تستورد مصر القمح بوتيرة بالغة السرعة في الأشهر الأخيرة فيما يقول تجار حبوب إنه محاولة لمواكبة الاعتماد المتنامي لسكانها الفقراء على الخبز المدعم.
ولا تملك الحكومة سوى تدبير الإمدادات في ضوء الحساسية السياسية الشديدة فيما يتعلق بتوافر الخبز وسعره رغم الأزمة الاقتصادية بفعل ست سنوات من القلاقل منذ الإطاحة بنظام حسني مبارك الذي ظل يحكم البلاد لثلاثين عاما.
وفي الأسبوعين الأخيرين اشترت الهيئة العامة للسلع التموينية نحو مليون طن من القمح أي أكثر من 20 بالمائة من القمح الذي اشترته على مدى العام الماضي بأكمله حسبما أظهرته الأرقام الرسمية.
وقال تجار إن هذا السيل من الواردات يسلط الضوء على الواقع الجديد في بلد يستورد بالفعل القمح أكثر من أي شيء آخر. فالمصريون يستهلكون مزيدا من الخبز المدعم مما يستنزف المالية العامة ويزيد الضغوط للمحافظة على الإمدادات.
وقال ثلاثة تجار من القاهرة إن الاستهلاك الشهري من الخبز المدعم قفز بما يصل إلى 200 ألف طن منذ نوفمبر.
وقدرت وزارة التموين تلك الزيادة عند مستوى أقل وقالت إن الواردات الإضافية لم تكن بسبب الاستهلاك وإنما لزيادة المخزون.
وقال أحد التجار إن الأمرين مرتبطان «فقد زاد استهلاك القمح من 700 ألف طن إلى 900 ألف ولذا هناك حاجة لزيادة الاحتياطي الاستراتيجي» طالبا عدم الكشف عن هويته لأنه شأنه شأن التجار الآخرين غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وارتفعت تكاليف المعيشة ارتفاعا صاروخيا منذ عومت مصر المعتمدة على الاستيراد عملتها الجنيه في نوفمبر لتفقد نحو نصف قيمتها مما قلص الدخل الحقيقي لكثير من المصريين بين عشية وضحاها.
ومع تجاوز تضخم أسعار الأغذية والمشروبات 40 بالمائة في فبراير فإن الاستثناء الملحوظ كان رغيف الخبز الحكومي وهو السلعة المدعمة التي لم تمس منذ عام 1977 حينما أثار رئيس مصر حينئذ أنور السادات غضب المصريين ليخرجوا في احتجاجات بعد إعلانه خفض الدعم.
وفي الأسبوع الماضي اندلعت احتجاجات متفرقة بمدن مصرية بعد إصلاح جزئي لخفض كميات الدقيق (الطحين) التي يبيعها أصحاب المخابز في السوق السوداء مما يحرم آلاف المواطنين من حصتهم اليومية المدعمة.
ورغم محدودية الاحتجاجات فقد أظهرت ما يمكن أن يحدث إذا لم تواكب الواردات الطلب أو إذا ارتفعت الأسعار.
وقال وزير التموين على مصيلحي في مؤتمر صحفي عقب الاحتجاجات مباشرة إنه لا مساس بدعم الخبز.
بعد أربعين عاما من ترسيخ مظاهرات الخبز في عهد السادات الدعم كخط أحمر سياسي لا يزال رغيف الخبز المدعم يباع بخمسة قروش (0.0028 دولار) وهو اليوم عشرة بالمائة من سعر رغيف الخبز في السوق الحرة.
كان تعويم العملة الخطوة الأولى في برنامج إصلاح اقتصادي طموح يتضمن زيادات ضريبية وخفض الدعم على الطاقة مقابل قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي.
وقال ثلاثة من أصحاب المخابز التي تبيع الخبز المدعم إن النشاط انتعش بشكل كبير منذ ذلك الحين، وقال أحدهم إنه يستخدم 30 جوالا من الدقيق في اليوم بدلا من عشرين.
وقال عبدالله غراب رئيس الشعبة العامة للمخابز باتحاد الغرف التجارية المصرية الذي يمثل أكثر من 25 ألفا من أصحاب المخابز على مستوى البلاد «الأرز والمكرونة غاليان وليس هناك بدائل أخرى» مقدرا أن الاستهلاك قفز بما يصل إلى 15 بالمئة.
وقالت سهير سعيد (40 عاما) وهي أم لأربعة أبناء بينما كانت تنتظر دفعة جديدة من الخبز إنها كانت تشتري الخبز المدعم من آن لآخر لكنها تشتريه يوميا الآن. وتابعت «كل الأسعار زادت. لا نستطيع العيش بهذه الطريقة».
ويبدو أن الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري العالمي الكبير للقمح حتى أن مناقصاته الضخمة تحرك الأسعار، يواجه صعوبات في مواكبة الطلب.
وقال تجار القمح الثلاثة لرويترز نقلا عن بيانات من الهيئة إن استهلاك القمح الحكومي ارتفع من نحو 700-750 ألف طن شهريا في نوفمبر إلى حوالي 900 ألف طن حاليا.
وقال متحدث باسم وزارة التموين لرويترز إن الرقم بلغ نحو 800 ألف طن شهريا في الأشهر الثلاثة الأخيرة وإن ارتفاع الواردات جزء من استراتيجية لزيادة مستوى الاحتياطيات في البلاد. وقدرت الوزارة الاحتياطيات هذا الأسبوع بما يزيد على ثلاثة ملايين طن وهو ما قالت إنه يكفي احتياجات البلاد لأربعة أشهر.
وفي حين كان المستوى السابق للاحتياطيات يغطي احتياجات أربعة أشهر أيضا فقد كان يتضمن طلبيات قمح غير متسلمة بعد.
وعلى مدى الشهرين الأخيرين اشترت الهيئة 2.38 مليون طن من القمح بما في ذلك مناقصتان متتاليتان كبيرتنان في الأسبوعين الأخيرين بإجمالي نحو مليون طن.
وأظهرت بيانات لرويترز أن فورة الشراء وصلت بإجمالي مشتريات الهيئة في موسم 2016-2017 إلى نحو 5.6 مليون طن بزيادة 25 بالمئة تقريبا عن مشتريات الموسم السابق التي بلغت 4.5 مليون طن.
وربما تخطط الهيئة لطرح مزيد من المناقصات الكبيرة نظرا لأن مصر عادة ما تشتري من الأسواق العالمية حتى إبريل عندما يبدأ حصاد المحصول المحلي.