على غير المتوقع، بدا رئيس المجلس العلمى للدعوة السلفية فى فلسطين، الشيخ ياسين الأسطل، هادئاً مبتسماً وهو يجلس خلف مكتبه الأنيق فى مقر المجلس فى خان يونس، جنوب قطاع غزة، إذ سادت الحوار الذى أجرته معه «المصرى اليوم» أجواء دافئة وروح دعابة، لم تتوقف إلا عند الحديث عن التفجيرات التى تحدث بين الحين والآخر فى العالمين العربى والإسلامى، ومنها ما حدث مؤخراً فى الإسكندرية.. الشيخ «الأسطل»، المكنى بـ«أبى عبدالله»، أكد فى حواره لـ«المصرى اليوم» عدم وجود أى مبرر عقلى أو شرعى للتفجيرات والقتل والاغتيال. واستنكر الاعتداء على كنيسة «القديسين». وقال إنه لا يجوز بأى حال الخروج على الحاكم، مهما كانت
الأسباب..
■ بداية.. ما السلفية؟
ـ السلفية هى الإسلام من حيث المعنى والموضوع والتفصيل والإجمال، لكن اسم «السلفية» محاولة لفهم الإسلام بفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم.
■ وما منهجها؟
ـ منهج السلفية هو منهج الإسلام فى وضوح فكرته وسهولة طريقته وسماحة دعوته.
■ معنى ذلك أن ما يحدث أحيانا من تجاوزات ليست له علاقة بالسلفية بمعناها الحقيقى؟
ـ هذا كله خارج السلفية، لكن ينسب لـ«السلفية» لاعتبارات إعلامية، وهى تسمية غير صحيحة، وهناك عدد من السياسيين يطلقون الكلمة دون أن يدركوا معناها، وبعض الجهات الأخرى تلصق بعض التجاوزات بـ«السلفيين» وهم يجهلون الحقائق، والبعض ليس فيهم رجل معروف بالعلم مشهود له عند علماء المسلمين أو جمهور المسلمين.
■ هل السلفية تخالف ذلك؟
ـ بالطبع هى ليست ذلك، وتختلف كثيرا، فالسلفية تعنى ارتباط المسلم بالدعوة السلفية بمن كان فعلا يحمل الدعوة السلفية، ويرتبط بقوله ومجتمعه وإمامه، ومن العقيدة السلفية متابعة الإمام وطاعته حتى لو كان ظالما أو فاسقا أو جائرا، ما دام يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذا أصل أصيل فى العقيدة السلفية، أن الإمام ولو جار وظلم يبقى من المسلمين، ولا يجوز الخروج عليه ولا يجوز فضحه مهما كانت الأسباب.
■ كثر الحديث عن وجود سلفية جهادية وأخرى دعوية أو تقليدية.. هل هناك أنواع من «السلفية»؟
ـ السلفية لا تتعدد، السلفية علم وعمل ودعوة، هى الدعوة الإسلامية لكنها ليست مشوبة بالأفكار البشرية، وهنا مكمن المشكلة، أن يعامل اجتهاد هذا الشخص نفسه واجتهاد من يدور فى فلكه معاملة النصوص الشرعية، التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، بل هو أعلى من ذلك عند الكثيرين من الناس، حيث تعتبر نصوصهم (عند أنفسهم) الاجتهادية البشرية، هى المفسرة أو المبينة للآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية وهنا المشكلة.
■ إذن كيف يمكن توصيف «السلفية».. هل هى حزب سياسى أم تيار دينى؟
ـ الدعوة السلفية دينٌ وعقيدة وعمل وسلوك وعبادة، لا نستطيع أن نضعها فى قالب معين، هى الإسلام بشموله، وفيما نعلم ونعتقد وندعو إليه أن كل مسلم سلفى، فالسلفية هى الإسلام، لا يمكن أن يكون هناك مسلم غير سلفى.
■ هل هناك صراع بين السلفية وتيارات إسلامية أخرى مثل الإخوان المسلمين وحركة حماس؟
ـ الحق لا يصارع أحدا، وإنما غيره يصارعه، والحق غالب لا محالة، وهو كالشمس لا يصارعها أحدٌ أبداً لإطفاء نورها، فمهما حاول أحد أن يطفئ نور الشمس لا يستطيع، ولا يوجد صراع سياسى ولا عقائدى، ولا صراع بهذه المعانى.
