قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية كلمة حق يراد بها باطل، وتُستغل من قبل المجموعات المتطرفة والمتشددة لتبرير عنفها وإرهابها.
وأكد مفتي الجمهورية أن التجربة المصرية في التشريع نموذج فريد يحتذى به بداية من دستور 23 وحتى دستور 2014، الذي شدد عبر الدساتير المختلفة على مرجعية الشريعة الإسلامية، فالمواد القانونية المصرية مستنبطة من الشريعة الإسلامية.
وتابع مفتي الجمهورية، اليوم الجمعة، في برنامج «حوار المفتي» على فضائية «أون لايف»، إن الخوارج أول من نادوا بفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية حين رفعوا المصاحف وقالوا لا حكم إلا لله في عهد سيدنا على بن أبي طالب، كرم الله وجهه، مضيفًا أن هذا دأب الجماعات المتطرفة التي تريد إحداث زعزعة في المجتمعات وتستغل ذلك لأجل إثارة مشاعر الناس وشق الصف.
وأضاف مفتي الجمهورية أن الشريعة جاءت لتضبط كل علاقات الإنسان مع ربه ومع من حوله، وكل الأنبياء جاءوا بالشريعة لضبط هذه الأمور كلها.
وقال المفتي إنه لا بد أن تكون كل تعاملات المسلم على الجانب الأخلاقي والعبادة والعقيدة نابعة من التشريع الإسلامي ولا يوجد فصل بين الإيمان والعمل والأخلاق؛ فهي منظومة ثلاثية متكاملة.
وحول حرية الاعتقاد، قال مفتي الجمهورية إن حرية الاعتقاد مكفولة في التشريع وفي دستور 2014 ولا يوجد مانع لأي إنسان أن يؤمن بالله وبالتالي الشريعة ليست غائبة هنا، لأن الدستور والقانون يحميان العقيدة، فلا يستطيع أحد وفق القانون أن يمنع أحدًا من أداء العبادات من صيام وصلاة وغيرهما وعليه نقول إن الشريعة مطبقة.
وتابع المفتي أن الشريعة مطبقة وموجودة في مصر، ففي الجانب العبادي هي موجودة في الواقع ومطبقة فنحن نصلي ونصوم ونزكي ونحج والدولة لم تقف بين أحد وأي نوع من أنواع العبادة، على العكس الدولة ساهمت وساعدت المسلم في تحقيق هذه الغايات، فقد تبنت جمع الزكاة وتوزيعها من خلال بيت الزكاة المصري، فأين إذًا غياب الشريعة في هذا الجانب.
وأكد مفتي الجمهورية أن الشريعة الإسلامية مطبقة في مصر على المستوى القانوني ولا ينبغي أن نقول إنها غائبة قبل دراسة مواد القانون دراسة موضوعية ومحايدة، مؤكدًا أن التجربة التشريعية المصرية رائدة، حيث إنها قبلت كل قانون لا يخالف الشريعة الإسلامية، ورفضت أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية، مؤكدًا أن المشرع المصري كان يرجع إلى الشرع الشريف في كل القوانين لدرجة أنه كان هناك مفتون في كل مرافق الدولة منذ عهد محمد علي، وعليه فالقوانين المصرية منذ عهد محمد علي تؤكد تطبيق الشريعة الإسلامية.
وأوضح أنه قديمًا كانت توضع أمام القضاة مجموعة من النصوص الشرعية تعينهم على الحكم في القضايا بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، مستشهدًا بقدري باشا الذي اجتهد في وضع مواد القانون من خلال الفقه الإسلامي، من خلال نصوص محددة للحكم على بعض المسائل.
وقال مفتي الجمهورية إن التجربة المصرية في التشريع كانت مشروعًا علميًّا صيغ من الشريعة الإسلامية ووضع موضع التطبيق ليس في مصر بل في الدول العربية، مشيرًا إلى تجربة القانون المدني التي قام بها عبدالرزاق السنهوري من خلال تقنين الفقه الإسلامي سنة 45، وتجربة صوفي أبوطالب في تقنين الفقه الإسلامي.
وطالب مفتي الجمهورية في حواره بأن هذا يجعلنا أمام مسؤولية مراجعة القوانين من وقت لآخر نظرًا لتغير الأحوال والعادات والأشخاص، فما صيغ قبل مائتي سنة لم يعد يصلح الآن، وبالتالي باب الاجتهاد مفتوح أمام العلماء، لأن المجتمعات تتطور والظروف تتغير.
وأضاف مفتي الجمهورية أنه على السلطة التشريعية أن تختار من أقوال العلماء والفقهاء ما يحقق مصلحة الناس لأن الشريعة راعت مصالح الناس في مقاصدها العليا؛ وكل الدساتير المصرية من بدايتها وحتى 2014 كلها تنص على الشريعة الإسلامية، فالدساتير كانت ترجع إلى الدين في التشريع وعلى أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وكل الدساتير كانت حريصة على بقاء هذه المادة.
وأكد أنه توجد رقابة من المحكمة الدستورية العليا على القوانين، ومن حق أي أحد يرى أن هناك قانونًا يخالف المادة الثانية أن يحيل الأمر للمحكمة كونه مخالفًا لنص المادة الثانية من الدستور بالطرق القانونية؛ ونحن في مصر نفخر برجال القضاء الذين يبحثون المسائل ويحرصون على عدم مخالفة أي قانون أو تطبيق القانون للمادة الثانية من الدستور.
وحول قضية الحدود في الإسلام واختصار الشريعة في فكرة تطبيق الحدود فقط، قال مفتي الجمهورية إن المجموعات الإرهابية اختزلت الشريعة الإسلامية في الحدود مع اتساع الشريعة لكل شؤون الحياة.
وأكد مفتي الجمهورية أن الحدود آخر القوانين التي نزلت ضابطة لأمر المسلمين، فقد سبقتها 13 سنة في مكة، ثم مرحلة المدينة لم تكن هناك قوانين للحدود بل كانت هناك أمور ضابطة لسلوك الإنسان، مضيفًا أن فلسفة الإسلام في تطبيق الحدود واحدة وهي المحافظة على الحياة والمقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية، فالعقوبات التي تطبق في حالة الإخلال وارتكاب الجريمة فلسفتها واحدة ووضعت من أجل الزجر والردع.
وأكد أن النموذج النبوي الشريف لم يكن شغوفًا بتطبيق الحد، فعند تحقيق مسائل الحدود بدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنه لم يكن شغوفًا في تطبيق الحد، والدليل على ذلك قصة ماعز الذي جاء للنبي للاعتراف بما ارتكب من ذنب والنبي يحاول أن يصرفه، وعليه فالشريعة الإسلامية لم تكن شغوفة بتطبيق الحدود بقدر شغفها بستر الناس، فقديمًا كان يستحب للفقهاء أن يقولوا في قضايا الحدود أن يلقن القاضي مرتكب الحد ما يدفع عنه الحد.