يتجه لبنان إلى مواجهة حادة في معركة اختيار رئيس جديد للحكومة بين سعد الحريري ومرشح تحالف حزب الله، لا سيما بعد إعلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وقوفه إلى جانب الحزب الشيعي.
وأعلن النائب جنبلاط في بيان صحفي تلاه الجمعة وقوفه «إلى جانب سوريا والمقاومة» في الأزمة الحالية في لبنان، في إشارة إلى تخليه عن حليفه السابق سعد الحريري وتبنيه مرشح حزب الله لرئاسة الحكومة المقبلة.
وقال جنبلاط أمام عشرات الصحفيين والمصورين الذين اكتظ بهم منزله في كليمنصو في غرب بيروت «أعلن الموقف السياسي المناسب لمواجهة هذه المرحلة وتعقيداتها وحيثياتها، مؤكدا ثبات الحزب (التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه) إلى جانب سوريا والمقاومة».
وأوضح مسؤول في الحزب الاشتراكي أن جنبلاط يعني بوضوح أنه سيسمي مرشح قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية التي يبدأها رئيس الجمهورية الاثنين المقبل. ولم يذكر جنبلاط شيئا عن الأعضاء الآخرين في اللقاء الديمقراطي الذي يرأسه أيضا، الذين يرجح ألا يلتزموا جميعهم بموقفه.
ورأى السفير السابق لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة كلوفيس مقصود، أن جنبلاط أعطى أعضاء اللقاء الديمقراطي حرية الاختيار في تشكيلة الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أن هناك من سيصوت بشكل مغاير عن تصويت الزعيم الدرزي، لكنه اعتبر أن غالبية أعضاء «اللقاء» سيتخذون موقفاً مماثلاً لموقف جنبلاط في هذا الأمر.
وفي تصريحات لقناة «روسيا اليوم»، أعرب مقصود عن اعتقاده بأن الرئيس اللبناني ميشال سليمان سيحاول أن يجعل المشاورات حول رئيس الحكومة الجديدة أكثر من مجرد مشاورات، وأنه ينبغي عليه أن يرفق ذلك بحوار مستمر، من أجل تحقيق التوافق المبدئي ولكي تستعيد الوحدة الوطنية نجاعتها، «وإلا نحن على وشك الاحتقان الطائفي الذي لا يجوز أن يستمر»، بسبب ما وصفه بإفشال المساعي السورية السعودية لتسوية الأمور في البلاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، داعياً إلى استئناف الجهود الإقليمية الرامية إلى التوصل لحل يرضي كل الأطراف اللبنانية، خاصة في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة.
وأضاف مقصود أن التدخل الأمريكي لم يكن السبب الوحيد، وعزا فشل الجهود إلى أن «التركيبة الطائفية دائماً سريعة العطب»، مما يسمح لدول وأطراف خارجية بالتدخل، مشدداً على أهمية استعادة «المناعة الوطنية» من خلال التفاعل، حتى وإن قررت المملكة العربية السعودية التخلي عن المشاركة في هذا المسار لاحقاً.
وقوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) ممثلة حاليا في البرلمان بستين من أصل 128 نائبا، وقد أعلنت تأييدها للحريري، مقابل 57 نائبا لقوى 8 آذار التي تحتاج إلى ثمانية أصوات إضافية من أجل ترجيح كفة مرشحها إلى رئاسة الحكومة. وتتألف كتلة جنبلاط من 11 نائبا هم: خمسة دروز وخمسة مسيحيين وسني واحد.
وتفاقمت الأزمة بين فريقي الحريري وحزب الله على خلفية المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري التي يطالب حزب الله بوقف التعاون معها، ويتهمها بالتسييس متوقعا أن توجه إليه الاتهام في الجريمة. وتسببت الأزمة بسقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري الأسبوع الماضي نتيجة استقالة أحد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه.
وأشار جنبلاط إلى أن «إجهاض المبادرة العربية» أدى إلى اتخاذه هذا الخيار. وأوضح أن المبادرة السعودية السورية التي نشطت على مدى أشهر بهدف إيجاد مخرج للأزمة في لبنان، «كانت بنودها واضحة كل الوضوح ولا تحتمل أي مراوغة، وتنص على إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية من خلال إلغاء بروتوكول التعاون ووقف التمويل وسحب القضاة».
وأكد أنه اتفق مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي التقاه السبت الماضي «على تثبيت بنود تلك المبادرة من خلال البيان الوزاري (للحكومة المقبلة) عبر النقاط الآنفة الذكر».
