x

«الربيع العربى».. الشعوب تحسم معركة التغيير

السبت 10-09-2011 16:51 | كتب: عنتر فرحات |

بعد نجاح ثورتى مصر وتونس فى الإطاحة بالرئيسين حسنى مبارك وزين العابدين بن على، ووصول قطار «الربيع العربى» إلى اليمن وسوريا وليبيا والبحرين ودول عربية أخرى، توالت الكتابات بأن الثورات التى شهدتها المنطقة نجحت فى حسم معركة التغيير لصالحها فى أيام معدودة، مقارنة بما فشلت فيه القاعدة ودعوتها للإطاحة بالأنظمة الحاكمة الموالية للغرب فى المنطقة، أو حتى الحرب على الإرهاب التى تقودها الولايات المتحدة فى أفغانستان والعراق منذ 2001.

ورغم أن الثورة فى مصر وتونس واليمن وسوريا رفعت شعار الاحتجاجات السلمية، وهو ما أبهر العالم، فإن مئات الضحايا سقطوا فى مصر خلال أيام الثورة الأولى، وبلغ عدد الشهداء 864 شهيداً، وأصيب 6467 جريحاً نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل قوات الأمن، كما قتل وأصيب المئات خلال الثورة التونسية، لكن تكلفة الإطاحة بزعيمين ظل الأول 30 عاماً فى الحكم، و23 عاما للثانى، أقل بكثير من تكلفة الحرب على الإرهاب التى لم تجلب حتى الآن لا الديمقراطية ولا الأمن فى العراق وأفغانستان.

وفى اليمن، سقط مئات القتلى والجرحى فى الثورة التى لم تحسم سقوط الرئيس على عبدالله صالح بشكل نهائى حتى الآن، بينما تحولت الثورة الليبية إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين قوات الثوار المطالبين بسقوط الزعيم معمر القذافى والكتائب الحكومية، وأسفرت حتى الآن عن مقتل 30 ألفاً و50 ألف مصاب، فضلا عن تدمير الجيش والبنية التحتية خاصة مصافى وبعض حقول النفط، مما يتطلب مليارات الدولارات لإعادة بناء الاقتصاد والجيش، وكانت الخسائر هنا أفدح بكثير من نظيرتها فى مصر وتونس، وفيما لم تحسم الثورة السورية بعد إسقاط الرئيس بشار الأسد، فإن عدد القتلى تجاوز 3 آلاف متظاهر، بالإضافة إلى آلاف المصابين والمعتقلين.

وأظهرت دراسة نشرتها جامعة براون الأمريكية أن الحرب على الإرهاب أسفرت عن مقتل 225 ألفاً، وجرح 365 ألفاً، ودفع المدنيون الفاتورة الأكبر للحرب بسقوط 125 ألف مدنى عراقى، و35 ألف مدنى باكستانى، و12 ألف أفغانى، وتشريد أكثر من 8 ملايين، فيما بلغت كلفتها المادية نحو 4 ترليونان دولار، فضلا عن أنها عززت الكراهية بين الولايات المتحدة ودول الغرب التى تقود تلك الحرب والعالم الإسلامى الذى اعتبر نفسه ضحية لها.

من جانب آخر، يحسب للربيع العربى أنه نجح فى تقويض المبادئ التى قامت عليها استراتيجية تنظيم القاعدة فى التغيير والإصلاح بهدف إقامة نظام إسلامى شامل وتحكيم الشريعة، إذ تقوم تلك الرؤية على أنه لا يمكن أن يتحقق الإصلاح ما دام الغرب «الصليبى» يحتل الدول العربية، لذا اشتملت رؤية القاعدة التى وضعها زعيم التنظيم السابق، أسامة بن لادن، وخليفته الحالى، أيمن الظواهرى، على مواجهة ما يعرف بـ«العدو البعيد»، وهم الأمريكيون والغربيون، ومن ثم رفع شعار «الجهاد الدفاعى» ضدهم، وفى الوقت نفسه مواجهة القادة المستبدين فى العالمين العربى والإسلامى، أو من أطلق عليهم «العدو القريب»، كونهم حلفاء للغرب الذى يقدم لهم الحماية، ويعتمدون عليه فى بناء شرعيتهم، ومكافحة الحركات الإسلامية، وتصويرها كفزاعة للمصالح الغربية، بحسب تقرير مجلة «واشنطن كوارتلى».

