على مدى 23 عاما كان التونسيون يؤدون صلاتهم في خوف. قللوا ترددهم على المساجد. ولم يكن أحد يتحدث مع أحد. لم يكن بوسع النساء ارتداء الحجاب في الشارع ولم يكن يجرؤ الرجال على ترك لحاهم طويلة خشية الاعتقال.
وفي الجمعة الأولى بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي حضر التونسيون إلى صلاة الجمعة للمرة الأولى دون خوف من أن يكلفهم هذا وظائفهم أو حريتهم.
ويقول عبد القوى (57 سنة) الذي كان يتحدث أمام مسجد القدس في العاصمة تونس بينما تدفق مئات من التونسيين معظمهم يرتدون سترات او سراويل جينز على المسجد لأداء صلاة الجمعة «لم نكن نقدر على الصلاة بحرية من قبل».
وافترش بعضهم الفناء الخارجي للمسجد فيما ترجلت نسوة بالحجاب في هدوء عبر مدخل جانبي نحو مصلى النساء.
ومثل كثير من القادة العرب جعل «بن علي» نفسه حصنا ضد انتشار التطرف الإسلامي وضد القاعدة وتمتع بعلاقات جيدة مع الغرب حتى الأيام الأخيرة قبل الإطاحة به في انتفاضة شعبية هذا الشهر.
وقال كثيرون إن الشرطة السرية كانت تتسلل إلى المساجد في عهد «بن علي» وتكتب تقارير أمنية عن أولئك الذي كان يبدو عليهم المداومة في الصلاة بشكل لافت أو الخشوع فيها.
وقال رضا الحراثي الذي قال إنه من الإسلاميين لرويترز بينما كان يدخل المسجد «في تونس لو أردت الحصول على وظيفة دائمة لا بد أن تخضع لتحريات أمنية بشأن آرائك السياسية وما اذا كنت يساريا أو إسلاميا أو قوميا».
وأضاف «طردت من عملي وعندما سألت عن السبب قالوا لي إن مشكلتك مع وزارة الداخلية ... إذا كنت صادقا مع نفسك وخاصة إذا كنت إسلاميا ستفقد وظيفتك أو لن يتم تثبيتك فيها».
وطبقت العلمانية بصرامة في تونس على مدى عقود. وكان الحبيب بورقيبة - زعيم الاستقلال والرئيس الأسبق لفترة طويلة - من دعاة القومية الذين اعتبروا الإسلام تهديدا للدولة ووصف الحجاب يوما بالخرقة البغيضة.
وصادر بورقيبة ممتلكات الصناديق الإسلامية وأغلق المحاكم الشرعية وكرس قوانين الأحوال الشخصية العلمانية.
وفي عهد «بن علي» حرمت المحجبات من التعليم والوظائف.
وقالت كثيرات منهن إن الشرطة كانت تستوقفهن في الشوارع وتنزع حجابهن وتجبرهن على التوقيع على وثائق تنبذ الحجاب. كما كان الملتحون من الرجال يلقون معاملة مشابهة. وكان معظم الرجال خارج المسجد من حليقي اللحى.
وقال مؤذن المسجد الذي رفض ذكر اسمه «في الماضي كان على الخطيب أن يعرض خطبته (خطبة الجمعة) على السلطات مقدما».
وفي اليوم الأول من حداد رسمي مدته ثلاثة أيام على أرواح 78 شخصا قتلوا في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد أدى إمام مسجد القدس صلاة الجنازة على الضحايا لكنه نبه المصلين إلى ضرورة عدم الانشغال بالانتقام من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان يقوده «بن علي» وأن يعملوا من أجل وحدة تونس.
وقال خطيب المسجد في خطبته: «الأنظمة حولنا لا تريد لنا النجاح. يريدون لنا الفشل. يريدون أن يقولوا:. انظروا إلى تونس وما حل بها».
وأضاف «يجب أن ننتهز فرصة التغيير الحالي وأن نمضي إلى الانتخابات... فلنترك التجمع الدستوري الديمقراطي وحاله. هذا الإقصاء ليس في مصلحتنا. فلنتركهم لحزبهم».
وخارج مسجد القدس، قال مصلون إن الغرب بالغ في تصوير تهديد القاعدة وتم استغلال ذلك ذريعة لكبح الحريات ودعم حكام عرب وصفوهم بالمستبدين.
وقال شوقي (34 عاما) ويعمل طبيبا «التطرف مصطلح جلبه (الرئيس الأمريكي السابق) جورج بوش والبيت الأبيض. هذا ليس موجودا. نحن شعب منفتح. نحن شعب منفتح على كل الحضارات منذ فجر التاريخ».
و لوحظ خلو خطبة الجمعة التي ألقاها أئمة المساجد في تونس من ذكر اسم الرئيس السابق «بن علي» للمرة الأولى منذ 23 عاما.
واكتفى أئمة المساجد في خطبهم بالدعوة إلى أن يعود الأمن والاستقرار لتونس و «الترحم على أرواح الشهداء» الذين سقطوا خلال الانتفاضة الشعبية التي دفعت بن علي إلى الفرار من تونس في الرابع عشر من الشهر الجاري.
كانت وزارة الشؤون الدينية في حكومة الوحدة الوطنية دعت فى بيان وزعته على الأئمة والخطباء إلى «إقامة صلاة الغائب إثر صلاة الجمعة ترحما على أرواح شهداء ثورة الشعب التونسي» التي أدت إلى لجوء «بن علي» إلى السعودية بعد 23 عاما قضاها في حكم تونس.