x

سلوى على مشرفة: والدى قال «الحكومة التى تهمل الذرة تهدر الدفاع عن وطنها»

الخميس 15-09-2011 19:47 | كتب: ميلاد حنا زكي, ماهر حسن |
تصوير : علي المالكي

 

قالت الدكتورة سلوى على مشرفة، ابنة العالم المصرى الكبير الدكتور على مشرفة، إن وفاته كانت طبيعية، ولا تشك فيما أشيع عن ذلك، مشيرة إلى أن إسرائيل كان عمرها سنتين ولم يكن الموساد بالحجم أو القوة التى عرفت عنه فيما بعد، ورجحت وفاته بأزمة قلبية، كما قال الطبيب الخاص به، وأكدت فى حوارها لـ «المصرى اليوم» أنه أول من نادى بتصنيع القنبلة الذرية فى مصر لحفظ التوازن فى المنطقة، وحكت حقيقة خلافه مع الملك فاروق، وتحدثت عن إعجابها بالمسلسل الذى تناول سيرة حياته، «رجل من هذا الزمان»، وإن أغضبها أنه لم يحمل اسمه، وأشادت بالفنان الشاب أحمد شاكر، ليس فقط لاقترابه من والدها فى الشكل، وإنما فى الأداء، لدرجة أنها شعرت بوالدها يتكلم ويتحرك على الشاشة، وتفاصيل أخرى حول مشواره العلمى وعلاقاته فى تلك المرحلة فى الحوار التالى:

■ بداية كيف توفى الدكتور مشرفة وهل صحيح ما أشيع عن وقوف الملك فاروق أو الموساد وراء وفاته؟


- والدى توفى عام 1950، أى بعد حرب عام 1948 بعامين، مما يعنى أن إسرائيل كان عمرها سنتين، ولم يكن الموساد الإسرائيلى بالحجم أو القوة التى أشيعت عنه فيما بعد، لذلك لا أشك بأن إسرائيل أو الملك وراء وفاته، خاصة أنه فى يوم رحيله، استيقظ مبكراً وكان فى طريقه إلى البرلمان، وطلب شاياً، وشرب القليل ثم توفى، وعندما كشف عليه الطبيب قال «فشل فى القلب».


والدى كان دائماً يقول عنى «أنا مش هعيش أربى البنت دى، قدامى سنتين ثلاثة»، وأعتقد أنه كان يحمل مرضاً ويعرف أنه سوف يموت ولكنه لم يعلن عنه، لكن الشك فى وفاته جاء من كونه شخصاً عظيماً. وأرجح أنه كان يعانى من مرض فى قلبه.


■ هل تطرق المسلسل إلى ملامح وتفاصيل شخصية على مشرفة؟


- المسلسل التليفزيونى ككل كان أكثر من رائع، لكن ملاحظاتى عليه أنه قدمه بشكل مثالى جدا، فلم أشاهد والدى فى حلقة واحدة طوال حلقات المسلسل عصبى المزاج أو حاداً، وكان دائماً هادئاً، بمعنى أدق كان مثالياً جداً. وهذا مخالف للطبيعة البشرية وثانياً لطبيعة والدى الذى كان فى بعض الأوقات عصبيا، وينهرنا من فرط حبه الشديد للنظافة والنظام، ونحن كأطفال صغار، لاندرك ذلك فى ذلك الوقت، إلى جانب هذا كان والدى عاشقاً للرياضة خاصة لعبة التنس، فأنشأ ملعب تنس خاصاً فى فيلتنا بمصر الجديدة لمزاولة هذه الرياضة.


لكن فى النهاية المسلسل أنعش ذاكرتى، وأتذكر بعض المواقف الطريفة لأبى، حيث إنه كان ينشئ أخى مصطفى على أن يكون رجلاً جاداً يتحمل جميع الظروف، لهذا ألحقه بمدرسة حكومية، أما أختى نادية فألحقها بمدرسة فرنسية وكان يناديها بـ«نوتكا» ويصل الأمر إذا أخطأت نادية أن يعاقب أخى لأنه يجب أن يراعى أخته.


■ ألم يغضبك الاختلاف الذى تذكرينه؟


- لا، هذا العمل يستحق التقدير وإن كان الذى أغضبنى أنه لم يحمل اسم والدى، وتحدثت مع المخرجة إنعام محمد على فى هذا الشأن، فأضافت اسم على مصطفى مشرفة أثناء الإعلان عن المسلسل، وإن كنت أرى عنوان «رجل لهذا الزمان» أفضل، لأنه يدل على أهمية أفكار مشرفة الآن إلى جانب بعض الملاحظات مثل اقتصار العرض على بعض القنوات، كما أنه كان يذاع فى توقيت واحد فى بعض القنوات.


