تنظر الدائرة الجنائية بالمحكمة العسكرية فى تونس يوم الخميس المقبل، الموافق 15 سبتمبر، كبرى القضايا المنسوبة إلى الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، المتهم بالتحريض على القتل العمد مع سبق الإضمار والترصد. لكن لا يبدو أن الشارع التونسى مازال يترقب وقائع المحاكمة الرمزية، رغم إحالة القضاء العدلى ملفات 26 قضية جنائية تخص «بن على» إلى القضاء العسكرى، والمتهم فيها ومجموعة من أعوانه بارتكاب جرائم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة والقتل العمد وتحريض المواطنين على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح.ولا يقتصر الأمر على وصف الشارع التونسى للمحاكمة بأنها «مسرحية»، إذ أكد محامى الرئيس بن على، حسين الباجى، الذى تم تسخيره من قبل هيئة المحامين للدفاع عنه، أن «بن على نفسه قال لى بالحرف الواحد فى اتصال هاتفى: ما هذا الكاراكوز؟!».وأضاف المحامى، فى حديث لـ «المصرى اليوم»، أن مسألة جلب «بن على» من السعودية غير مطروحة إلا على مستوى رجل الشارع لأن «لا مصلحة لأى بلد أو طرف سياسى فى الدخول فى مفاوضات لتسليمه، لأن هذا الرجل يعلم أشياء كثيرة فى الشأنين الدولى والوطنى، وعندما يتكلم أظن أن عروشاً ستنهار ورؤوساً ستُقطع، لذا لا أحد له مصلحة فى جلب بن على إلا الشعب».وردا على سؤال حول وجه المقارنة بين هيئتى دفاع بن على والرئيس المصرى السابق حسنى مبارك قال «الباجى»: «هناك عدد كبير من المحامين تطوعوا للدفاع عن مبارك، فضلا عن آلاف الحناجر التى تنادى باسمه خارج قاعة المحاكمة، بينما فى تونس لم نسمع صوتا واحدا يؤيد بن على».
وتساءل المحامى «كيف نفسر ذلك؟»، معتبرا أنه «قمة النفاق التونسى».ويعلق «الباجى» على سير المحاكمة قائلا: «أخشى على القضاء التونسى من الشارع أكثر من الفاعلين السياسيين، لأن ديكتاتورية الشارع ستؤدى إلى البغى والظلم، بدعوى أن (الشعب يريد). لا سبيل لنفاذ هذه المقولة إلى القضاء، بل وجب تعقيم المحاكم من كل تدخل مهما كان، سواء من الشارع أو الحكومة أو السياسيين».إحدى المفارقات التى يتحدث عنها التونسيون فى هذه المحاكمة هى أن «بن على» كان له أكثر من 1200 محام «يقتاتون من موائده ومن المال العام» - على حد قول «الباجى» - لكن لا أحد منهم تقدم للدفاع عنه، فضلا عن أن الجهاز القضائى الذى وظفه «بن على» لضرب خصومه السياسيين هو نفسه الذى يحاكمه الآن.
فى المقابل، فإن «الباجى» كان أشد معارضى النظام السابق ومعارضى «بن على» شخصيا، إلا أنه يتمسك بالدفاع عنه الآن، انطلاقا مما يصفه بـ«الحق المقدس» فى حصول أى متهم على محاكمة عادلة، فضلا عن تمتعه بقرينة «كل متهم برىء حتى تثبت إدانته». أما الباحث السياسى د. عبدالمجيد الشرفى فيرى أن المحاكمة فى حد ذاتها ضرورية من حيث المبدأ حتى لو كانت رمزية، لكنه يقول إن «محاكمة مبارك الحضورية أفضل من الغيابية التى يحظى بها بن علي. هذه المحاكمة تشرف القضاء المصرى الذى حافظ على تقاليد استقلاليته إلى حد كبير، رغم أنه وضع فى السنوات الأخيرة تحت وطأة التيارات الإسلامية، خلافا للقضاء التونسى الذى بقى رغم كل شىء تابعا إلى حد بعيد للسلطة التنفيذية مند الاستقلال». وفى قراءة أخرى لمحاكمة الرئيسين المخلوعين، مبارك وبن على، قال السياسى التونسى أحمد الكحلاوى: «محاكمة مبارك تجرى فى ظل وجود مجلس عسكرى يُسيّر دواليب الدولة، ومما لا شك فيه أن للعسكر دوراً فى حمايته، خاصة أن مبارك نفسه رجل عسكرى».
ورغم حديث المحاكمات فإن الواقع التونسى - بحسب الكحلاوى - «لم يعد مهتما أساسا بقضية محاكمة أعضاء النظام السابق وفى مقدمتهم الرئيس المخلوع، وذلك فى وجود فلول لهم على رأس النظام الحالى بمعية القوى الدولية، حيث يتأكد أن الذى حدث بصفة عامة لا يعدو كونه يستهدف رأس السلطة وليس النظام».ويضيف «الكحلاوى»: «هل ثمة أى تطور يتعلق باسترداد الأموال التونسية المنهوبة بالخارج التى قدرت بقيمة 40 مليار دولار؟ ولماذا صمت الجميع فجأة عن هذا الموضوع فى حين برز رئيس الوزراء المؤقت بموقفه الذى أثار ضجة قوية فى بداية تعيينه بحماسته الظاهرة لاسترجاع الأموال المنهوبة، وراح يطبل بضرورة الحصول على قروض دولية يفوق حجمها 125 مليار دولار، فى حين أن تونس مرتهنة بحوالى 20 مليار دولار؟».