x

«أنا بضيع يا وديع».. السينما ترفع شعار «نعم للجنس.. لا للفن»

الأحد 11-09-2011 16:24 | كتب: رامي عبد الرازق |
تصوير : other

من المفارقات الطريفة أن يسخر «أنا بضيع يا وديع» من نوعية الأفلام المعروضة إلى جانبه فى دور العرض فى موسم العيد مثل «شارع الهرم» حيث يتجمع المئات أمام السينما لمشاهدة «مونيا» نجمة الإثارة فى فيلم «مشاعر شهوانية قذرة» من إنتاج تهامى حسن، تماما كما احتشد الجمهور أمام السينما لمشاهدة رقص دينا فى شارع الهرم، ولكن هل تحسب تلك المفارقة للفيلم الذى يحاول أن يقدم حالة من المحاكاة الساخرة للوسط السينمائى المصرى؟! للأسف لا لأن تلك الحالة معروفة منذ سنوات فى أغلب أفلام السبكى التى ترقص فيها دينا كل عيد ولا جديد فيها.

أزمة فيلم « أنا بضيع يا وديع» الحقيقية أن الفكرة البارودى «المحاكاة الساخرة» تم إسنادها لسيناريست مثل محمد فضل متواضع الإمكانيات وتجاربه السابقة سواء «زكى شان» أو «أيظن» أبرز دليل على محدودية قدراته الدرامية، وبالتالى لم يتمكن من الخروج بالفكرة من أفق الإعلان الضيق إلى فضاء السخرية الواسع بشكل يعرى حقيقة الكثير من بيزنس السينما فى مصر، أو يقف على أسباب تردى مستوى الأفلام، فالهدف هو استغلال الفرقعة التى أحدثها الثنائى تهامى ووديع ولكن من خلال فيلم يتأرجح ما بين البارودى والكوميديا الجنسية، ومشكلة الكوميديا الجنسية أنها نوع غير مألوف للجمهور فى مصر وهى نوع الكوميديا الذى يعتمد على عدة عناصر منها الجناس اللفظى ما بين ألفاظ خارجة أو إباحية وألفاظ عادية مثل كلمة التعريض التى حذفتها الرقابة من نسخ السينما، رغم أنها أصبحت مضغة فى أفواه الجميع بسبب تريلر الفيلم فى التليفزيون، وكلمات مثل فوتوجنيك وعم الحك، ومنها أيضا استخدام الأمراض التناسلية أو المسالك فى صياغة مواقف أو إفيهات مثل مشاهد إجراء تهامى لعملية البواسير واستعراض مؤخرته أمام طلبة الطب والكشف عليها، ومنها استخدام الأشياء أو الصفات ذات الإيحاءات الجنسية مثل ظهور كريم أبوزيد بدون أى مبرر وإعطائه موزة لتهامى بعد أن كشف مؤخرته ورأى أنه أجرى البواسير ومنها التركيز على صدور ومؤخرات الفتيات التى يمتلئ بهن الكادر خلال الأحداث بسبب وبدون سبب ومنها استخدام ألفاظ سوقية مثل التى تستخدمها أم تهامى «كنوز» فى وصف ابنها بالوساخة. والكوميديا الجنسية نوع معروف فى السينما الأمريكية وقدمت من خلاله عشرات الأفلام التجارية، أهمها سلسلة «الفطيرة الأمريكية»، وهى فى النهاية لا تخلو من مغزى اجتماعى بل وأخلاقى فى أحيان كثيرة، ولكن فى السينما المصرية من الصعب أن تعثر لها على أى مغزى اللهم إلا إشارات سطحية تدعى النبل مثل حديث وديع مع تهامى بعد نجاح فيلم السراب القاتل عن الرزق القادم لأسرة الفيلم من ورائه، وقد كان تهامى يتمنى أن يفشل الفيلم لكى يعلن إفلاسه ويتخلص من تسديد الضرائب.

ولم يفلح السيناريست فى صياغة حبكة جيدة حتى ولو بشكل ساخر حيث أثقل الفيلم بشخصيات جانبية ليس لها أى فائدة درامية مثل أخت وديع وأم تهامى، ويبدو أنه لا يستطيع التفرقة بين الشخصية الثانوية التى لا تصنع قراراً درامياً ولكن ترتبط بالحبكة، وبين شخصية يمكن أن تنتزعها من وسط الأحداث فلا تشكل أى فارق للمتلقى خصوصاً شخصية كنوز أم تهامى التى يؤديها أيمن نفسه فى محاولة لتقليد هنيدى ومحمد سعد فى شخصياتهما النسائية ولكن لأن السيناريست لا يدرك نوع فيلمه فلم تقدم الشخصية أى جديد سواء على مستوى السخرية من هذا النمط الهزلى فى الأفلام أو حتى على مستوى تأثيرها على الحبكة بدليل أنها تبخرت قبل منتصف الفيلم ولم نشعر بها أو نهتم لمعرفة ماذا حدث لها!

واستغراق السيناريو فى توليد إفيهات جنسية بصرية ولفظية جعله يتحول تدريجيا إلى نفس نوعية الأفلام التى يسخر منها رغم مساحة النقد التى أتحيت له فى مشاهد البحث عن سيناريو فيلم فاشل لإنتاجه والتى تم استخدام الجرافيك فيها بشكل جيد وتوظيف إيقاع مونتاجى سريع حرك من دماء الفيلم، وكان اختيار «لاميتا» موفقا بشكل كبير فى دور مونيا حيث تقوم بدورها الحقيقى فى الأفلام القليلة التى قدمتها فهى مجرد جسد جميل لا علاقة له بالتمثيل وقد دخلت السينما المصرية من باب استعراض هذا الجسد ليس إلا، وكذلك شخصية المنتج الخليجى الذى يرغب فى دخول مجال الإنتاج السينمائى لمجرد أن يتعرف على النجمة الشهوانية الحسناء ويتزوجها، وإن كانت شخصية نمطية تشبه شخصية الخليجى الخالد الذى يقبع فى كباريهات السينما المصرية منذ عهد أفلام المقاولات فى الثمانينيات، ولم يضف أداء ضياء المرغنى أى جديد عليها بل كان اختياره غير موفق للدور وكان الأجدى الإشارة إلى شركات الإنتاج الخليجى التى تشترى نجاتيفات الأفلام ولكن البحث عن شخصية خليجية تصلح لتوليد إفيهات جنسية جعل صناع الفيلم يقدمون نفس النمط المستهلك.

إن الفيلم الذى يسخر من الأفلام التى ترفع شعار نعم للجنس لا للفن يصبح هو نفسه جزءاً من هذه الأفلام ولن تفلح سخريته من أفلام مثل «أحاسيس» أو «بدون رقابة» فى تفضيله عنهما لأنه فقد بوصلته وتشوش منطقه، وحتى الأفلام الساخرة لها منطق يحكمها، هذا المنطق لا يتفق مثلا مع ظهور فتاة جميلة فى دور صحفية فنية يحدث «وديع» نفسه عندما يراها بأنه لا يصدق أنه يحب من جديد فلا الفكرة تحتمل هذا الخط أو تلك الإشارة، ولا منطق السرد فى الفيلم يحتمل أى حديث داخلى بين الشخصيات ونفسها، ووديع نفسه ليس البطل الذى يستوجب استيفاء أبعاده الدرامية اجتماعيا وعاطفيا ولكنه شخصية أحادية البعد تمثل نموذجاً للمخرجين الذين ينساقون وراء رغبات المنتجين الفاسدين أمثال تهامى وحتى مع إقدامه على تنفيذ مشروع عمره السينمائى فهذا لا يجرده من صفته الساخرة، ولكنه جزء من الحبكة العبثية التى تتطور لتجعل الفيلم الذى يتصور تهامى أنه سوف يفشل ينجح نجاحاً كبيراً! ويجبره على تسديد الضرائب وهى إشارة ذكية لانعدام المنطق فى السينما المصرية فالفيلم الذى نظنه سيفشل ينجح والعكس يحدث! وربما كانت نهاية الفيلم حيث يعود تهامى مرة أخرى لتحوير الأفلام بما يناسب خياله الشهوانى الفاسد وانسياق وديع ورائه فى تحويل اسم مشروعه الجديد من أحلام إلى أحلام مسجلة آداب هى النهاية الأصلح والأكثر منطقية دراميا، فالعبث مستمر وداء مداعبة الغرائز واللعب على وتر الجنس هو شهوة من الصعب أن يتخلص أمثال تهامى منها فى السينما.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية