بانهيار نظرية «العدو القريب» التى كانت إحدى أدبيات الحركات الجهادية فى صراعها مع الأنظمة العربية بعدما انفجرت الثورات العربية فأزالت هذا «القريب» وكان «العدو البعيد» - الذى هو الولايات المتحدة الأمريكية- يدعمها وبعد سقوط الأنظمة العربية، وبدخول العديد من هذه الحركات الجهادية «العملية السياسية» فى بعض البلاد العربية وعلى رأسها مصر، هل من الممكن أن نرى تحولا يكون بمثابة «مراجعات» فى العلاقة بين التيار الإسلامى والولايات المتحدة الأمريكية فى الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر، فى ظل وجود إدارة جديدة للولايات المتحدة مختلفة كل الاختلاف عن سابقتها؟
سؤال طرحته «المصرى اليوم» على عدد من خبراء الحركات الإسلامية بمناسبة الذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر التى جاءت هذا العام فيما يعرف بربيع العالم العربى، السؤال مهم للطرفين خاصة الحركات الجهادية، التى بات عدد كبير منها «يراجع» نظرياته وأهمها بلا شك أن «التغيير السلمى» أجدى وأنفع من «التغيير بالسلاح» الذى لم «يجد» من ورائه تيار الإسلام السياسى أى شىء.
يقول الدكتور محمد يسرى، القيادى بحزب النور السلفى: «إن تنظيم القاعدة فقد قسما كبيرا من قدرته على تجنيد أعضاء جدد وكسب تعاطفاً بعد اندلاع الثورات العربية لأن القدرة على التعبير السلمى استبعدت ضرورة اللجوء إلى الخيارات العنيفة، بينما كانت حالة الاحتقان بين الأنظمة والشعوب تمثل معينا لا ينضب بالنسبة للتيارات الجهادية وعلى رأسها تنظيم القاعدة».
ويضيف: «يمكن للتيار الإسلامى الذى اتخذ شكلا سياسيا بعد اندلاع الثورات العربية وأصبح ممثلا فى العملية السياسية أن يلعب دورا فى الوصول إلى تفاهم ما مع تنظيم القاعدة أو التيارات المرتبطة بالتنظيم، وتقديم نموذج فكرياً أو عملياً للمجتمع الدولى»، مشيرا إلى أنه فى الوقت الحالى يمكن لأمريكا اللجوء إلى فكرة التعاون والحوار بدلا من سياسة المعاداة التى انتهجتها بشكل صريح وواضح بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويشير يسرى إلى أن إمكانية حدوث مراجعات بين الجانبين واردة، شريطة أن يكون هناك حل لبعض القضايا الكبيرة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ويؤكد منتصر الزيات، محامى الجماعات الإسلامية «أنه لم يحدث أى مراجعات بين تنظيم القاعدة وأمريكا بعد 11 سبتمبر، ولا أتوقع حدوث أى مراجعات بين القاعدة والتيارات الجهادية وبين المسؤولين الأمريكان، لأن الخصومة منعقدة بينهم».
ويشير إلى أن ما يمكن قبوله فى حوار بين الإخوان وأمريكا، لا يمكن قبوله عند التيارات الراديكالية، لأن البنية الفكرية مختلفة، فالإخوان يمارسون العمل السياسى منذ 3 عقود وخاضوا الانتخابات ودخلوا البرلمان، وقبلوا بما لا تقبله الجماعات الجهادية، فالإخوان يمكن أن يقبلوا الدخول فى حوار مع أمريكا، لكن هذه التيارات الراديكالية مثل تنظيم القاعدة لا يمكن أن تقبل ذلك.
ويؤكد أنه مطلوب من أمريكا أن تقدم عدة حلول حتى تشجع التيارات الراديكالية على الدخول فى حوار معها، مثل الإفراج عن الدكتور عمر عبدالرحمن، الأب الروحى للجماعة الإسلامية، المسجون منذ 18 عاماً فى السجون الأمريكية، لأنه سيكون من الأمور بالغة الدلالة، وتقليل الوجود الأمريكى فى العراق، واتخاذ موقف جيد تجاه القضية الفلسطينية.
ويقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: «أن إمكانية المصالحة بين الإسلاميين والأمريكان هى مصالحة تكتيكية، لها أهداف وأغراض وليست مصالحة تاريخية بين الطرفين، وهى مصالحة لها طابع سياسى وبراجماتى أكثر من كونها مصالحة استراتيجية؟
ويؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسعى لإزالة حالة الاحتقان بينها وبين الإسلاميين، لأنها مجبرة ومضطرة على ذلك وليست مخيرة، لافتاً إلى أن أمريكا من المستحيل أن تتخلى عن مساعدة الكيان الصهيونى، وستسعى إلى أن تلعب مع جميع الأطراف الإسلامية ومع إسرائيل على اعتبار أن هناك مصالح استراتيجية ومصالح إجرائية معها.
ويقول الدكتور عمار على حسن، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية: «إن جزءاً كبيراً من أسباب المعاداة بين أمريكا والتيار الإسلامى زال بزوال الأنظمة المستبدة، لأن الجماعات الإسلامية والإخوان والسلفيين والجهاديين كانوا يتعرضون للاحتقان من قبل أمريكا وبالنسبة للإسلاميين كانوا يعادونها لدعمها ومساندتها لنظام الرئيس السابق حسنى مبارك».
ويشير إلى أن الإسلاميين يعتقدون أنهم قد يحكمون فى الفترة المقبلة وأنهم اقتربوا من السلطة، وتصرف من فى يديه السلطة يختلف عن البعيد عنها ومن هم فى المعارضة، وبالتالى فوجود الإسلاميين فى السلطة يقتضى أن يتعاملوا مع العالم الخارجى ولاسيما مع أمريكا بطريقة مختلفة قائمة على المصالح ومد الجسور وتفهم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، وهذا ما وضح فى وجود فكرة الحوار بين الإخوان ومع أمريكا وأنه تعزز بعد الثورة تماماً.
ويضيف لـ«المصرى اليوم»: «ممارسة السياسة تقوم على المصالح والتشاور والمساومات وترفض الأحكام المطلقة وبلاشك ستعاد صياغة رؤى الإسلاميين للغرب وأمريكا ومن ثم فإنه فى المستقبل ستختلف العلاقة عما كانت عليه فى الماضى وسيختفى الاحتقان».
ويتابع: «الشىء الوحيد الذى يعيد العدواة بين الإسلاميين والأمريكان هو إذا شعر الإسلاميون أن أمريكا تعمل مع طرف آخر فى مصر ضد مصالحهم، تحديداً المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك لإزاحة الإسلاميين من المشهد السياسى ومنع تقدمهم فى الحياة السياسية على غرار ما فعله نظام مبارك معهم، حينها سيعود عداء الإسلاميين لأمريكا.
ويقول إن فكرة عداء الإسلاميين لأمريكا لدعمها الكيان الصهيونى مختلفة تماما لدى الإسلاميين، وأقرب مثال أن من يهدم الجدار العازل فى مصر أمام السفارة الإسرائيلية ليسوا من الإخوان أو السلفيين.
ويؤكد أن المعاداة لن تكون واضحة من قبل الإسلاميين لو وصلوا للسلطة لكنها ستكون واضحة أكثر وصريحة وسيدخلون فى مواجهات مع أمريكا فى حال دعمها الكيان الصهيونى وهم خارج السلطة.
ويقول الدكتور محمد حبيب، وكيل مؤسسى حزب النهضة الإسلامى: «إن الإدارة الأمريكية هى صاحبة مشروع ومصالح ليس على مستوى المنطقة العربية، وإنما على مستوى العالم، ولا يخفى علينا مدى التوافق بين المشروع الأمريكى والمشروع الصهيونى فى المنطقة، كما أن أمريكا ليست مؤسسة إصلاحية أو جمعية خيرية، لأنه يهمها من الدرجة الأولى مصالحها الخاصة التى تعتمد من الدرجة الأولى على تفكيك المنطقة وتذويب هويتها وتركيعها وسلب خيراتها والقضاء على خصوصيتها وطمس ثقافتها وتراثها». ويضيف حبيب لـ«المصرى اليوم»: «الإدارة الأمريكية تكذب كما تتنفس وتغير خطابها ما بين لحظة وأخرى، وبالتالى لايمكن أن يثق الإسلاميون فيما تقوله، وبناء عليه فلابد على مصر أن تعتمد على نفسها وعلى عقول أبنائها وسواعد شبابها، ووقتها ستحدث الديمقراطية الحقيقية وهذا سيؤدى إلى نهضة مصر ويساعدها على ملء الفراغ فى المنطقة فى العالمين العربى والإسلامى، ويمكن لها أن تساهم فى أمن واستقرار المجتمع الدولى».
وفيما يخص اهتمام أمريكا بالتيار الإسلامى ومراجعة مصالحها والتصالح معه، أكد حبيب، أن هذا لا ينبغى التعليق عليه من قبل التيار الإسلامى أو أن يعول عليه لا فى كثير ولا فى قليل، وإذا كانت أمريكا تسعى إلى عمل مراجعات أو مصالحات مع الإسلاميين فهذا يعود إليها وهى حرة مع نفسها، لكن إذا أثبتت عدم ازدواجية المعايير وعدم دعمها وتأييدها للكيان الصهيونى وأنها ستقف مع الحق العادل والشامل للشعب الفلسطينى وألا ترتبط مصالحها الخاصة بمصالح الكيان الصهيوى، وقتها قد يحدث حوار وتصالح مع الإسلاميين.
ويقول: «لا أعتقد أنه توجد مشكلة لدى الإسلاميين فى التعامل مع أمريكا لكن المشكلة عند الأمريكان، فلابد أن يزيلوا هذا الاحتقان بتوقفهم الكامل عن الدعم للكيان الصهيونى ومصالحه، وأن يتوقفوا عن التدخل فى الشؤون الداخلية للعالمين العربى والإسلامى»، مؤكدا أن الاحتقان موجود ولن يتغير لأن الأمريكان لن يتغيروا، فهم المسؤولون عن تصدير الزعماء الجبابرة إلى العالم العربى ومنهم الرئيس السابق حسنى مبارك والذين كانوا يعتبرونه الكنز الاستراتيجى لهم وهو كان يسعى لاسترضاء أمريكا من خلال البوابة الصهيونية.
ويقول الدكتور صفوت عبدالغنى، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية: «إن العلاقة بين التيار الإسلامى والولايات المتحدة الأمريكية صعب حدوث تغيير فيها، لأن أمريكا تقف دائما موقفاً معادياً ضد التيار الإسلامى حتى وإن كان معتدلاً أو متشدداً، وهذه سياسة أمريكية ثابتة تجاه الإسلاميين وتخضع للوبى الصهيونى، الذى يحرك سياستها الخارجية وتعاملها مع التيار الإسلامى»، موضحا أن الكل سواسية لدى أمريكا من التيارات الإسلامية المعتدلة والمتشددة.
ويضيف لـ«المصرى اليوم»: «أن العلاقة مع أمريكا بعد الثورة قد تذهب إلى مزيد من التشدد، لأن السياسة الأمريكية تتأرجح بعد نجاح هذه الثورات والتى كان للتيار الإسلامى دور كبير فيها فى الدول العربية»، مشيرا إلى أن على التيار الإسلامى أن يستمر فى طريقه، والذى لا يتعارض نهائيا بين وصول الإسلاميين إلى السلطة وبين المصالح الأمريكية، فالتيار الإسلامى فى مجمله لا يتصادم مع العالم الغربى وأمريكا، ولا ينادى بقطع العلاقات مع إسرائيل، بل هو قادر على التعامل مع العالم الدولى فى إطار التوازنات الموجودة.
ويؤكد أن المراجعات التى حدثت بين التيار الإسلامى والدولة فى مصر جزء منها متعلق بالتعامل مع العالم الخارجى، وهناك جزء مما حدث من مراجعات للتيارات الإسلامية فى الدول العربية تناول أيضا العلاقة مع العالم الخارجى والداخلى. ولفت إلى أن تأسيس العديد من الأحزاب الإسلامية ومشاركتها السياسية، قد يجعل أمريكا تضغط على الدول، منعاً لوصول الإسلاميين إلى السلطة.