■ بعض المراجع التاريخية ذكرت أن مشرفة له نشاط ثورى وخاصة فى ثورة 1919؟


- دائماً يحدث التباس بينه وبين أخيه، ويرجع ذلك إلى أن البعض يقول عن والدى مصطفى مشرفة، وهو اسمه على مصطفى مشرفة وأخوه اسمه مصطفى، وكان له نشاط سياسى واعتقل مع ثوار ثورة 1919، أما على مشرفة فى هذه الفترة فلم يكن فى مصر، فالتحق من 1917- 1920 بكلية توتنجهام بإنجلترا للحصول على درجة البكالوريوس فى الرياضة، وكتب إلى محمود فهمى النقراشى أحد زعماء الثورة ليعلن عن رغبته فى العودة إلى مصر للمشاركة فى الثورة ولكن النقراشى قال له «نحن نحتاج إليك عالماً أكثر ما نحتاج إليك ثائراً.. أكمل دراستك فيمكن أن تخدم مصر فى جامعات إنجلترا أكثر مما تخدمها فى شوارع مصر».


■ ما حقيقة خلافه مع الملك فاروق؟


- حدثت عدة مفارقات فى هذا الموضوع، فالملك فاروق أعلن فى الصحف منح د.مشرفة الباشوية.. ولكن والدى رفض أن يتعاون معه، فلم يذهب إلى القصر لشكره على الباشوية حسب بروتوكول القصر وقتها، مما أثار غضب الملك، ومنع تعيينه مديراً للجامعة، كما منع سفره لأمريكا، بعد موافقة مجلس الوزراء على انتدابه أستاذا زائراً بناء على دعوة جامعة «برينستون» الأمريكية التى يقوم بالتدريس فيها نخبة من العلماء من بينهم العالم الشهير ألبرت أينشتين.


كان فاروق يقصد إجباره على عدم السفر، ومنع المال الخاص بنفقات سفره، كما حاولت أمى إرسال بعض المال له ولكنها منعت أيضا إلا أنه صمم على مواصلة سفره على نفقته الخاصة، إذ شعر بمجرد وصوله لإنجلترا بتعب ومكث فى سويسرا بعض الوقت ثم رجع إلى مصر دون أن يزور أمريكا.. حتى بعد وفاته لم يرسل الملك له مندوباً للتعزية فى جنازته.


■ ماذا وراء دعوته لامتلاك السلاح النووى فى هذا الوقت المبكر؟


- مشرفة كان أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة، وأحد العلماء الذين حاربوا استعمالها فى الحرب، واشترك مع «أوبنهايمر» و«أينشتين» فى الدعوة لاستعمالها فى السلم، وكان يدعو الحكومة إلى البحث الذرى وتصنيع القنبلة الذرية، لا لكى تستخدمها، ولكن لكى تحفظ بها توازى القوى فى المنطقة، بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهى أن الهيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمنى أن تصنع القنبلة الهيدروجينية، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات فى الولايات المتحدة وروسيا، وكان يقول إن الحكومة التى تهمل دراسة الذرة إنما تهمل الدفاع عن وطنها وانطلق يقول بأعلى صوته إن معدن اليورانيوم موجود فى صحراء مصر الشرقية، لكن كلماته اصطدمت بآذان لا تسمع، ثم حققت الأيام صدق رأيه العلمى لنضوجه العلمى فى الذرة واستخداماتها حتى إن اختراق اسم الذرة آذان المصريين لأول مرة جاء مقترناً باسم الدكتور مشرفة.


■ ما مصير تراثه الذى تركه من الأبحاث والمقالات والمسودات العلمية التى كانت مطمعاً للكثيرين؟


- فى الحقيقة لم تحاول أى دولة أو جهة سواء مصرية أو أجنبية أخذ هذه الأبحاث وظلت موجودة حتى أخذها عمى عطية بعد وفاة والدى وجمعها لإصدار كتاب عن على مشرفة وكانت تقدر أبحاثه فى نظريات الكم والنسبية والذرة والإشعاع بنحو 24 بحثاً وبلغت مسودات أبحاثه العلمية حوالى 200 بحث بخلاف المقالات. وفى أوائل عام 2011 اتصلت بمكتبة الإسكندرية لأهدى هذا التراث، وبالفعل تسلمت المكتبة كل ما يخص أبى وأكدوا لى أنهم بصدد إنشاء متحف خاص باسمه.


«مشرّفة» من الذرة إلى الموسيقى


فى صباح 16 يناير1950 سرت شائعة عمت أنحاء المحروسة مفادها أن الدكتور على مصطفى مشرّفة بعد أن شرب شاى الصباح صعدت روحه إلى بارئها، وأن وفاته- على ذلك- ليست طبيعية، وكثرت الحكايات كان منها أن الجالس على العرش وراء موته، ولم لا؟ إذا كان مشرفة يرأس مجموعة سرية من التلاميذ والأصدقاء هدفها التنديد بالملكية والمناداة بالنظام الجمهورى، ومن الحكايات الأخرى أن الإسرائيليين لهم يد فى الموضوع. كان مشرفة حين لقى ربه عميدا لكلية العلوم بجامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) لمرات أربع ولأربعة عشر عاما منذ اختاره على زكى العرابى، وزير المعارف، فى 27 مايو 1936، وفى عمادته الأولى حصل على لقب البكوية.


