فى حلقته الرابعة من برنامج «عصير الكتب» على قناة دريم 2، استعرض الكاتب بلال فضل أهم التغيرات التى طرأت على الميزانية المصرية قبل وبعد الثورة مع الباحث الاقتصادى عبدالخالق فاروق، الذى أشار إلى ما وصفه بـ«ثغرة إبليس» وهو الأجور المتغيرة التى يستطيع من خلالها كل مسؤول مكافأة مساعديه ورجاله، وقدم الكاتب صلاح عيسى ضيف فقرة «الروشتة» مجموعة من النصائح لجمهور البرنامج بقراءة كتب المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى، وفى الفقرة الأخيرة «سور الأزبكية» كشف الشاعر شعبان يوسف، عن سرقة توفيق الحكيم لمسرحية «نهر الجنون» من قصة لجبران خليل جبران، وسرقات متعددة للكاتب الكبير «المازنى».
بدأ بلال فضل الحلقة بمقدمة قال فيها: كله إلا شتيمة الأم، كم مرة سمعت هذه العبارة فى الشارع المصرى؟، مش هسألك كام مرة سمعت شتيمة الأم نفسها فى الشارع المصرى- مش عايز أقلب عليك المواجع- السؤال بشكل لن تستنكره إلا لو بطلت تمشى فى الشارع أو أغلقت زجاج سيارتك بشكل دايم، ورغم أننا أكبر شعب فى العالم لدور الأم خصوصية قوية فيه، طبعا الأم لها دور فى العالم كله، لكن أى دراسة منصفة ومحايدة تستطيع أن تؤكد أن الأم المصرية كدور وتجربة وطبيعة حاجة تانية خالص، ومع ذلك تنتشر شتيمة الأمهات لدينا فى خناقاتنا وشوارعنا، وبعض الدور العربية والشرقية زى تركيا، تعتبر شتيمة الأم موجبة للقتل، ويستبدلونها بشتيمة الأخت، طبعا كل الشتايم موجعة، ولكن حتى الشتيمة درجات، وذات مرة قال لى صديق:يمكن ده لأننا عارفين قيمة الأم، وعايزين نوجع اللى بنشتمه أكتر.
ولكن التفسير العلمى للظاهرة وجدته فى كتاب خطير ومهم اسمه «تراث العبيد فى تاريخ مصر المعاصر». دراسة فى علم الاجتماع التاريخى، ظهر منذ 15 سنة، مؤلفه يقول «إن هذا المرض ظهر فى مصر على وجه الخصوص، لانها البلد العربى الأبرز الذى أحكم المماليك سيطرتهم عليها لعقود طويلة» ولأن المملوك لا أسرة له ولا يعرف أبوه أو أمه وليس له سلالة، لذا فهو كان غير حريص على شرف أهل البلاد، لأن فاقد الشىء لا يعطيه. ويستدل على ذلك بشواهد تاريخية للأسف، لن أستطيع ذكرها بسبب الرقابة، لكنها فى كل الأحوال تطرح تساؤلات حول تراث العبيد الذى بقى لدينا بعد قرون من القهر والاستعباد- لو افترضنا انه انتهى- كنا نتمنى أن نستضيف مؤلف الكتاب لكى نناقشه فى كتابه ولكن للأسف لن نستطيع لأن الكتاب ببساطة من الكتب القليلة التى ظهرت فى تاريخ مصر وربما تاريخ الكتابة فى العالم دون اسم مؤلف، بل اتخذ صاحبه له اسما مستعارا هو الدكتور (ع. ع)، رغم وجود كتب أكتر، تودى فى داهية أكتر، وتحمّل أصحابها مسؤوليتها، لكن كاتب الكتاب الذى يبدو من سطوره الحب الشديد لمصر، يهدى الكتاب «إلى الذين يحبون مصر، وردة ناضرة ذات أريج»، وكذلك السخط الشديد على أحوالها وخصوصا أحوال جامعاتها التى يتحكم فيها تراث العبيد.
خاف على نفسه وعلى رزق عياله واختفى خلف اسم مستعار، للأسف الكتاب اختفى من سنين وأتمنى إعادة طبعه، ولعل كاتبه هذه المرة يفصح عن اسمه الحقيقى، ليتاح لنا مناقشة أفكاره بشكل أوسع، دكتور (ع . ع )، أين أنت؟، أو بمعنى أصح، من أنت؟
وفى فقرة المختصر المفيد، استضاف «فضل» الباحث الاقتصادى الكبير عبدالخالق فاروق، وبعد مقدمة قصيرة قال فيها «كلما ارتفع صوت معارض فى بلادنا، ردت عليه أبواق وقيادات الحزب الوطنى بأنه صوت حنجورى وبتاع تهويل وشعارات وأخذوا يطنطنون بالأرقام والجداول والبيانات، اللى تخليك تشعر انك فى نعمة والمفروض تعمى لأنك تكرهها، ثم يأتى الأستاذ والدكتور والباحث عبدالخالق فاروق، بعصا البحث العلمى ليلقف ما يؤفكون، فيصدر سلسلة من الكتب والدراسات العلمية الرفيعة، التى لو صدرت فى مجتمع ديمقراطى حقيقى، لقلبته رأسا على عقب.
و«يبدأ (فضل) فى مناقشته فى كتابه «جذور الفساد الإدارى فى مصر»:
فى كتابك قسّمت جذور الفساد إلى جزءين هما: «جذور الفساد فى بيئة العمل»، و«جذور الفساد فى سياسة الأجور»، من يقرأ الكتاب يجد أنك وضعت يدك على أصل المشكلة، وهو فكرة الأولويات، ماهى أولويات الدولة فى الإنفاق والميزانية رايحه فين؟
تشهد الدولة خللاً كبيراً فى الموازنة العامة، وخصوصا من أواخر الثمانينيات، وفى الوقت الذى تتحدث فيه الدولة عن عصر السلام والتنمية، كيف تكون الأولويات للأمن.. وميزانية التعليم كانت منخفضة جدا لولا لعب وزير التعليم السابق حسين كامل بهاء الدين دورا فى زيادة مخصصات التعليم لكنها ما زالت اقل كثيرا من المخصصات الكافية لصنع نقلة حقيقية فى التعليم، بما يسمح لمصر بتجديد دمائها، لأن النظام التعليمى الحالى مغلق وخانق. وفى قطاع الصحة رغم أنه يضم حوالى 400 ألف موظف فى الدولة فإن مخصصاته المالية لم تتجاوز فى آخر سنة مالية الـ11 مليارا، وهو مبلغ لا يكفى للوفاء بالحقوق المنصوص عليها دستوريا فى تلقى المواطنين رعاية صحية، بدل الخناقات على العلاج على نفقة الدولة، أو الطوابير المهينة اللى يتعرض لها الفقراء تحديدا.
■ تترسخ فكرة أكذوبة إننا دولة معندناش موارد عندما نقرأ فى كتابك أن «ميزانية الازهر أعلى من المخصص للبحث العلمى»، ولا علاقة لهذا بالدين قدر ما يتعلق بقناعات الدولة، لأسباب سياسية، بدعم الأزهر لمقاومة التطرف، ممكن تقول مفارقات دراستك لميزانيات مصر، قبل الثورة وبعد الثورة؟
- ضمن الأشياء الغريبة اللى اكتشفتها أثناء دراستى وإعدادى للكتاب، فى موازنة عام 49-50 قبل الثورة، الموازنة كانت 187 مليونا، ثلثها للأجور والمرتبات، وكان الهيكل الوظيفى وقتها حوالى 400 ألف عامل، منهم 123 يعملون فى الشرطة، وكانت أهم مميزاتها على سبيل المثال، الدرجة العالية جدا من الشفافية، فتجد فى المجلدات رتُب وعدد ضباط الجيش والشرطة، بالإضافة إلى مخصصات الملك، يعنى الملك فاروق كان بياخد 100 ألف جنيه سنويا، خفضوها إلى 83 ألف جنيه، يعنى الملك فاروق كان ملكا بـ245 جنيها يوميا، وكل المخصصات المالية للعائلة المالكة مكتوبة بكل دقة فى الموازنة العامة. فى موازنة ما بعد الثورة طرأ عليها شوية بشوية المفاهيم العسكرية المرتبطة بالغموض والسرية تحت عنوان غير حقيقى اسمه «الأمن القومى»، فاختفى من الميزانية كل البنود المتعلقة بالجيش والشرطة، وبعد فترة أصبحت المخصصات السرية تدخل فى بنود غامضة اسمها بند «الاحتفال الإجمالى»، يتم التحايل من خلاله على مجلس الشعب، وكان البند يستخدم لمواجهة الطوارئ، وكان فى حدود 16 مليون جنيه، ويتجاوز الآن 16 مليار جنيه، وهذا غير قانونى أو دستورى، ويوجه خلسة إلى مكافآت ومخصصات لقوات الأمن بدون موافقة المجلس التشريعى.
