أصبح الانفصال هو الخيار الأرجح لشعب جنوب السودان، الذي يستعد لإقامة دولته الجديدة، والمتوقعة أيضا، معتبرا النتائج النهائية «تحصيل حاصل».
حديث نصر الدين كشيب، رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان في القاهرة، عن الدولة الجديدة يختلف قليلا عن حديث أي جنوبي عادى عنها، فبينما يعتبرها المواطن العادي دولة قائمة بالفعل، مستشهدا بنتائج الاستفتاء الأولية، والرغبة الشعبية التي يبديها أهله وجيرانه، يعتبرها كشيب، كسياسي، احتمالا شديد القوة لا تختلف نسبته عن نسبة التصويت لصالح الانفصال في القاهرة والتي بلغت وفق تقديرات 97%.
الفرق الثاني بين كشيب والمواطن الجنوبي العادي، هو أن كشيب الذي تحدث لـ«المصري اليوم» ممثلا الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الجنوب، أكد أن وجوده في الشمال بعد الانفصال سيصبح أخطر من وجود أي جنوبي عادى،لأنه مواطن شمالي وبانحيازه للجنوب أصبح متهما بالخيانة. وإلى المزيد من التفاصيل في الحوار..
* بعد أن رجحت النتائج الأولية للتصويت انفصال الجنوب، كيف ترى العلاقة بين دولتي الخرطوم وجوبا؟
- بالتأكيد ستكون علاقة طيبة، أولا نحن شعب واحد لكن السياسات الخاطئة من الشمال هي التي أدت لانفصال جنوب السودان، وثانيا لأن هناك نقاط تعاون اقتصادية بين البلدين، ففي الوقت الذي توجد فيه آبار بترول في الجنوب توجد الأنابيب ومصفاة البترول في شمال السودان، كما أن هناك تزاوجا بين قبائل الطرفين، مع العلم بأن حدودا بين الجنوب والشمال تقدر بحوالي 2000 كيلو متر، لكن هناك قبائل رعوية في شمال السودان يدخلون للجنوب في أوقات معينة من السنة، وهناك مزارعون يعيشون في المناطق الحدودية، لذلك لابد أن تكون هناك علاقات قوية وجميلة بين الطرفين.
* ولماذا لم تكن العلاقة «جميلة» قبل الانفصال رغم تلك المعطيات ؟
- بسبب سياسات الشمال الخاطئة وتهميشه الكامل للجنوب، فلم تكن هناك تنمية بالجنوب، لاعتبارات دينية وعرقية، فالشماليون ينظرون لأنفسهم على أنهم العرب المسلمون، والسودان كان يُحكم بهذا المفهوم، ودائما ما كانوا يعلنون أن السودان دولة عربية وإسلامية دون اعتراف بأي طوائف أخرى، مع العلم بأن في جنوب السودان الغالبية العظمى مسيحيون، حتى البترول كان يخرج من جنوب السودان ويوظف لتنمية شمال السودان، لدرجة أنه حتى الآن لا يوجد طريق بين الشمال والجنوب.
* وإذا كان السودان تفتقد طريقا يربط بين الشمال والجنوب أثناء الوحدة هل هناك إمكانية لوجود طرق بين البلدين بعد أن ينفصلا؟
- بالطبع، جنوب السودان وشماله لا يمكن أن يستغنى أحدهما عن الآخر، فحتى المواد الغذائية والمقومات الاقتصادية الموجودة في الجنوب غير الموجودة في الشمال والعكس، كما أن منتجات جنوب السودان تحتاجها دول كثيرة محيطة بشمال السودان ومنتجات شمال السودان تحتاجها دول كثيرة موجودة حول جنوب السودان، يعني كل دولة ستكون معبرا للأخرى.
* بعد انتهاء الحروب بين البلدين بطرح خيار الانفصال، هل يصبح النفط سببا في حروب جديدة بين الدولتين؟
- لا، فشمال السودان لا يستطيع الحرب من أجل البترول لأنه ليس بتروله، فلا يعقل أن تحارب دولة جارتها لتستولي على بترولها، كما أن الشمال لديه بترول هو الآخر، وفي يوم من الأيام كان خير الجنوب كله في يد الشمال لكنه لم يستطع أن يحافظ على تلك النعمة، وإذا أراد الشمال الدخول في حرب من أجل البترول، فيسكون الأمر انتحارا سياسيا لأن القانون والمجتمع الدولي لن يكون في صفه وسيكون وحده.
* تحدثت عن افتقار الجنوب للتنمية في ظل حكم الشمال، فماذا قدمت حكومة سلفاكير التي تحكم الجنوب منذ 5 سنوات لتنمية الإقليم؟
- لنتفق أولا أنه كي تكون هناك تنمية في أي بلد لابد من توافر ميزانية وصلاحية لمن يحكم هذا البلد لأخذ قروض أو للتعامل الدولي، وهذا لم يكن متوفرا لسلفا كير في ظل الوحدة مع حكومة الشمال ، ومع ذلك قدمت حكومة سلفا كير الكثير، فقبل 5 سنوات كانت هناك مناطق في السودان يتطلب الوصول إليها قضاء أيام في الطريق، فأصبح الوصول إليها الآن لا يتطلب سوى ساعات قليلة، كان عدد السيارات في شوارع الجنوب يعد على أصابع اليد الواحدة وكانت جميعها سيارات جيش، الآن توجد آلاف السيارات في الشوارع، أيضا عدد المتعلمين كان لا يتجاوز 2000 شخص، والآن يقدر بالملايين، لكن مازال أمامنا الكثير، وأنا متأكد أن تنمية الجنوب ستشهد طفرة بعد أن يوجه اليه ميزانية البترول وسيكون الجنوب أفضل كثيرا، لأن التنمية ستبدأ من الصفر بأيدينا.
* كيف ستكون العلاقة بين جنوب السودان والولايات المتحدة بعد الانفصال؟
- ستكون علاقة طيبة قائمة على المصالح المشتركة، فالمجتمع الدولي قائم على علاقة المصالح، لذلك ستكون العلاقة مع أمريكا في نفس إطار العلاقة بين شمال السودان، علاقة مصلحة متبادلة.
* يتحدث مواطنون في الجنوب عن واشنطن باعتبارها شريكا أفضل من شمال السودان الذي يعتبرونه سببا في الدمار، فما تعليقك؟
- طبعا هذا حديث «زعل»، فالجنوبيون «زعلانين» من الشمال لما رأوه منه أثناء الحرب، لكنه ليس حديثا موضوعيا عن علاقة بين دولتين، لأن في النهاية العلاقة مع أمريكا ستكون على أساس كونها دولة نتعاون معها ليس إلا، وحتى إذا أرادوا شراء بترول فسيكون بشروطنا نحن، وفي إطار تبادل المصالح، نعم الولايات المتحدة قدمت الكثير لجنوب السودان، لكن ذلك حدث لأن لديهم مصالح بالجنوب، أعتقد أنها ليست بترول جنوب السودان الذي لا أعتقد أن واشنطن تنظر إليه، لأنه بعيد جدا عنها فلو أخذت من المكسيك سيكون أفضل وأرخص، أيضا كي يمر البترول من الجنوب ويصل للولايات المتحدة، فلا بد أن يمر من الخرطوم حتى ميناء بورسودان، ثم ينقل في قنوات أخرى كثيرة كي يصل لواشنطن.
* هذا عن الولايات المتحدة، فماذا عن العلاقة مع إسرائيل؟
- الحديث عن العلاقة مع إسرائيل سابق لأوانه .. ولن أتكلم فيه لأن من سيقرر التعامل مع إسرائيل هو برلمان جنوب السودان، وفي النهاية العلاقة أيضا مرتبطة بالمصالح، فحتى البشير قال إنه من حقنا التعامل مع إسرائيل بما لا يضر بالشمال ومصالحه.
* وكيف سيكون التعامل مع الشماليين الموجودين في الجنوب؟
صرح سلفا كير بأن من يريد الحصول على الجنسية من الشماليين سيأخذها وإذا أراد العودة، فهو حر، لكن الشمال رفض إعطاء الجنسية للجنوبيين الموجودين فيه، رغم موافقة حكومة الشمال على وجود جنوبيين في الجيش وترشحهم لمناصب قيادية، وهذا تناقض كبير يوضح ضيق أفق حزب المؤتمر الوطني، لكننا نرحب بالشماليين لأننا في النهاية كنا شعبا واحدا وقد يأتي يوم نتحد فيه مرة أخرى، عندما تحدث تنمية في كلا الطرفين، ونشعر بحاجتنا لبعض ونتأكد أن الكراهية التي كانت بيننا انتهت.
* هل من حق الشماليين في الجنوب أن يتقلدوا مناصب سياسية؟
- هذا وفقا لكفاءتهم، أهم شيء أن يكون لديه الجنسية.
* ما هى الدولة التى تضعون تجربتها أمام أعينكم؟
للأسف كل الدول المحيطة بنا قديمة لا توجد دولة بدأت حديثا مثلنا.. ماعدا إريتريا، هي التي بدأت من الصفر مثلنا، لكن لدينا خخطنا الخاصة، واستراتيجيين ومخططين على مستوى العالم كله وليس السودان فقط سنستفيد من خبرتهم.
* وما هي أولوياتكم للتنمية في الجنوب ؟
- أولوياتنا تبدأ بالجانب الأمني، لأن توفير الأمن سيجلب مستثمرين للبلد وهو ما سوف يساعدنا على تنفيذ خططنا التنموية، التعليم أيضا من الأشياء الهامة جدا، وترتيب أولوياتنا سيكون هكذا: الأمن، الاقتصاد، التعليم.
* من خلال الفترة التي عشت فيها بمصر، ما الذي تريد تكراره بالجنوب وما الذي لا تريد رؤيته في بلادكم الجديدة؟
- استفدنا كثيرا من مصر، من ناحية التعليم بالذات فأكثر من 8 وزراء جنوبيين تلقوا تعليمهم في مصر،كما أتمنى أن نكرر تجربتكم في الزراعة ونستغل أراضينا في الجنوب، أما ما لا أرجو رؤيته في الجنوب فهو الازدحام الشديد والتكدس السكاني الموجود لديكم، أتمنى أن تتبني حكومة جنوب السودان توسعة الطرق وأن نضع في اعتبارنا عند بناء المدن أنها ستعيش 20 سنة للأمام حتى تستوعب الزيادة السكانية، لكنني لا أريد التطرق لأحاديث سياسية عن حكومة مصر.
* ما هى النوايا السياسية للحركة الشعبية إذا حدث الانفصال؟
- أصدر سلفا كير 16 قرارا قبل الاستفتاء ليتم تنفيذها في حالة الانفصال حتى لا يكون هناك فراغ دستوري، وتضمنت تلك القرارات كل ما يخص الشؤون السياسية الداخلية للدولة.
* في حالة الانفصال هل تتحول مكاتب الحركة الشعبية داخل البلدان المختلفة إلى سفارات؟
- لا، إذ ستظل مكاتب للحركة الشعبية كجسم سياسي، حتى يوم 9 -7-2011، وقتها سيكون مكتب جنوب السودان هو السفارة وسيتوقف وجود مكاتب للحركة الشعبية داخل البلدان المختلفة بناء على رغبة تلك البلدان في إقامة علاقة شعبية مع الجنوب، ففي مصر مثلا، يجب أن يكون هناك علاقة شعبية بين الشعب المصري والجنوبي وان تكون هذه العلاقة مستمرة، والحكومات لا تستطيع تحقيق هذه العلاقة لذا ستكون مهمة منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسي.
* كيف سيتم تخصيص حصة الجنوب من نهر النيل؟
- بالتأكيد ستنفصل عن حصة الشمال وليس مصر، وبالتأكيد سيأخذ الجنوب حصته من الشمال، إلا أن تفاصيل هذه القضية سيتم مناقشتها بعد الاستفتاء ، باعتبارها إحدى قضايا ما بعد الاستفتاء والتي تشمل الجنسية والديون والأصول والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية المياه.
* لماذا أصبحت الحرب هي الرد الوحيد على أي اختلاف بين طرفين في السودان؟
- البشير هو من قال من يرد الخروج عن سلطان الحكومة فليمسك سلاحا ويحاربنا.
* وكيف ترى مستقبل دارفور؟ هل يلحق بالجنوب؟
- دارفور تحارب الآن و أتوقع أن تكون نهاية حربها طلب تقرير المصير مثل الجنوب، وكسياسيين تدور أحاديث ودية بيننا نتمنى فيها أن تنفصل كل هذه الأماكن سواء دارفور أو المسيرية أو أبيي ويظل الشمال الذي يدعى العروبة والإسلام وحده، لكن هذا ليس كلاما رسميا.. فهي مجرد أحاديث نداولها فيما بيننا.
* بالرغم من أنك تمثل الآن حكومة الجنوب في مصر من خلال الحركة الشعبية لجنوب السودان إلا أنك شمالي الأصل.. كيف حدث ذلك؟
- أنا شمالي ومسلم لكنني واحد من الحركة الشعبية الرافضة لحكومة البشير، والحركة الشعبية لا تختص بالجنوب فقط، فهي حركة لتحرير السودان بصفة عامة ومحاربة الفساد به، وبما أنني واحد من الحركة أقوم بمهمة تمثيل المكتب في مصر.
* وأين ستعيش بعد الانفصال: في الشمال أم الجنوب؟
- لابد أن أعود للشمال لأن لدي عملا في ولايتي التي قد تتعرض الانتخابات فيها لتزوير في الفترة القادمة وهو ما لم نسمح به، لذلك يجب أن أكون موجودا هناك.
* وفي ظنك كيف سيستقبلك الشماليون بعد أن كنت شريكا في مشوار الانفصال؟
- وجودي هناك سيكون خطرا لأن الشماليين يتهمونني وعائلتي بالخيانة، وسوف يكفروننا، وقد وصل الأمر للدعوة لعدم التعامل معنا وتطبيع الحدود علينا، لكن يجب أن أذهب لأؤدي مهمتي هناك.. رغم أن جودي في الجنوب أكثر أمنا.
* لكن ألا ترى أن حياتك في الشمال ستكون أكثر راحة بالنظر لصعوبة الحياة في الجنوب الآن؟
- العيشة يخلقها الإنسان، لقد درست في الخرطوم لكنني لم أشعر بالرفاهية التى شعرت بها طوال إقامتي في الجنوب، كنت أكثر سعادة وأنعم براحة بال، كما أن الشمال وإن كنا نقول إنه نال حظا كبيرا من التنمية، إلا أنه في النهاية لا يزال «بلد تعبانة» ليس به صرف صحي ولا كهرباء ولا خدمات جيدة، لكن في الجنوب الفرصة أمامنا لبناء كل ذلك فعندما تكون مساهما في صنع شيء تكون أكثر سعادة وراحة.