فى الوقت الذى يرفض فيه الكثير من السياسيين والمحللين النظر إلى الرئيسين الأمريكيين باراك أوباما وسابقه جورج بوش الابن على أنهما وجهان لعملة واحدة، يوافق الكثيرون على أن كليهما أضر بمصلحة الولايات المتحدة كل على طريقته الخاصة.
فبينما ألقى جورج بوش بأمريكا فى براثن الحروب الخارجية فى العراق وأفغانستان فى أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر، جالباً كراهية العالمين الإسلامى والعربى للشعب الأمريكى، فإن أوباما جعل الشعوب العربية تفقد الثقة على نحو أكبر فى شعارات الديمقراطية الأمريكية التى وعد بها فى خطابه بالقاهرة فى يونيو 2008.
فإذا كان بوش الجمهورى نفخ بوق الحرب، وشيد مركز اعتقال للمشتبه بهم بارتكاب أعمال إرهابية، فى جوانتانامو فى كوبا، وصرح بمحاكمة المشتبه بهم فى قضايا إرهابية فى محاكم خاصة، كما أجاز التعذيب فى السجون الخاصة، فإن أوباما انتقل من هذه الحروب الخارجية إلى الأزمة الاقتصادية الداخلية، واستبدل تهور بوش بالسلبية بدليل موقفه من الربيع العربى الذى اجتاح عدداً من الدول العربية.
ويبدو أن التغير الذى طرأ على الإدارة الأمريكية منذ تولى باراك أوباما السلطة منذ 3 سنوات، لم يكن إلا ظاهريا، اقتصر على الأسلوب فحسب، لتبقى الاستراتيجية السياسية الخارجية للولايات المتحدة كما هى فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتعذيب.
«فعندما يحين الوقت كى يقيم المؤرخون التاريخ الأمريكى بعد هجمات 11 سبتمبر، سيواجهون مشكلة فى الحديث عن السياسات الخارجية التى انتهجها كل من بوش وأوباما بشكل منفصل، وفقا لرؤية الصحفى فى صحيفة «نيويورك تايمز» روس داوثات.
فتغير الخطاب الأمريكى الرسمى، حيث اختفت جملة بوش الشهيرة «الحرب العالمية على الإرهاب» التى كان يدير بها سياسته الأمنية، وتبنى إدارة أوباما مهمة عالمية مشتركة للدفاع عن العالم فى وجه التهديدات بديلا عنها تمثلت فى تدخل قوات حلف الناتو فى ليبيا مؤخرا، لا يعنى أن أوباما لا يشبه سابقه فى تبنى العنف بما يخدم المصلحة الأمريكية.
ويشعر معظم الديمقراطيين بأن تصرفات بوش التى كانت توصف بأنها فاشية بغيضة فى عهد بوش، تحولت إلى شعور طيب بالمسؤولية له نكهة الماضى، لمجرد أن الرئيس ديمقراطى التوجه، على الرغم من انتهاجه طريق سابقه فى محاربة تنظيم القاعدة بدليل قتله زعيمه أسامة بن لادن دون محاكمته معتبراً ذلك «تحقيقا للعدالة» وإصراره على استكمال المهمة الأمريكية فى هزيمة التنظيم حتى نهايتها بالطريقة ذاتها.
فلم تقدم إدارة أوباما سوى الوعود دون أن يصاحبها واقع ملموس، فالحكومة الأمريكية الحالية تنتقد معتقل جوانتانامو، لكن مع كل وعودها بإغلاقه لا يزال قائماً، وتحدثت تلك الإدارة كثيراً عن حقوق الإنسان لكنها تقتل المشتبه بهم من دون محاكمة، هذا كله ولا يزال الديمقراطيون ينظرون لأوباما على أنه أنهى الحرب ومد يده للعالم الإسلامى ويدافع صراحة عن حقوق الإنسان فى العالم.
فلم يسلم حتى المواطنون الأمريكيون أمثال الداعية أيمن العولقى، إذ تتم ملاحقته بعد وضعه على رأس قائمة الإرهابيين المطلوبين فى الولايات المتحدة، كظله بمقاتلات دون طيار وعناصر قوات خاصة تعمل متخفية، ويبدو أنه مستعد للذهاب لأبعد مما ذهب إليه سلفه بكثير فى هذا الشأن.
ففى عام 2010 وحده نفذت طائرات أمريكية دون طيار 118 عملية إسقاط قنابل على مشتبه بهم فى باكستان، بحسب معهد «نيو أمريكا فاونديشن (إن.ايه.إف) البحثى»، فيما لم يزد عدد الهجمات عام 2008 قبل تولى أوباما بعام واحد 33 عملية.
وحصدت هذه الغارات فى ظل القيادة الجديدة أرواح 1700 شخص، وهو ما يعادل 10 أضعاف الضحايا الذين سقطوا إبان عهد سلفه، وعلاوة على ذلك فإن من بين هذا العدد الكبير من الضحايا لم يكن هناك سوى 21 مسلحاً حقيقياً، أما باقى الضحايا فكانوا مدنيين أبرياء وأسراً بسيطة.