وفى 11 فبراير 1946 كان من المقرر أن يزور الملك عبد العزيز آل سعود جامعة فؤاد الأول غير أن على باشا إبراهيم، رئيس الجامعة، آنذاك كان مريضا، وكان مشرفة مديراً للجامعة بالإنابة وكان عليه أن ينوب عن على إبراهيم فى استقبال الملك السعودى ومنحته السراى رتبة الباشوية، ومن المحتمل جداً أن يكون جواسيس السراى فى الجامعة أبلغوها هذا التصرف من مشرفة فأسرته له، وكان مشرفة منتخبا وكيلا للجامعة لمدة ثلاث سنوات تنتهى فى ديسمبر 1948 وفوجئ بأن وزارة النقراشى أصدرت قانونا بأن يكون اختيار وكلاء الجامعة بالتعيين وفى عهد الوزارة ذاتها، وفى يونيو 1948 صدر قرار بإعفاء مشرفة من وكالة الجامعة وتعيين وكيل جديد لها، وكان من المتوقع عندما يخلو منصب مدير الجامعة أن يكون من نصيب مشرفة فهو أقدم العمداء وأطول من شغل منصب الوكيل مدة، ولكن لأن مشرفة لم يذهب للسراى ليقدم آيات الشكر لمولانا على منحه الباشوية فلم يتم اختياره لشغل منصب مدير الجامعة.


ومما يذكر للدكتور مشرفة أيضا أنه كان من المساهمين فى مشروع القرش منذ بدأ أحمد حسين صاحب المشروع ومؤسس حزب مصر الفتاة يزور الجامعة لنشر الفكرة بين الأساتذة والطلبة وكان الدكتور على إبراهيم، رئيس الجامعة آنذاك قد اختير رئيسا للجنة التنفيذية للمشروع.


لكن لنبدأ سيرة مشرفة من بدايتها، والتى تقول إنه ولد فى دمياط فى 11 يوليو 1898، وكانت أزمة مالية قد داهمت أسرته فى 1907 أودت بكل ما تملكه، وقبل أن يؤدى امتحان الابتدائية فى 1910 توفى والده وانتقلت الأسرة إلى القاهرة فى حى عابدين لكن مشرفة التحق بمدرسة ثانوية بالإسكندرية بالمجان ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة السعيدية الثانوية وحصل على البكالوريا فى 1914، وكان الثانى على طلبة القطر المصرى وتوفيت أمه قبل الامتحان بشهرين ورغم مجموعه العالى فى البكالوريا فإنه قرر الالتحاق بمدرسة المعلمين العليا وحصل على الدبلوم فى 1917 وسافر إلى إنجلترا للحصول على بكالوريوس الرياضة الذى حصل عليه عام 1920 وعرف فى إنجلترا بنشاطه الوطنى بين المصريين هناك لتأييد الحركة الوطنية، وبقى فى إنجلترا وحصل على الدكتوراة فى فلسفة العلوم فى 1923، وأصبح عضوا فى الجمعية الملكية البريطانية وأخذ ينشر أبحاثه فى الدوريات العلمية المتخصصة، وأصبح من فريق المحاضرين فى الجمعية الملكية، وبعد أن عاد لمصر، ثم ذهب مجددا إلى بريطانيا وحصل على الدكتوراة فى العلوم فى 1924 فكان أول مصرى يحصل عليها والحادى عشر بين علماء العالم وفى 1925 وأصدر على ماهر باشا، وزير المعارف، قرارا بتعيين مشرفة أستاذا للرياضة التطبيقية فى كلية العلوم سنة 1926، وكان أول مصرى يشغل هذا المنصب إلى أن اختير فى 1930 وكيلا لكلية العلوم حتى 1936، وهو العام الذى اختارته فيه حكومة الوفد عميدا ليصبح أول عميد مصرى للكلية.


لم يكن مشرفة عالما فقط وإنما أسهم فى الحياة الفكرية بريادته فى تخصصه وبحوثه واكتشافاته وتأسيسه الجمعيات المتخصصة ومشاركته فى مجمع الثقافة العلمية ومراكز البحوث، حتى الموسيقى أسهم فى إثرائها بتأسيس الجمعية الموسيقية بالاشتراك مع أبوبكر خيرت ومحمود الحفنى ووديع فرج وهى الجمعية التى لعبت دورا مهما فى ترجمة الأوبرات العالمية للعربية، كما اهتم مشرفة بالتأليف العلمى والترجمة العلمية وأنشأ قسما للترجمة العلمية فى كلية العلوم، ووضع فى 1938 القاموس العلمى بالاشتراك مع محمد عاطف البرقوقى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية