x

الطاهر بن جلون: المثقف العربى يخاطر بحياته حين يلتزم

الأربعاء 14-09-2011 19:17 | كتب: أيمن عبد الهادي |
تصوير : other

تفاعل الروائى المغربى الطاهر بن جلون، عضو لجنة تحكيم جائزة جونكور الفرنسية الشهيرة، مع ثورتى تونس ومصر اللتين أطاحتا بنظامين من أكثر أنظمة الحكم استبداداً بكتابين خصصهما للحدثين العظيمين. نشر فى شهر يونيو الماضى عملين دفعة واحدة: كتاب «الشرارة» دراسة عن ثورات العالم العربى، وكتاب «بالنار»، وفيه يحكى قصة التونسى محمد بوعزيزى، الذى ضحى بنفسه فأشعل الحرية فى بلده وفى غيره من الأقطار العربية. الكتابان صدرا فى فرنسا عن دار نشر «جاليمار»، وعنهما حاورت مجلة «مجازين ليترير» الفرنسية «بن جلون» فى عددها المزدوج (يوليو-أغسطس). هنا ترجمة لمقتطفات من الحوار.


■ كتابان فى الوقت نفسه: هل يعنى هذا أن ثمة نمطين مختلفين من الكتابة لا يمكن جمعهما فى كتاب واحد؟


- لاحظت فى فرنسا أن أنواع الكتابة كالدراسة والكتابة لا تمتزج. لهذا السبب يمكن أن يظهر حول الموضوع الواحد أكثر من نص قصير. فى كتاب «الشرارة» حاولت أن أشرح أسباب هذه الثورة المفاجئة والتاريخية. فى كتاب «بالنار» وصفت مراحل الإذلال التى قادت محمد بوعزيزى إلى التضحية بحياته بطريقة مشهدية، وهو أمر ليس له سابقة فى الثقافة العربية والإسلامية.


■ كان الأمر طارئاً إذن؟


- كل كاتب هو شاهد على عصره، لا يمكن أن أظل لا مبالياً أمام حجم «الربيع العربى» هذا، حتى لو علمت أن ثمة فترة صعبة تتأسس الآن فى مصر وتونس (...).


■ لكنك لم تكن موجوداً فى الأحداث، لا فى تونس ولا فى مصر! وهذا يعنى أن ثمة معوقاً للحديث عنها أليس كذلك؟ إلا لو اعتقدنا أن الرؤية من بعيد أفضل؟


- أنا لم أكتب «ريبورتاج»، أنا تفاعلت ككاتب، كانت لدينا معلومات كثيرة جداً، فى نفس وقت حدوثها، دور الكاتب أن يستولى على هذا الواقع وأن يكتب وفقاً لهذه المعطيات. فى «الشرارة» تدهورت مقومات الحياة للمواطنين التونسيين والمصريين فى ظل ديكتاتورية لا تتردد فى التوقيف، التعذيب والقتل، وهكذا استخدمت على سبيل المثال حالة المصرى السكندرى الذى استدعته الشرطة فى 4 يناير وقتل فى اليوم نفسه فى قسم الشرطة. انطلقت من هذا المثال الذى لم يكن، للأسف، استثناء لكنه كان متكرراً، لأشرح كيف يعمل نظام مبارك. فعلت الأمر نفسه مع محمد بوعزيزى، ثم حاولت أن أدخل فى رأس الديكتاتورين المخلوعين وأتخيل عذابهما، إحباطهما. اشتغلت على الواقع، لكننى عالجته بطريقة أدبية. فكرت أنه لو أننى كنت فى مكان الأحداث لكنت كتبته بطريقة مختلفة. لا أزعم هنا أننى كنت فى الشارع مع المتظاهرين، لكننى تخيلت وعالجت الواقع وفقاً لما أمتلكه من نوايا (...).


■ لكن هل لا يزال الأدب وتحديداً الرواية الطريقة الفضلى لترجمة الواقع حين يُنقل هذا الأخير عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى؟


- أصبح الأدب ضرورة لوصف العالم أكثر من أى وقت مضى، لأجل أن يحاصر ألم العالم. لدينا فائض من المعلومات وكل ما ينشر على الإنترنت ليس موثوقاً فيه. يبقى موطن الخيال الوسيلة الأكثر أماناً لتسجيل الحكاية فى الزمن. أظن أن نص «بالنار» القصير يقول أكثر مما يفعل الريبورتاج الموضوعى، ويكون القارئ قادراً على أن يتماهى مع الشخص ودواخله التى قادته إلى التضحية بنفسه بهذه الطريقة (...).


