كنت أتمنى أن يكون هناك شعار لعام ٢٠١٧، كما شعار لكل عام قادم، بمعنى أن تكون هناك خطة واضحة فى هذا الصدد، هذا العام للتعليم، العام القادم للصحة، العام الذى يليه للصناعة، أو عام البيئة، أو حتى عام المرور، أو النظافة، عام المرأة، أو عام الطفل، عام العشوائيات، عام السياحة، ذلك أن النسبة الأكبر من تركيز الدولة سوف تكون فى تحقيق الاستراتيجية الموضوعة للنهوض بذلك المسار الذى تضمنه الشعار.
سوف يحصل التعليم فى ذلك العالم المخصص له، على الدعم الأكبر فى الموازنة على الإطلاق، سوف تشهد الدولة بناء أكبر عدد من المدارس فى تاريخها، سوف تشهد إحلال وتجديد العدد الأكبر أيضاً، سوف تشهد المناهج التعليمية طفرة هائلة فى التحديث، سوف يشهد المعلمون أكبر قدر من الدعم المادى والمعنوى، كما دعم قدراتهم العلمية والتربوية، سوف تتكاتف جهود الأفراد والجماعات لمواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية، اهتمام غير مسبوق بكل ما يحيط بالعملية التعليمية، بدءاً من التلميذ، مروراً بالباص المدرسى، الحقيبة المدرسية، الكتاب، الكراسة، التابلت، الفصل الدراسى، الأنشطة، الرحلات، على أمل أن ننتهى بنهاية العام، من حل كل المشكلات المتعلقة بالتعليم، بما يجعل هناك طفرة، لم تكن تتحق إلا من خلال هذه الخطة المتكاملة.
على هذا يمكن القياس فى عام الصحة، لإصلاح تلك المنظومة أيضاً، ثم القياس فى كل الأعوام، نحو كل القضايا سالفة الذكر وغيرها من الأزمات التى يعانى منها المجتمع، ما دمنا قد فشلنا فى تحقيق أى من ذلك، من خلال الاهتمام العام بكل القضايا فى توقيت واحد، دون فاعلية على أرض الواقع، ذلك أن هذا الشعار سوف يتصدر الصفحات الأولى من الصحف بصفة يومية، كما شاشات التليفزيون دون استثناء، كما الشارع، كما المحلات، كما المكاتب الحكومية، كما كوبونات البيع والشراء، كما تذاكر المواصلات وفواتير الاتصالات، وتذاكر دور السينما، وغيرها من كثير.
إجمالاً، سوف نكون أمام تعبئة عامة، على مدى ٣٦٥ يوماً، لتحقيق هدف محدد، تم تسخير طاقات الدولة من أجله، كما تم تجنيد طاقات الأفراد لتنفيذه، تبرعات المواطنين خلال ذلك العام تصب فى تحقيق الهدف، الدعم الخارجى أيضاً، المنظمات الدولية، كما منظمات المجتمع المدنى المحلية، كما وسائل الإعلام، كما الأشعار، كما الأغانى، كما الأعمال الفنية بصفة عامة، هى حالة الحرب أو الأزمات مع الفارق الكبير، تتقدم كل جهة على حِدة، فى نهاية العام، بكشف الحساب الذى حققته، أو ساهمت به فيما يخصها.
كنت أتمنى أن أرى برنامجاً طموحاً يوضح الخطة الرسمية للحكومات المتعاقبة، كى تصبح مصر «قد الدنيا»، وكيف سيكون هذا البرنامج إن لم يكن بهذا الشكل الذى نقترحه، أو بهذه التعبئة التى نراها، وما الذى تحقق على هذا الصعيد، أو فى سبيل تحقيق هذا الهدف منذ إعلانه قبل ثلاث سنوات، وكيف يمكن أن تكون مصر «قد الدنيا» إذا لم يكن هناك تفاعل تام بين الأفراد والجماعات، بين الحكومة والمؤسسات كافة، وكيف يمكن تحقيق ذلك إذا لم تكن الخطة معلنة بمختلف تفاصيلها، ودور كل جهة فى هذا الشأن.
بالتأكيد كما هو واضح، ليس هناك خطة للنهوض بأى شىء، فى أى زمان ومكان، فى كل المجالات، الهمايونية والجهجهونية هما عنوان المرحلة، كما الحنجورية والفهلوة تتسيدان الموقف، النتيجة هى ما نحن فيه الآن، لا قد الدنيا، ولا أى حاجة فى الدنيا، التردى على كل الأصعدة دون استثناء، بدءاً من ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، إلى ارتفاع الديون لأرقام غير مسبوقة أيضاً، وما بينهما من انهيار أخلاقى، وانهيار تعليمى وصحى وبيئى، إلى آخر ذلك مما رصدته المنظمات الأممية، والمؤسسات الدولية المتخصصة.
كنت أتمنى على صناع القرار فى بلادنا أن يتحفونا بأى خطة من أى نوع، تتحدث عن تحسن هذا الوضع أو ذاك، فى هذا التاريخ أو ذاك، أما وأن شيئاً من ذلك لم يحدث، فإن أقل ما يمكن أن نطالب به، هو دراسة هذه الفكرة، لا أكثر ولا أقل، لنبدأ بأى شىء، بأى مجال، بأى موضوع، المهم أن نضع أقدامنا على أول الطريق، أن يشعر المواطن أن هناك شيئاً ما يتحقق على أرض الواقع، أن يرى أن هناك أُفقاً للمستقبل، بالتأكيد ذلك الأفق لن يكون فى تلك المنشآت الخرسانية التى نسمع عنها كمشروعات قومية على مسافة عشرات أو مئات الكيلو مترات.
الأفق أيها السادة يبدأ من بناء الإنسان، من إصلاح ما حوله من عثرات، إصلاح التعليم، كما الاهتمام بالصحة العامة، كما إعادة تشغيل المصانع المغلقة، كما تسهيل حركة الناس فى الشارع، كما القضاء على البيروقراطية، كما المواجهة الحقيقية للفساد، كما الشفافية فى اتخاذ القرار، كما جمع كل الاقتصاديات المبعثرة فى اقتصاد واحد، هو اقتصاد الدولة المصرية، بذلك يمكن أن نكون قد الدنيا، وإلا فنحن نخدع أنفسنا، بمعنى أدق: نخدع الشعب.