ويلعب بطولته كل من «توم هانكس» و«ساندرا بولوك» و«جون جودمان». وبالنظر إلى الأفلام التى تناولت هجمات 11 سبتمبر، رأى خبراء السينما أن هناك بعض الأعمال التى عرضت هذا العام وحاولت تقديم صورة متوازنة وتصفية الأجواء، بل اتهمت تلك الأفلام بأنها تروج لفكرة مرفوضة فى الأوساط الأمريكية، وهى التسامح مع المسلمين، مما أثار جدلاً كبيراً، ومن هذه الأفلام «المسافة بيننا»، الذى عرض فى مهرجان «تريبيكا» السينمائى الدولى مؤخراً، وجاءت شخصية «بن لادن» لتطارد صناع الفيلم، من خلال الإشارة إلى تسببه فى تشريد طفل باكستانى توفى والده حارس أحد برجى مركز التجارة العالمى أثناء الهجمات، فى رسالة مفادها أن العالم بأسره تضرر وليس أمريكا فقط، ولكن لأنها راعية السلام، كما تقدمها السينما الهوليوودية دوما، فإن أماً أمريكية ترعى الطفل فى تعبير مزعوم عن تسامح أمريكا بعد 10 سنوات من الهجمات، حتى لو كانت ملامح الطفل ببشرته وشعره السمراوين تذكرها دوما بأصله العربى، وقد صورت بعض المشاهد فى مجلس العلاقات الخارجية الإسلامية فى نيويورك كأول فيلم عن 11 سبتمبر يلقى قبول المجلس، مؤكداً أن العاملين به أعجبوا كثيراً باللقطات والجمل الحوارية لتلك المشاهد. واستعرض النقاد عدداً من الأفلام التى قدمت منذ الهجمات، وكانت الكفة الراجحة للأفلام الوثائقية، وأنها نجحت أكثر فى تناول الهجمات والتعبير عنها، لدرجة تحقيقها نجاحا تجاريا مثل الأفلام الروائية، وبرز ذلك واضحاً فى الفيلم الشهير «9/11 فهرنهايت»، للمخرج «مايكل مور»، وتلته أفلام ربما لم تحقق النجاح التجارى نفسه، لكنها لاقت إعجاب النقاد، منها «أين أسامة بن لادن فى العالم؟»، للمخرج الأمريكى «مورجان سبورلوك»، الذى كتب السيناريو أيضا بمشاركة «جيرمى تشيلنيك»، أيضاً «القسم»، للمخرجة الأمريكية «لورا بويتراس»، الذى قدم لقاء مع «أبوجندل»، الحارس الخاص لـ«بن لادن» الموجود فى اليمن، و«إحياء»، للمخرج «جيم وايتكر»، الذى عرض فى مهرجان «صندانس» للسينما المستقلة، ويستعرض حياة تسعة أشخاص على مدى السنوات العشر التى مرت منذ الهجمات، وكيف تغيرت أحوالهم بسببها، و «إعادة التفكير فى أفغانستان»، للمخرج «روبرت جرينولد»، الذى يقدم مجموعة من المقابلات مع متخصصين سياسيين وتاريخيين أمريكيين إلى جانب لقاءات مع عدد من المجاهدين الأفغان للنظر إلى ما آل إليه المجتمع الأفغانى بعد الاحتلال الأمريكى للبلاد.
وبالنسبة للأفلام الروائية برز فيلما «مركز التجارة العالمى» للمخرج «أوليفر ستون»، وبطولة «نيكولاس كيدج»، و«يونايتد 93» للمخرج «بول جرين جراس»، اللذان كانا الأقرب للتعبير عن ضحايا الهجمات دون رغبة الاستغلال والربح التجارى فى وجهة نظر كثير من النقاد، مثلما فعلت بعض الأفلام التى قدمت تيمة واحدة لأحد العسكريين يذهب فى تعقب «بن لادن» أو أحد رجاله فى تنظيم القاعدة وكان منها «جسد الأكاذيب»، الذى لعب بطولته «راسل كرو» و«ليوناردو دى كابريو»، وأخرجه البريطانى «ريدلى سكوت»، عن سيناريو «ويليام موناهان»، و«ستيف زيليان»، وتناول قصة مأخوذة عن كتاب للصحفى الأمريكى «ديفيد إيجناتيوس» حول عميل المخابرات المركزية الأمريكية الـCIA الذى يختار لذكائه ومهارته الفائقة ليسافر إلى الأردن فى مهمة تعقب قيادى بتنظيم القاعدة بدعم وخبرة زميله «إد هوفمان» الذى يرى العالم أقرب إلى نهايته مما قد يتصور.