■ هل تفسح هذه الحكاية المجال لقراءة الرمزية؟


- لكنها لا ترمز لشىء! إنها قصة وقعت وحاولت أن أحكيها على أمل أن يفهم القارئ ما يكاد يكون الأسباب الداخلية التى أدت لحدوثها. ويظل اللغز: كيف تولدت فكرة التضحية بالنفس عن طريق الحرق بالنار فى ذهن محمد؟ لأن هذا لا ينتمى بأى حال من الأحوال للتقاليد الإسلامية والعربية. فى النص لم أجعل «محمد» يتكلم عن هذا القرار فى أى لحظة، أعتقد أنه هو نفسه لم يكن يعلم أنه سيضحى بنفسه طالما أنه نفذ آخر محاولة كى يستقبله موظف رسمى كان يمكن أن يعيد إليه أدوات عمله.


■ حين كتبت أن «بوعزيزى» هو «بطل على مضض»، هل كنت تفكر أنه استنفد جسده بالفعل ليدافع عن قضيته؟


- بالتضحية بنفسه بالنار كان من غير المتخيل أن تضحيته ستقلب العالم. أصبح فى نظرنا بطلاً، لكن فى الوقت الذى كان يعانى فيه الذل، وكان يشعر أنه منفى بشدة داخل ذاته، مُحتقراً بشدة، فإن فكرة أن يصبح بطلاً ربما لم تمسه أبداً. فى إحدى رواياتى المبكرة «مُحا الحكيم.. مُحا المجنون» (1978)، تخيلت شخصاً فقد كل شىء لكنه بدلاً من أن ينتحر قرر أن يبوح بكل شىء لأنه ليس لديه ما يخسره، وجد ثانية حريته كلها، لأنه بالفعل لا يوجد شىء يجعله يبقيه فى الحياة، حتى ميتاً، استمر فى الكلام، فى الإعلان عن الحرية والعزة للشعب المغربى. جنونه حماه وحكمته جعلته صدوقاً. كان من الممكن أن يصبح «محمد» «مُحا»، لكن العصر اختلف، أصبح أكثر ظلماً، أكثر عنفاً، الأغنياء أكثر تغطرساً وأكثر وقاحة. أثراهم الفساد والسلطة وجعلاهم نتيجة لذلك أكثر قسوة مع الفقراء (...)


■ كتبت: هذه الحكاية لا تخص أحداً. فى هذه الحالة، كيف يسمح كاتب لنفسه بأن يستولى عليها؟


- الكاتب شاهد على عصره ومراقب متنبه. إنه لأمر طبيعى تماماً أن يستولى على ما يحدث فى الحياة لكى يقصه، خصوصاً إذا حدث ذلك عبر خياله.


■ من أين تأتى أسطورة «صمت» المثقفين العرب المزعوم؟


- غالباً، من خلال البرامج والمقالات يلام المثقفون العرب على أنهم لا يتفاعلون، وأنهم يصمتون ويتقبلون ما لا يمكن التسامح معه. هل تعلمون كم من المثقفين العرب الملتزمين دخل السجن وتم تعذيبه، وكم منهم قتل؟ أذكركم فقط على سبيل الذكرى - بمقتل الكاتب اللبنانى سمير قصير فى 2 يونيو 2005، قتل بسبب مقالاته التى انتقد فيها النظام السورى. كان قد بلغ 45 عاماً بالكاد، ورغم نصائح أقربائه بالحذر تابع عمله كمثقف نزيه، ملتزم وحر.. على الأقل كان يظن نفسه حراً.


■ لكن ما دوافع أولئك الذين يستمرون بوعى أو بغير وعى فى نشر أسطورة «الصمت»؟


- من ينشرون هذا الكلام المكرر جهلة، لا يعلمون شيئاً عن واقع العالم العربى، هم يحكمون مُسبقاً، وليس لدوافعهم أى هدف، إنه انتصار الغطرسة والاحتقار، حين يلتزم مثقف عربى فهو يخاطر بحياته، وحين يتحذ غربى موقفاً سياسياً، فثمة مخاطرة تتمثل فى الاعتراض (على هذا الموقف)، هذا كل ما فى الأمر (...)


■ هل تعتقد بالفعل أن ثورات الربيع العربى كافية لاجتثاث قرون من نفى الفرد لصالح الأمة والجماعة؟


- بروز الفرد أحد وعود ربيع العرب هذا، ولن يتم هذا دون مشاكل. سيكون ثمة مقاومات، فوضى، عواقب وخيمة. التغيرات المهمة لا تتم بلطف ومودة. الفرد الذى يظهر هو انقلاب للمجتمع المعتاد على الاعتصام بعقل العشيرة والقبيلة. إضافة إلى ذلك كان هذا المجتمع دوماً فى حاجة إلى أب، كان يسميه «الريس» أو «الرئيس». ثمة مخاطرة أن يستغرق هذا وقتاً لكن الطريق مفتوح لمجتمع جديد، يلزم أكثر من جيل للوصول إلى دعم لمثل هذا الظهور.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية