القارة الأفريقية رأت أن الكابتن حسن حمدى، وزير دفاع فريق الكُرة بالنادى الأهلى سابقاً، حسبما كان يطلق عليه الجمهور والنقاد، ورئيس النادى سابقاً أيضاً، هو أفضل رئيس ناد فى القارة السمراء، على الرغم من أنه أبيض البشرة، بل ناصع البياض، منحهُ اتحاد كرة القدم بالقارة (الكاف) وسام الاستحقاق الذهبى، سوف يتسلمه خلال احتفال كبير على هامش اجتماعات الاتحاد، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ١٧ الشهر الحالى.
النادى الأهلى حصل على ١٩ لقبا أفريقيا خلال فترة رئاسة حسن حمدى، الذى قاد الفريق أيضاً إلى كأس العالم للأندية خمس مرات، فى صمت يتناسب مع طبيعته الشخصية، ذلك أن جماهير النادى، أو حتى جماهير الكرة عموماً، ربما لم تسمع صوتاً لهذا الرجل، إن سلباً أو إيجاباً، على مدى السنوات الـ١٢ التى قضاها على رأس النادى، ذلك أنه كان قيادة من طراز فريد، كما كان لاعباً من نفس الطراز أيضاً، فى امتداد واضح للمدرسة نفسها، التى أرسى مبادئها سلفه الراحل الكابتن صالح سليم، ومازالت تؤدى نفس الرسالة حتى الآن.
بالفعل، استطاع حسن حمدى خلال فترة رئاسته الحفاظ على تقاليد النادى العريقة، باعتباره مدرسة تربوية أخلاقية رياضية، لم تنفصل هذه عن تلك يوماً ما، ويبدو أن القارة السمراء لا تنسى جهود أبنائها، على عكس الأوطان الأُم، التى كانت الأجدر بتكريم أبنائها، أو هكذا يجب أن تكون، إلا أنها فى لحظة فارقة، أو بمعنى أدق ماسخة، تناست كل النجاحات التى سجلتها كتب التاريخ الكروية والرياضية عموماً، كإنجازات وطنية، وليست شخصية أبداً.
تعاملتُ مع الكابتن حسن حمدى عن قرب، حينما كان مديراً عاماً لإعلانات الأهرام، رأيته فيها كما فى ناديه تماماً، أخلاقياً وإدارياً، ولو أن هناك (كاف دعائيا أو إعلانيا) لحصل أيضاً على وسامه الذهبى عن جدارة واستحقاق، وهو الأمر الذى يجعلنا نؤكد أن هناك فى مجتمعنا الكثير من القيادات، التى أغفلتها منصات التتويج، لأسباب شخصية أحياناً، ونفسية فى أحيان أخرى، إلا أنه بدا واضحاً أن هناك قارياً من يتابع، كما هناك عالمياً من يراقب، ذلك أن السجلات لا تكذب، كما الأرقام تماماً.
بالتأكيد تكريم حسن حمدى ليس تكريماً لشخصه فقط، ولا للنادى الأهلى فقط، هو تكريم لمصر، كل مصر، هو تكريم للرياضة المصرية، وللقدرات المصرية، حينما تتاح لها الفرصة بأقل الإمكانيات، وهى رسالة أيضاً إلى كل قيادة فى موقعها، بعد أن أصبح هناك الكثير ممن يحجمون عن تقلد المناصب، أو الدخول فى منافسات انتخابية من أجلها، درءاً للمهاترات والشللية وتبادل الاتهامات والتشهير، وغير ذلك من أوضاع لا تتناسب أبداً مع التصدى للعمل العام، لصالح المواطن، ولصالح الدولة ككل.
يجب أن نعترف بأن هناك الكثير من القيادات والكفاءات أصبحوا الآن فى طى النسيان، لم تعد تستفيد منهم الدولة المصرية من قريب أو بعيد، لأسباب واهية، وأحياناً أسباب وهمية، على الرغم من حاجة المجتمع إلى كل ذوى الخبرات فيه، ما بين وزراء وأكاديميين وسياسيين واقتصاديين، وحتى رياضيين، تجاهلنا كل ما قدموه لوطنهم، ووجهنا لبعضهم اتهامات مثيرة للسخرية والدهشة، فى الوقت الذى هيمن فيه الرويبضات على معظم القطاعات، ومنها الرياضية أيضاً، تنفيذياً وإعلامياً، أو بمعنى أدق حنجورياً!!
كل ما أرجوه هو أن يتعامل إعلامنا مع حدث تتويج وتكريم حسن حمدى على قدره، كإضافة للرياضة المصرية، بمنأى عن الحقد والحسد وتصفية الحسابات، ذلك أن حدثاً مثل هذا فى بلد آخر كانوا يدقون له الطبول، ويحملون له المشاعل، يستتبعه تكريم أكبر، وهو ما أتوقعه من السيد رئيس الجمهورية، الذى لن يتوانى بالتأكيد عن تكريم وطنى آخر للرجل، فى دلالة على أن مصر تُقدر أبناءها، وهى رسالة أيضاً إلى كل القيادات المصرية فى مواقعها بأن الإهمال والتخاذل ليس طبيعة مصرية طوال الوقت، ما بالنا عندما يتعلق الأمر بشخصية أعطت للرياضة المصرية على مدى ٤٢ عاما، منذ أن كان لاعباً بفريق الناشئين بذلك النادى العريق.
أعتقد أنه قد آن الأوان لنفض غبار مرحلة كانت قاتمة فى حياتنا، لنواجه بكل حسم كل ما من شأنه إهدار القيم والأخلاق فى مجتمعنا، آن أوان العودة إلى تقاليد احترام الكبير، وتوقير كل من أعطى لمصر بالفعل، لنغلق كل ملفات الانتقام ونبدأ صفحة جديدة من العمل الجاد، نحن فى حاجة إليها بالفعل، أرى أن تكريم حسن حمدى على المستوى الدولى أو القارى هو بمثابة رسالة قبل أى شىء آخر، يجب أن نتوقف أمامها بجدية، ليس الهدف منها ذلك الرجل الخلوق فقط، ذلك أن هناك فى المجتمع الكثيرين ممن آثروا الانطواء والانزواء، ومن كل الأعمار، منعا للانزلاق إلى الدرك الأسفل من الضياع، وهو ما ألقى بظلاله سلباً على الأداء العام ككل.. الكُرة الآن فى ملعب القيادة السياسية، علّها تُمسك بزمام المبادرة، وكفانا غوغاء.