فى الوقت الذى يحاول فيه المجلس الانتقالى الليبى بسط سيطرته على البلاد بأكلمها بعد 3 أسابيع من اقتحام مقاتليه طرابلس، ومع إعلانه اعتزامه الكشف عن حكومة جديدة للبلاد خلال ما بين أسبوع و10 أيام، واجهت قوات حكام ليبيا الجدد مقاومة شرسة دارت من شارع إلى شارع خلال هجوم على واحد من آخر معاقل الموالين للزعيم السابق معمر القذافى، لكنها واصلت تقدمها صوب سرت مسقط رأسه، فيما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى (الناتو) أندرس فو راسموسن، أمس، إن الحلف سيستمر فى عملياته العسكرية فى ليبيا طالما استمر التهديد للمدنيين، موضحاً أن «جيوباً للمقاومة مازالت باقية رغم الإطاحة بالقذافى».
وقال المجلس الوطنى الانتقالى، الأحد، إن مقاتليه يواجهون مقاومة شرسة من نحو ألف مقاتل موالين للقذافى فى بلدة «بنى وليد» جنوبى شرق العاصمة طرابلس، موضحين أنهم يزحفون أيضا نحو سرت.
وفرت بعض الأسر المحاصرة فى بنى وليد منذ أسابيع من البلدة، الإثنين، بعد أن تخلت قوات القذافى عن بعض نقاط التفتيش على مشارف المدينة، وخرجت من المنطقة عشرات السيارات المحملة بالمدنيين. وكان حكام ليبيا الجدد قالوا الأحد إن مقاتليهم أوقفوا هجوما على بنى وليد بعد أن اقتحموا البلدة ووجدوا مدنيين عرضة للخطر لاستخدامهم كـ«دروع بشرية». وقال أحمد بانى، المتحدث باسم المجلس الوطنى الانتقالى، إن خطط القتال فى بنى وليد تأجلت فى الوقت الحالى.
وبعدما كان المجلس الانتقالى أعلن أنه بدأ فى إنتاج النفط، شريان الحياة الاقتصادية لليبيا، بعد توقفه بشكل شبه كامل خلال 6 أشهر من الحرب الأهلية، قال شهود أمس إن قوات القذافى هاجمت البوابة الأمامية لمصفاة نفطية على بعد 20 كيلومترا من بلدة رأس لانوف الساحلية، مما أسفر عن مقتل 15 حارسا وإصابة 2.
ويبدو الوضع الراهن فى ليبيا مشابهاً بشكل كبير لحال العراق بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين فى 2003، لذا أعرب محللون ومراقبون عن قلقهم إزاء وقوع هجمات انتقامية أو إرهابية عنيفة لتصبح ليبيا «نسخة جديدة من العراق». ويرى المحللون أن المعارضة الليبية تتسم بتعقيد تشكيلها وتنوع التطلعات السياسية فيها، وعلى الرغم من أن جميع هذه القوى تتشاطر رؤية مشتركة تتمثل فى القضاء على نظام العقيد، فقد يصبح التناقض الضمنى فى التوجهات الأخرى خطراً خفياً لنشوب اضطرابات مستقبلية. وفى هذا السياق قال بايلس بارسلى، الخبير فى قضايا شمال أفريقيا بشركة الاستخبارات الأمريكية العالمية «ستراتفور»، بحسب ما نقلته عنه وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) «ما لم تتحقق المصالحة الداخلية ومشاطرة الفوائد السياسية والاقتصادية ستشهد ليبيا حربا أهلية».
وبينما توقع مدير المعهد الدولى للدراسات السياسية فى روسيا يوجينى مينتشينكو احتمال انفصال ليبيا إلى 3 أجزاء بعد سقوط القذافى: شمال غرب، وشمال شرق، وجنوب، طرح سمير جوبل، أستاذ العلوم السياسية العراقى، 3 مقترحات لتفادى وقوع سيناريو العراق فى ليبيا، وهى أولاً: تعاون المعارضة الليبية مع قوات الجيش والشرطة التى تخلت فى النهاية عن دعمها لنظام القذافى للاشتراك فى الحفاظ على استقرار البلاد، وبالتالى تتجنب ليبيا ارتكاب أكبر الأخطاء التى ارتكبتها القوات الأمريكية بعد احتلال بغداد، حين حظرت تولى أعضاء حزب البعث المنحل المناصب الحكومية وما شابه ذلك. وقد ساعد هذا بشكل مباشر المجموعات الإرهابية وفصائل أخرى فى الحصول على المسلحين المدربين والمخضرمين. ثانياً: تسوية القضايا القبلية التى لم يتمكن نظام القذافى من حلها، وتحقيق توازن المصالح بين مختلف القبائل لاستبعاد شن هجمات من قبل الجماعات الإرهابية والفصائل المتطرفة. أخيراً: قال جوبل إنه ينبغى لليبيين أن يعتمدوا على أنفسهم ويخففوا من تأثير القوى الغربية عليهم، لتجنب ظهور قوى إرهابية ونموها فى ليبيا بحجة مكافحة الغرب. لكن المسؤولين الجدد فى طرابلس شددوا على أنهم تعلموا من درس العراق، وأنهم قادرون على منع انجراف البلاد نحو الفوضى.