قامت الثورات فى العالم العربى على أساس تحقيق الاستقلال وإقامة أنظمة ديمقراطية فى كل دولة على حدة وإنهاء عقود طويلة من الاستبداد والظلم والتدخل الغربى فى شؤون الدول العربية، ومن ثم فقد أعاد الربيع العربى رسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وأثرت الإطاحة برئيسين بشكل كامل فى تونس ومصر على العالم بأسره، بينما لم يعد الرئيس اليمنى لبلاده مع استمرار الثورة المطالبة بسقوط نظامه، فيما سيطر ثوار ليبيا على العاصمة طرابلس، ويقتربون من بسط نفوذهم على أنحاء ليبيا، بما يؤكد نصرهم على العقيد الهارب معمر القذافى، ولاتزال الثورة السورية تواصل نضالها وتقديم شهدائها من أجل الإطاحة بالأسد.

وطال الربيع العربى دولاً أخرى مثل الأردن والبحرين والمغرب والجزائر وحتى مناطق فى السعودية دون الإطاحة بالأنظمة الحاكمة بها، وهو ما تنادى به القاعدة فى جزيرة العرب، واستجابت تلك الدول لضغوط شعوبها باتخاذ خطوات إصلاحية مثل مشروعى الدستور فى المغرب والأردن، وما قدمته دول الخليج خاصة السعودية وقطر والإمارات وعمان والكويت من رشاوى اقتصادية لتهدئة مشاعر الغضب لدى الشارع، لكن تلك الرشاوى من شأنها أن تؤجل الغضب إلى حين وليس للأبد، وعكست الثورات العربية فشل النهج الاقتصادى الذى قامت عليه سياسات الدول العربية، إذ أقر البنك الدولى بأن تلك السياسات فشلت فى إرضاء الشعوب بما يعنى ضرورة العودة لسياسات العدالة الاجتماعية.

فى المقابل، يرى خبراء أن الربيع العربى لن يؤدى إلى الديمقراطية، وأن ما حققته الثورات العربية حتى الآن مجرد نصف إنجاز، فرغم أنها هدمت الأنظمة السلطوية، لكن الطريق لايزال طويلا نحو الديمقراطية، وحذر الخبراء من أن فشل الربيع العربى فى تحقيق الأهداف التى قام من أجلها ينذر بانتعاش التيارات الإسلامية الراديكالية وتنظيم القاعدة.

ويعنى الفشل المحتمل للربيع العربى وتراجعه عن تحقيق الديمقراطية انتكاسة كبرى لجهود أمريكا والغرب فى مكافحة الإرهاب، إذ أن المخابرات الغربية ستكون قد فقدت حليفا مهما فى الحرب على الإرهاب بعد سقوط الأنظمة القمعية، فضلا عن فقدان مصادر تبادل المعلومات مع الأنظمة الجديدة، بحسب تقرير لمجلة «فورين بوليسى».

وربطت الولايات المتحدة مساعدتها لمصر بمعدل مشاركة التيارات الإسلامية التى صعدت بقوة فى الحياة السياسية بعد سقوط «مبارك» فى الحكومة المقبلة، والحال نفسه فى تونس بعد هروب «بن على»، فيما تأخرت مطالبة الولايات المتحدة والغرب للرئيس السورى بالتنحى، للوقوف على ما أعلنه النظام حول وجود جماعات إسلامية مسلحة تقود العنف ضد قواته، بينما لايزال الغرب يحاول إمساك العصا من المنتصف فيما يتعلق باليمن، إذ لم يحسم موقفه من مطالبة الرئيس صالح بالتنحى وتسليم السلطة خشية فقدان حليف مهم فى مكافحة الإرهاب المتمثل فى تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب، فى حين كشفت الاستخبارات الأمريكية أن إسلاميين جهاديين فى ليبيا أعلنوا عن مخطط لإقامة نظام حكم إسلامى بعد سقوط «القذافى».

إن إعلان الدول الثمانى الكبرى تخصيص 20 مليار دولار لمصر وتونس لمساعدتهما على نشر الديمقراطية، ما هو إلا خطوة أولى لوضع دول الربيع العربى على طريق الإصلاح، وهو ما نادت به الولايات المتحدة طويلاً، وخاضت من أجله حربين فى العراق وأفغانستان، وإن كانتا لأهداف أخرى، إذ أن «بعبع» تنظيم القاعدة، وتحوله إلى تنظيم أكثر تشعبا فى قلب العالم العربى، هو البديل الأبرز حال فشل مسار الإصلاح فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية