x

«بيبو وبشير».. اقتباس بلا معنى من أشهر الكلاسيكيات الكوميدية

السبت 17-09-2011 16:44 | كتب: رامي عبد الرازق |
تصوير : other

فى نقطة معينة من الأحداث عندما يكتشف «بيبو» و«بشير» أنهما وقعا ضحية خدعة صديقهما «حمادة» واستأجرا نفس الشقة، بحيث تسكن هى فى الصباح وهو فى المساء تقول «بيبو» لـ«بشير»: «دى صدفة ما بتحصلش غير فى أفلام الأبيض والأسود الوحشة»، ولا ندرى إن كانت تسخر من تيمة الفيلم التى يكررها صناع التجربة أم تعترف بأن التيمة مقتبسة حتى لا يتهمهم أحد بذلك، أو لأن المهم الضحك مهما كانت التيمة!

هذا التعليق من «بيبو» يحتاج إلى بحث فى نفسية صناع الأفلام المقتبسة فى السينما المصرية، فهذه التيمة قدمت عشرات المرات من قبل خلال الأربعين سنة الماضية، وإعادة تقديمها الآن لا يبدو أن له أى معنى سوى التسلية فقط، فلا هو يناقش أزمة المساكن كما كانت تتجه التجارب السابقة، ولا هو يتحدث عن أفكار جديدة فى علاقات الحب والصداقة، بل إن التيمة نفسها تعتبر أكثر كلاسيكية من أن يفكر أحدهم فى صناعتها الآن لسبب بسيط هو أن ذكاء وخبرة متفرج 2011 يختلفان بالطبع عن بساطة عقول الستينيات والسبعينيات التى قدمت التيمة فى الأساس وقتها، فيجب بذل مجهود درامى خارق من أجل إقناعنا بأن هناك شخصين يعيشان فى نفس الشقة دون أن يدرى أحدهما بالآخر حتى لو كان هناك شخص مثل «حمادة» يقوم بالتنسيق وإعادة ترتيب الشقة وكأنه متفرغ تماماً لهذا الأمر فقط!

إن اختيار كتاب السيناريو لشكل الكوميديا الرومانسية أهدر طاقتهم فى الإيهام بالفكرة، فهذه فكرة تحتاج إلى معالجة بارودى «ساخرة من الفكرة» لأن متفرج القرن الجديد ليس من السهل إقناعه بمجرد نقل تمثالين من مكانهما أو إغلاق حجرة على من فيها.

عندما قدمت هذه الفكرة فى أمريكا كان تعداد سكان مدينة نيويورك 8 ملايين نسمة فى الستينيات، وكانت هناك أزمة سكن بالفعل، بالإضافة إلى أن الفكرة كانت تسخر من تحول الإنسان فى المجتمع المدنى لمجرد آلة تعمل وتأكل وتنام فقط دون أن يشعر حتى بأن ثمة من يشاركه نفس الغرفة والفراش، ولكن «بيبو وبشير» لا يهتم سوى بلوذعية الفكرة وبمحاولة تقديم مواقف طريفة شديدة السذاجة تنحو نحو الكوميديا الحركية أحيانا مثل هروب «بشير» المتكرر من الشقة عندما يشعر بأن العفاريت التى تسكنها -كما أوهمه صديقه- تظهر له، وللأسف نحن لا نقدم هذا النوع من الكوميديا الحركية بشكل متقن لأنها تحتاج إلى تصميم حركى معين وزوايا كاميرا وإيقاع مونتاجى خاص، بالإضافة إلى استخدام السيناريو بعض الإفيهات البصرية واللفظية المقززة والمنتشرة فى السينما الأمريكية مثل مشهد المرحاض الذى يقوم فيه «حمادة» بعد أصابع البراز قبل أن يصرفها، ثم يعود فى المساء للتبرز مرة أخرى بنفس العدد كى لا يشعر «بشير» بفرق، ومثل مشهد باسم سمرة فى القطار الذى يعتمد على السخرية من رائحة فمه وعرقه وأصابعه التى يغرزها فى العسل ويحاول وضعها فى فم «بشير» وهو نوع من الكوميديا لا يناسب شريحة عريضة من الجمهور ويحتاج لمتذوق عفن الخيال ليضحك عليه.

اجتهدت مريم أبوعوف فى محاولة تقديم إيقاع نشط للأحداث وكسرت الحاجز الضيق لحركة الممثلين فى فراغ الشقة المحدود وملعب كرة السلة وستديو الفرقة بأن صورت الكثير من المشاهد الخارجية لتهوية الفيلم بصريا على الأقل، وحاولت تقديم أكثر من أسلوب بصرى بداية من استخدام اللقطة الواحدة مثل مشهد استيقاظ بشير ليجد أباه تزوج من «طنط كوكى»، التى استخدمت فيه مريم أسلوب الكاميرا المحمولة فى لقطة واحدة طويلة تبدأ وتنتهى من حجرة «بشير»، وتكثف رغبته فى أن يغادر بيت أبيه، وكذلك أسلوب تقسيم الشاشة إلى نصفين للتعرف على ما يحدث لكلا الشخصيتين فى نفس الوقت، أو كيف يتعامل «حمادة» مع أغراض كل منهما، وكذلك صياغة أكثر من كليب سريع لتنشيط الإيقاع، خاصة أن زمن الفيلم طويل نسبيا (ساعتان)، ولكن من الغريب أن يُبذل هذا الجهد فى السعى لتجسيد فكرة مكررة لا تستحق كل هذا العناء فى إخراجها، وهو نفس الجهد الضائع الذى نشعر به مع شخصية «بشير» التى قدمها آسر ياسين فى لون كوميدى جديد تماماً على أدواره، لكنه استطاع أن يثبت نفسه فى كثير من تفاصيله، خاصة لحظات الغضب الأفريقى النابعة من كونه من أم تنزانية، ورغم عدم تمكنه من أداء كوميديا الحركة بشكل طريف وإنما بدا مفتعلاً وهو يسقط ويرتطم بالأشياء.

إلى جانب الكوميديا الحركية وإفيهات «المراحيض» اعتمد السيناريو على كوميديا عكس الأشياء مثل أغلب مشاهد «بشير» و«حمادة» الذى يقول فيها بشير «مش حشرب حشيش» فنجده يشرب حشيش فى المشهد التالى أو يقول له «مش حعاقبك» فنجده يربطه فى اللقطة التالية فوق أحد الأسطح، وفكرة عقاب «بشير» لـ«حمادة» من أسمج مواقف الفيلم، لأنها غير منطقية وكرتونية للدرجة التى لا تناسب الحد الأدنى من الهزل فى التجربة، والاستغراق فى أنواع معينة من الإفهيات دون النظر لمصداقيتها ومدى تقبل الجمهور لها، يصنع حاجزا ما بين المتلقى والشخصيات بدلا من أن يتقبلها بطرافة، ومشاهد تعذيب «بشير» لـ«حمادة» بربطه فوق السطوح وفى عمود كرة السلة ليصوب عليه الأطفال، مفتعلة جدا، وربما باستثناء مشهد إطلاق «بشير» التمساح فتحى «على» «حمادة» فى السيارة وهو أكثرها مصداقية وإقناعا لأنه من الصعب الاقتناع بأن «حمادة» ضعيف الشخصية للدرجة التى يقبل فيها ما يفعله به «بشير» دون أن يقاوم أو حتى يهرب!

ناهينا عن كم المشاهد المأخوذة من أفلام أخرى مثل مشهد دخول «بشير» من باب المطبخ، بعد أن أغلقت «بيبو» باب الشقة مثلما فعلت سعاد حسنى مع أبو كف فى «غريب فى بيتى» أو مشهد إحضار «حمادة» لفتيات ليل إلى «بشير» فى الشقة ظنا منه أن «بيبو» غادرت مثلما فعل طلعت زكريا مع مصطفى قمر فى «حريم كريم»، وكان يمكن الاكتفاء بمشهد التحية لفيلم «الشقة من حق الزوجة»، وهو مشهد الحمام الشهير الذى يقذف فيه محمود عبدالعزيز رأس نعيمة الصغير بالغسيل والذى نفذه صناع الفيلم بشكل بارودى جيد ويثبت ما ذكرناه فى البداية من أن المعالجة كانت تحتاج إلى مزيد من المحاكاة الساخرة بعيداً عن الاقتباس السافر الذى بلا معنى أو هدف.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية