x

راعى كنيسة الأنبا أنطونيوس بأبوظبى: المسلمون أنصفوا المسيحيين بعد الفتح

الخميس 20-01-2011 19:18 | كتب: محمد الجداوي |


أكدت ندوة جامعة الشيخ زايد المنعقدة، مساء الأربعاء، فى أبوظبى تحت عنوان «15 قرناً من المحبة والمودة» دور المسيحيين وإسهاماتهم فى الحضارة العربية والإسلامية ضمن النسيج الواحد للوطن العربى.


كما أكدت أن الحضارتين الإسلامية والمسيحية كانتا فى أوج ازدهارهما، حينما سادت مبادئ التعايش والتسامح مع الآخرين، وطالبت المؤسسات الإعلامية والدينية بأداء دورها فى مواجهة التطرف، وأشارت إلى أن التاريخ القديم والحديث أكد وقوفهما معاً فى مواجهة الغزاة من الغرب.


وقال وزير التعليم العالى والبحث العلمى فى الإمارات، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، خلال الندوة التى نظمتها جامعة أبوظبى بالتعاون مع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف ومؤسسة طابة للدراسات الإسلامية إن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين تتميز بالمودة والمحبة، وأن المسيحيين العرب إخوة كرام يقفون صفاً واحداً لصالح الأمة، لا فرق بين مسلم ومسيحى، وأن بينهم إخاءً صادقاً، يؤكد دوره باستمرار أن الدين لله والوطن للجميع، ولفت إلى ما تحقق فى ظل الإسلام والمسيحية من تعايش على مدى 15 قرناً من الزمان ساد فيها الاحترام والتقدير لأهل الكتب السماوية.


وقال الشيخ نهيان: إن لقاء اليوم يذكرنا بأن لنا تراثاً مشتركاً يقوم على وحدة اللغة والوطن ويؤكد حقوق الإنسان ورعاية مصالحه، والذى استمر حياً قادراً على مواجهة كل التحديات ونبذ كل استغلال بغيض للأحداث العارضة، وإن الحضارتين الإسلامية والمسيحية كانتا فى أوج ازدهارهما حينما سادت مبادئ التعايش والتسامح مع الآخرين، ولاتزالان قادرة على مواصلة مسيرتهما فى عزة وشموخ.


وأكد أن هذا اللقاء تعبير قوى عن التزامنا التام بالعمل معاً من أجل صياغة مستقبلنا فى وطننا الواحد، رغم اختلاف الدين والمعتقدات فى سبيل إرساء حضارة عربية يصنعها المسلمون والمسيحيون معاً، انطلاقاً من الإرث الإبراهيمى الواحد، وأن فى التعدد نوعاً من الإثراء والحيوية فى حياة البشر، طالما حرصوا على التعايش وسعوا إلى تحقيق كرامة الإنسان، موجهاً الأنظار إلى عدد من الأمور الحيوية الواجب التنبه إليها، والتى تقود إلى زرع الشك وزعزعة الاستقرار فى مجتمعاتنا، مطالباً المؤسسات الإعلامية والدينية بالقيام بدورها فى مواجهة التطرف، والوعى بالظروف التى تمر بها المنطقة.


وأكد نيافة القمص إسحاق راعى كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بأبوظبى فى بداية كلمته التى حملت عنوان «رحلة حب منذ خمسة عشر قرناً»، أن المجتمع الذى يسوده السلام، مجتمع مثالى محبوب، وتابع: نزلت الأديان السماوية لا لأجل شقاء الإنسان بل لنتعاون لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولكى تأخذ بيد الناس إلى السعادة فى حياتهم وبعد مماتهم. مشيراً إلى أن الأمم إنما ترقى بالتعاون، والمحبة الخالصة لوجه الله، وبالإخاء الصادق، وبالنفوس الطيبة والقلوب العامرة بالإيمان وبانتشار نعمة الأمان فيها.


وقال: إن محطات التآخى متعددة ونقاط التلاقى كثيرة، فحياة المحبة جمعت بيننا طوال 15 قرناً من الزمان، ونحن نضرب فى الشرق الأوسط مثالاً للناس فى التعايش السلمى. لافتاً إلى أن المسيحيين وقفوا ضد الغزاة من الغرب، ورفضوا عروض الحماية من الخارج فى التاريخ القديم والحديث.


واستشهد القمص إسحاق بموقف بطريرك الأقباط البابا بطرس الجولى عندما رفض حماية روسيا القيصرية على المسيحيين المصريين فى عهد محمد على، قائلاً: «خَشِيَتْ قيصرية روسيا نفوذ محمد على، الذى قد يمنع تغلغل نفوذها فى الشرق، فخططت أن تستعين بالأقليات فى تنفيذ ذلك المخطط الخطر، فبعثت أميراً من أمرائها ليفاوض بطريرك الأقباط البابا بطرس الجولى ليوافق على وضع الأقليات تحت حماية قيصر روسيا، فما كان من البابا الوطنى العظيم إلا أن سأله سؤالاً أثار دهشتَهُ وفى الوقت نفسه أثار غيظه: هل يحيا قيصركم إلى الأبد ولا يموت؟ فأجابه الأمير.. لا يا سيدى البابا لابد أن يموت كسائر البشر فقال البابا: إذن فأنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، أما نحن الأقباط فنعيش تحت حماية ملك لا ولن يموت إلى الأبد.


وتابع نيافته: وهنا خجل الأمير وانصرف مبهوتاً، وعندما توجه لمقابلة محمد على باشا سأله: هل أعْجَبَتْكَ مصر بأهرامِها وآثارِها؟ أجاب الأمير ما أعظم أبى الهول وما أروع الأهرامات ولكن شيئاً آخر أثار إعجابى أكثر من هذا وذاك، إنه بطريرك الأقباط ووطنيته، ثم قص على الباشا حديثه مع البابا فأُعجِب كل الأعجاب وتوجه بنفسه إلى دار البطريركية ليقدم تقديره وشكره الخاص إلى البابا فأجابه البابا «لا تشكر من قام بواجبٍ عليه نحو بلاده»، فرد عليه محمد على والدموع تنهمر من عينيه: لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك فليكن لك مقام محمد على بمصر، ولتكن لك مركبة معدة كمركبته.


وأضاف راعى كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس بأبوظبى: هناك موقف مشرف آخر من مواقف بابواتنا، كان لقداسة البابا شنودة الثالث فى أعقاب نصر أكتوبر المجيد، فلن ينسى التاريخ الحديث موقفه المشرف فى موضوع وثيقة محاولة تبرئة اليهود من دم المسيح فقد أعلن فى شجاعة أن اليهود مدانون بصلب السيد المسيح، كما أن من كلمات البابا شنودة الخالدة قَولهُ: «(إنَ مصرَ تعيشُ وحدةً واحدةً وشعباً واحداً وشعوراً ووجداناً بلا تفريق ولا تمييز.. وإن مصر وإن كانت أحياناً عقلاً تتعدد أفكاره، فهى قلبٌ واحدٌ يتعانق شيوخَهُ وأحباره.. وإن مصر ليست وطناً نعيش فيه لكنها وطن يعيش فينا».


وقال القمص إسحاق: الأقباط طوال عمرهم وطنيون، والزعيم الوطنى سعد زغلول اتخذ من كبار الأقباط أعواناً لمسيرته، نذكر منهم سينوت حنا الفدائى المشهور الذى افتدى مصطفى النحاس وكان من أقواله البناءة (الوطنيةُ دينَنَا والاستقلالُ حياتنا). وأضاف: سجلت لنا المؤرخة الإنجليزية (بوتشر) التى تشهد بوطنية الأقباط فى هذا الميدان فتقول: «إن الأقباط فرحوا بهزيمة الصليبيين فرحاً

لا يوصف لأنهم وجدوا معاملة المسلمين لهم أفضل من معاملة أولئك»، فمنذ البدايات الأولى الفتح الإسلامى لمصر استقرت أسس التآخى بين مسلمى مصر وأقباطها القائم على أساس راسخ من المساواة، فمنذ قدوم عمروبن العاص لمصر واسترجاعه للبطريرك بنيامين بطريرك الأقباط من منفاه، اعتبر الأقباط هذه الخطوة بداية حسنة لعلاقة متآخية، وازداد الأقباط ثقة وميلاً للمسلمين ولا سيما لَمَّا رأوهم يفتحون لهم الصدور ويبيحون لهم إقامة الكنائس والمعابد وسط الفسطاط، بل وفى وسط خيام المسلمين أنفسهم.


من جانبه، أشار الداعية الإسلامى الحبيب على زين العابدين الجفرى، المؤسس والمدير العام لمؤسسة طابا للدراسات الإسلامية، فى كلمته إلى أن عنوان الندوة كان من اختيار نيافة القمص إسحاق بعد التواصل واقتراح عقد لقاء مشترك رداً على الأحداث الخطيرة عشية عيد الميلاد، وأن أهمية الندوة تأتى من طبيعة المرحلة الحرجة التى تمر بها المنطقة والعالم أجمع، وأن هناك تغييرات كبيرة ومتسارعة على كل الأصعدة تطرح تحديات غير مسبوقة، وتحتاج إلى تجديد الخطاب الدينى الأصيل من الطرفين فى مواجهة الخطاب المتطرف المتنطع، الذى يحاول جعل الاختلاف الطبيعى فى العقائد مرتكزاً للصراعات فى العالم.


وأكد قوة الصلة بين المسلمين والمسيحيين من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التى تنهى عن الإضرار بأهل الذمة، وأن من قتل قتيلاً منهم لم يجد ريح الجنة، وأشار فضيلته إلى وصية الرسول عليه الصلاة والسلام، بأهل مصر خاصة لأن لهم نسباً وصهراً، موضحاً بالشواهد التاريخية مدى قوة الصلة بين الأقباط والمسلمين منذ فتح مصر وإلى اليوم، التى تمثلت فى أصدق صورها فى اجتماع عنصرى الأمة عقب أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، ومشاركة كل مصر قيادة وشعباً الأقباط فى احتفالاتهم بعيد الميلاد.


واستشهد الجفرى بموقف الشيخ إبراهيم الباجورى، شيخ الأزهر الأسبق، ورفضه الانصياع لرغبة عباس حلمى حاكم مصر فى طرد الأقباط إلى السودان، قائلاً: «إن النصارى من أهل البلاد وأصحابها، ومن ناحية الدين فهم فى ذمة الإسلام إلى اليوم الآخر، ولا يجوز إلحاق أدنى أذى بهم».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية