في الوقت الذي أعلنت فيه السعودية رفع يدها عن الوساطة التي أجرتها مع سوريا لحل الأزمة اللبنانية، أبقى التحرك (القطري – التركي) العاجل، حيزاً من المناورة لاستئناف الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السياسية في لبنان المتعلقة بالمحكمة الدولية في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بعد أن نزلت المعارضة للشارع مساء الثلاثاء، في تحرك كاد يفجر الأوضاع.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، الأربعاء، إن المملكة «رفعت يدها» عن الوساطة التي أجرتها مع سوريا لحل الأزمة في لبنان بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وأضاف الفيصل في تصريحات لقناة العربية :«إن خادم الحرمين الشريفين اتصل مباشرة بالرئيس السوري بشار الأسد، فكان الموضوع بين الرئيسين بالتزام إنهاء المشكلة اللبنانية برمتها ولكن لم يحدث ذلك فرفع الملك عبدالله بن عبد العزيز يده من لبنان بعد هذا الاتصال».
واعتبر وزير الخارجية أن «الوضع في لبنان خطير»، وأضاف «إذا وصلت الأمور إلى الانفصال، والتقسيم فإن لبنان كدولة التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والفئات المختلفة ستنتهي».
جاء ذلك فيما التقى وزيرا الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني، والتركي أحمد داود أوغلو، بالفرقاء اللبنانيين، الثلاثاء، غداة قمة ثلاثية تركية قطرية سورية عُقدت في دمشق، ودعت إلى إحياء المساعي السعودية السورية لاحتواء الأزمة اللبنانية.
وقالت صحيفة السفير اللبنانية، إن الوساطة (التركية – القطرية) تركت النافذة مفتوحة على معادلة الـ«سين - سين» (أي المبادرة السعودية السورية) وأحبطت انفجار الوضع في لبنان بعد تسليم القرار الظني للمحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري الاثنين الماضي والذي يتوقع حزب الله أن يوجه الاتهام إليه وما تبعه من نزول المعارضة في الشوارع الأمر الذي أصاب اللبنانيين بالرعب.
ويطالب حزب الله بوقف التعاون مع المحكمة، معتبراً أنها أداة لاختراق لبنان، بينما يتمسك بها فريق رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، سعياً وراء «العدالة».
وفيما ذكرت مصادر في المعارضة اللبنانية، أن حمد وأوغلو نقلا لرئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه بري، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، موافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، على تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين السعودية وسوريا، وأنه عرض مقابل ذلك مطالب تفصيلية كثيرة.
ولا يخفي اللبنانيون قلقهم من انهيار البلاد بعد خبر نزول مسلحين في عدد من شوارع بيروت، وتقول لينا الفتى (48 عاما) «كنت أتناول قهوة الصباح عندما سمعت على التليفزيون عن تجمعات على طريق المطار، فأصبت بالذعر، اتصلت بابني الذي كان توجه إلى مقر عمله قرب مطار بيروت، ولما تأخر في الرد، تخيلت الأسوأ»، وتتابع لينا إنها طلبت من ابنتها التزام المنزل وعدم الذهاب إلى الجامعة. وتضيف «أعصابنا مهترئة. لم نعد نحتمل. سننتهي نحن قبل أن تنتهي الأزمات في هذا البلد».
ويرتدي أي خبر حجما أكبر منه وتبنى عليه سريعاً التأويلات والتكهنات والتحليلات، لا سيما منذ سقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري الأسبوع الماضي، مما ترك انطباعاً بأن الانقسام السياسي الحاد في البلاد سيترجم صداماً على الأرض كما حصل في السابق.
وأقفلت مدارس في عدد من مناطق غرب بيروت وغادر تلاميذها إلى منازلهم بعد ظهور تجمعات لعشرات من الشبان في الصباح الباكر، الثلاثاء، في أحياء مختلفة.
وما لبثت التجمعات أن تفرقت من دون أن يعرف سببها، وإن كان عدد من السياسيين من قوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) ربطوا بينها وبين تحذيرات حزب الله من مغبة توجيه الاتهام إليه في اغتيال الحريري.
وعلى الأثر، عزز الجيش اللبناني حضوره في بيروت، وقال شهود عيان إنهم رأوا قوات من الجيش في نقاط عديدة، لا سيما في المناطق المختلطة (السنية – الشيعية).