وقال جنبلاط إن البلاد وصلت إلى «مفترق ومنعطف خطير»، وإن المحكمة الدولية «أخذت بعدا سياسيا بامتياز صار يهدد الوحدة الوطنية والأمن القومي»، و«خرجت عن مسار العدالة لتدخل في بازار الابتزاز والابتزاز المضاد».
ومساء الجمعة، أعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله في بيان أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله استقبل جنبلاط والوزير غازي العريضي المقرب من الزعيم الدرزي. وجرى التباحث بالموقف الأخير الذي أعلنه جنبلاط وآفاق المرحلة المقبلة على الصعيدين الحكومي والوطني، بحسب بيان العلاقات الإعلامية في حزب الله.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أكد الخميس المضي في ترشيحه «بغض النظر عن الترهيب» الذي لوح إلى أن حزب الله يستخدمه.
وبموجب الاستشارات، تدلي كل كتلة نيابية باسم مرشحها إلى رئاسة الحكومة، على أن يكلف الرئيس إجمالا الشخصية السنية التي تحظى بأكبر نسبة من التأييد، بتشكيل الحكومة. ولم يعلن بعد رسميا اسم مرشح قوى 8 آذار الذي يرجح أن يكون رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي.
ويؤكد حلفاء جنبلاط السابقون في قوى 14 آذار أن الزعيم الدرزي الذي خرج من صفوف 14 آذار في صيف 2009 واقترب مجددا من سوريا بعد فراق بدأ بعد اغتيال رفيق الحريري، يتصرف بدافع الخوف.
وقال النائب إيلي ماروني من حزب الكتائب المنضوي ضمن تحالف قوى 14 آذار- «ننتظر الاستشارات النيابية التي تتأرجح الأكثرية والأقلية فيها تحت تأثير الضغوطات والخوف». وأشار إلى أن جنبلاط «بات موجودا في خط معين تحت تأثير الخوف». وقال «منذ البداية كنا واثقين بأن السلاح في يد فئة من اللبنانيين سيؤدي إلى ممارسة الضغوط من أجل تغيير المعادلات». وأشار إلى أن حزب الكتائب، كما قوى 14 آذار، اتخذ قرارا بتأييد سعد الحريري في إطار «احترام النظام الديمقراطي والمؤسسات وعدم النزول إلى الشارع».
في المقابل، قال الوزير المستقيل جبران باسيل المنتمي إلى التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله، مرجحا فوز مرشح قوى 8 آذار بالتكليف، «الأكيد أن الأمور لا يمكن أن تسير بالأكثرية نفسها ورئيس الحكومة نفسه. فهما غير قادرين على إيجاد الحلول للمشاكل الجدية». وأضاف «يمكن التوصل إلى تسوية بتشكيل حكومة وحدة وطنية إنما بأكثرية مختلفة وبرئاسة مختلفة، فنحن لا نريد إبعاد أحد في البلد». واعتبر أن هذه الدعوة «هي خشبة خلاص بالنسبة إليهم (الأكثرية) وبالنظر إلى المسؤوليات التي يتحملونها في المشاكل المتراكمة... أما إذا رفضوا، فنحن نتمتع بتمثيل واسع في أي حال».
وتسيطر أجواء القلق والتشنج وتسري موجة شائعات في البلاد في ظل تفاقم الأزمة السياسية. وأصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش بيانا الجمعة أعلنت فيه أن «وحدات الجيش المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة اتخذت، ولا تزال، تدابير أمنية استثنائية شملت إقامة حواجز ثابتة ومتحركة وتسيير دوريات مؤللة وراجلة، إضافة إلى تركيز نقاط رصد ومراقبة».
وأشارت إلى أن الهدف من التدابير «الحفاظ على الأمن والاستقرار و... سعيا لطمأنة المواطنين في ظل ما يتداوله البعض من شائعات غير صحيحة».
ومساء الجمعة، انفجرت قنبلة يدوية في مدينة طرابلس بشمال لبنان بدون أن تسفر عن إصابات أو أضرار، وفق ما أفاد مسؤول في الأجهزة الأمنية.
وفي ردود الفعل الدولية، حضت فرنسا الجمعة الأطراف اللبنانيين على «نبذ العنف» و«الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره وسيادته»، مجددة التزامها «العدالة الدولية وخصوصا المحكمة الخاصة بلبنان».
من جهتها، أعلنت المحكمة الخاصة بلبنان أن جلسة ستعقد في السابع من فبراير أمام غرفة الاستئناف في المحكمة لمناقشة مفهوم «الأعمال الإرهابية»، وهو توصيف الجريمة المستهدفة بالقرار الاتهامي في جريمة اغتيال رفيق الحريري الذي سلمه المدعي العام الدولي دانيال بلمار الاثنين إلى قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة دانيال فرانسين.