■ يقول البعض إن من يتبن فكر الدعوة السلفية يمل لمهادنة الحكام؟
ـ ليس مسألة مهادنة الحاكم، فالحكام ليسوا أعداء للمسلمين حتى يهادنوا الحكام، هم من المسلمين ويحملون من الآلام ما يحمل المسلمون، يعنى الحاكم الذى يحكم بلداً فيه 20 مليوناً أو 50 مليوناً أو أكثر أو أقل يحمل مسؤوليتهم، ولذلك هو أخبر بما يفعل، لكنه مأمور فى ذلك بأن يحكم بما أمره الله عز وجل وبما استطاع من ذلك، ليس بكل ما أمره الله، فقد لا يطيق. ومشايخنا الكبار الذين لقوا الله عز وجل، ومشايخ الأزهر وعلماء المسلمين، ما كانوا يكفرون الحكام.. تكفير الحكام وليد السنوات الأخيرة، فليس منهج أهل العلم تكفير الحكام وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم، والخروج عليهم والتأليب عليهم، هذا شىء جديد.
■ كيف تتعاملون مع الأنظمة السياسية؟
ـ بالنصيحة، ليس لنا إلا النصيحة والمناصحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بلا منكر، وليس من كل أحد، فليس لكل واحد أن يصعد على المنبر ويتكلم فى مثل هذه الأمور، هذه الأمور لها أهلها ولها علماؤها، هم أصحاب الكلمة المسموعة لدى الناس، عمومهم وخصوصهم.
■ وإن كان بعض المسلمين فى البلدان العربية يعتقدون أن هؤلاء الحكام أو بعضهم عملاء للغرب؟
ـ هؤلاء أهل السياسة، الذين يجعلون السياسة مكان الدين، هؤلاء الذين يحملون الدعوة السياسية ليس الدعوة الإسلامية، أو الدعوة السياسية المصبوغة بالإسلامية.
■ ما موقفكم من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؟
ـ هو ولى أمر الفلسطينيين، ويجب طاعته فى طاعة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإسداء النصح إليه، ويجب الدعاء المخلص له، لأنه من المعلوم أن علماء السلف رضوان الله عليهم، كانوا يقولون «لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها فى السلطان أو للسلطان»، لأن صلاحه صلاح المسلمين وفساده فساد المسلمين.
■ ماذا عن عمليات التفجير التى تحدث فى دول العرب والغرب؟
ـ هذا لا يرضاه الله ولا رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولا ذو عقل سليم أبداً، لا يوجد أى مبرر لاستخدام التفجير والقتل والاغتيال وكل هذه الأسباب لا يوجد أى مبرر شرعى ولا عقلى لها، وكل ذلك لا نقبل به أبداً، وأنا أتكلم من ناحية علمية إسلامية، وأؤكد أنه غير جائز القيام بكل هذا.
■ قضية الجهاد ومقاومة إسرائيل فى فلسطين أو أمريكا فى العراق وأفغانستان.. ما موقف الدعوة السلفية من ذلك؟
ـ الجهاد فى مفهومه الشرعى متسع وكبير جداً، ولا يمكن أن يقوم به فرد ولا جماعة ولا طائفة مهما بلغت، بل ولا دولة من دول المسلمين الآن، مهما بلغت قوة وعلماً واقتصاداً وحدها أن تفعل ذلك، إلا أن يكون بإجماع هذه الدول وفق ظروف معينة، فضبط الجهاد بمعناه الواسع لا يكون إلا فى قيام الجماعة (المسلمين جميعاً)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الإمام جُنَّة يتقى به ويقاتل وراءه».
■ هل تعتقد أن المعطيات الحالية فى فلسطين مناسبة سياسياً وميدانياً للجهاد؟
ـ الجهاد بمعنى القتال لا يملكه إلا ولى أمر المسلمين، كما أن الجهاد بالمعنى الواسع هو المطلوب، لكن ما يردده البعض هو «الجهاد السياسى» الذى يدور منذ فترة حتى الآن، فما يجرى من مفاوضات بين المسلمين والاحتلال الإسرائيلى للوصول إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل واسترداد البلاد هذا نوع من الجهاد.
■ كيف تقيم موقف السلطة الفلسطينية وحركة حماس من التعامل مع مصر؟
ـ «مصر هى أم الدنيا» كما يقال، لكن أضيف أنها «أم الدين» كذلك إن صح التعبير، ففيها أهل العلم والسياسة والاقتصاد والتاريخ واللغة، وهم فى المحصلة قوة الإسلام وسند المسلمين، وهم من يحملون لواء الأمة العربية ويحمونه.