الحمد لله الذى أنعم علىَّ برفض السيجارة.. وكل أنواع الدخان، أو التمباك، سواء كان فى سيجارة أو شيشة.. أو جوزة.. ولو طعموها بالمعسل التفاح.. أو المصرى. ومنهم لله الأتراك - المحتلون لنا - الذين أدخلوا النرجيلة، أى الشيشة، فى حياة المصريين والسوريين والعراقيين.. وكان ذلك من أبشع العادات التى استغلها الأتراك للسيطرة على الناس من خلال تغييبهم.. بهذا الدخان.. الذى بسبب أرباحه احتكره السلاطين الأتراك واتباعهم.. وامتد ذلك إلى محمد على باشا، الذى احتكر تجارة الدخان لأنها تدر دخلاً ثابتاً وعظيماً إلى خزائن السلطة!!
وقد امتد وباء احتكار السلطة للدخان.. وهو هنا التمباك، إلى العصر الحديث، فاحتكرت السلطة كل مراحل زراعة الدخان، وفى غرب آسيا وحتى إيران وأفغانستان وبلاد البلوش، يطلقون عليه «الغليون». وأيضاً عمليات استيراده وتوزيعه حتى الآن.. وما الشركة الوحيدة التى تدير عملية استيراد الدخان وتصنيعه وتوزيعه إلا امتداد لعملية الاحتكار هذه.. لأن دخلها ورسوم إنتاجها وأرباحها تتجه مباشرة إلى المحتكر الوحيد.. وهو السلطة.
وفى تصريح لرئيس هذه الشركة منذ أيام قليلة، بمناسبة زيادة سعر علبة السجاير كليوباترا، قال إن الهدف هو تحقيق إيرادات بنحو 49.7 مليار جنيه، يعنى 50 مليار جنيه سنوياً للخزانة العامة مقابل 34 ملياراً فى العام المالى الحالى.. أى الزيادة بنسبة 35٪ تقريباً وهى بذلك أكبر زيادة فى عائدات الدولة.. يا الله افرحوا يا أولاد، أو الأصح افرحى يا حكومة، لأنها أكبر شريحة تدعم موازنة الدولة. حتى ولو تم ذلك على حساب صحة الناس.
وفى نفس السياق، قال إن الشركة تستهدف كمية مبيعات تبلغ 86.6 مليار سيجارة.. منها 61.5 مليار سيجارة من الإنتاج المحلى غير 25 مليار سيجارة من الإنتاج الأجنبى تنتج داخل مصر لحساب الغير، يعنى ببساطة: 1000 سيجارة لكل مواطن. وهذا بالطبع غير إنتاج الشركة من المعسل - لرسوم الجوزة والشيشة.. أو النرجيلة - الذى يتجاوز 18.7 ألف طن من المعسل سنوياً.. يا بلاش!!
وهنا أتذكر أن هذه الأرقام - وتعاظم أرباح شركة السجاير المصرية - شدت انتباه صحفىٍّ من رجال الصف الأول - فى الخمسينيات - هو أحمد الصاوى محمد - وتولى رئاسة تحرير الأهرام، ثم الأخبار فترات طويلة، وهو أكثر من ربح وأضاع ثروته بين كل الصحفيين أيام زمان - أقول شدت انتباهه أرباح إنتاج السجاير فى مصر.. وكان ذلك بعد أسابيع قليلة من تأميم عبدالناصر لشركة قناة السويس.. فكتب يقول إن عائدات شركة السجاير أعلى من عائدات ورسوم عبور السفن للقناة. واعتبر عبدالناصر هذا المقال «ما قل ودل»، وتسفيها لكل عملية تأميم شركة القناة.. بل اعتبره تسخيفاً لكل العملية السياسية لهذا التأميم وما تبعه من عدوان ثلاثى على مصر عام 1956.. فكان هذا المقال من الأسباب التى دعت عبدالناصر إلى تأميم الصحافة فى مصر فى مايو 1960، وقال صراحة إن مثل هذا الكلام يضرب فى مقتل أحد أهم أحلام المصريين.
** وإذا كان السلطان - أى سلطان - عندما يقرر زيادة أسعار أى سلع فى مصر يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يمتد قرار الزيادة إلى السجاير أن يقول - فى نفس قرار الزيادة - إنها لن تمس السجاير الشعبية.. واستمر نفس هذا السلوك سارياً حتى الآن. وإن زادت أسعار السجاير - غير الشعبية بعض الشىء - فإنها مجرد زيادة هامشية على الأنواع الشعبية تماماً، وألا تقترب قرارات زيادة الأسعار كثيراً من سعر رغيف العيش.. لأنه - والسيجارة - أهم ما يحرص السلطان على الابتعاد عنهما!!
** ولكن وباء المعسل لا يقل خطورة عن السجاير.. وأعرف أن عائلات كبيرة تكاد تحتكر تصنيع المعسل، بكل أنواعه.. وتجنى من ورائه الملايين.. وإذا كان المعسل - زمان - لا يشربه إلا كبار السن إلا أننا الآن نجد أن الشبان أكثر إقبالاً.. بل امتد هذا الوباء إلى الفتيات صغيرات السن.. وليس فقط الستات العواجيز.. وهو وباء انتشر أيضاً فى الجزيرة العربية.. ودول الخليج.. وأصبحت الكافيهات هى الأكثر طلباً لذلك داخل مصر وخارجها.. ونقلها المصريون داخل مصر إلى من يعمل منهم خارجها.. وليس غريباً أن يحمل المصرى بين حقائبه شيشة.. أو جوزة.. ولو كانت مجرد زجاجة مياه فارغة!!
** ولن أقارن هنا اليوم بين عائدات الخزانة العامة من قناة السويس ومن إنتاج السجاير حتى لا أتسبب فى إزعاج السلطات.
ولكنى أتمنى أن يواصل كاتبنا الكبير الصديق صلاح منتصر حملته التاريخية ضد السجاير.. وأن تشمل حملته حملة أخرى ضد الشيشة وشاربى الشيشة.. وعشاقها من البنات قبل الأولاد.
وهنيئاً للدولة.. بعائدات السجاير.. وعائدات المعسل!!