■ أطلقت فى كتابك على مكافآت الأجور المتغيرة اسم ثغرة إبليس، يدفعنا للسؤال: ما صحة الاعتقاد الشعبى السائد بأن هذه المكافآت لو توزعت لعاش الجميع بطريقة جيدة؟
- أولا حدثت كارثتان فى موضوع الموازنة العامة للدولة، الأولى عندما فصلوا موازنات الشركات العامة عن ميزانية الدولة، والكارثة الثانية بدأت عندما بدأ يتضخم ما يسمى بـ«الأجر المتغير»، وبدلا من أن يزيد الأجر الثابت، تضخم الأجر المتغير، مما أعطى مساحات للسلطة المختصة- إذا كان وزيرا أو رئيسا لهيئة وإذا ما كانوا على علاقات جيدة بوزير المالية- لزيادة الأجور المتغيرة، فزادت رواتب اللى شغالين فى مكتب الوزير عشر أضعاف الذى يأخذه الآخرون فى إدارات أخرى، وأصبح فيها تلاعب كبير، مخالف للدستور.
وفى نهاية الفقرة دعا «فضل» كل مصرى «راغب فى الإصلاح» إلى قراءة كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق، قبل أن يضيف «ولأنى مضطر أكون إيجابى، أتمنى لو كانت الحكومة متعرفش المشكلة، وتقرأ الكتاب لأن التشخيص والحل موجودان فيه».
وفى فقرة «الروشتة» دعا الكاتب الكبير صلاح عيسى جمهور البرنامج لقراءة مجموعة كتب المؤرخ الراحل عبدالرحمن الرافعى عن تاريخ الحركة الوطنية المصرية، وروى «عيسى» كيف كتب «الرافعى» أول كتب سلسلة «تطور الحركة القومية ونظام الحكم فى مصر» والتى أرخ من خلالها لتاريخ الوطنية المصرية فى العصر الحديث وقال: أول أجزاء الكتاب صدر 1929، ورغم أن الكتاب صنع صدى بين النخبة وقتها، ولكنه نشره على نفقته، ولم يغط نفقاته، وواصل الدراسة، حتى بلغت السلسلة 15 كتابا، تبدأ بـ«ثورة القاهرة الأولى ضد الاحتلال الفرنسى»، وتنتهى بـ«ثورة يوليو 52».
وفى آخر فقرات الحلقة «سور الأزبكية» أستضاف «فضل» ضيف الحلقة الدائم الشاعر والناقد شعبان يوسف وناقش معه قضية «السرقات الأدبية»، التى وصفها «يوسف» بالمتكررة منذ قديم الأزل.
بدأ «يوسف» حكايات السرقات الأدبية بـ«المازنى» الشهير والشاعر الكبير، بأنه كان له سرقات متعددة فى الشعر، اللى كشفها صديقه عبدالرحمن شكرى، وكتب عنها فى سنة 17، وقارن قصائده بالقصائد المسروق منها، فانتقم منه المازنى شر انتقام، فى سلسلة مقالات، قبل أن يعترف بتأنيب ضميره بعدها بسنوات.وقال إنه لم ينكر السرقات، وبرر هذا بطريقة غريبة أو كما نقول خلط الباطل بالعاطل، وقال «أنا بترجم تلبستنى الحالة فاعتقدت أن ما أترجمه كتابتى الخاصة»، والدليل على السرقات أن رواية إبراهيم الكاتب فيها 5 صفحات منقولين نصا من رواية مترجمة اسمها ابن الطبيعة، لكاتب روسى، بالإضافة إلى رواية أخرى كاملة اسمها، «غريزة امرأة» نقلها بالكامل من رواية «الشاردة» لكاتب إنجليزى، قبل أن يقول بعدها بسنوات إنها ممصّرة فقط. نأتى بعدها لتوفيق الحكيم الذى عرف عنه لفترة طويلة فكرة التأثر بالخارج، ونتحدث تحديدا عن مسرحية «نهر الجنون» المأخوذة من قصة لجبران خليل جبران، اسمها «الملك الحكيم»، منشورة فى كتاب «المجنون»، وأثير بعدها كلام عن «حمار الحكيم» و«عصا الحكيم».
يكمل «يوسف»: حدوتة أخرى تخص الكاتب كمال نشأت الذى كتب مجموعة قصائد وأعطاها للشاعر إبراهيم ناجى لقراءتها، ونسى ناجى تقديمها، وجمعوا أعماله بعد وفاته ليصدر شعر «نشأت» داخل ديوان «ناجى» وشكلوا لجنة ضمت، صالح جودت، وأحمد رامى، واتهم فى بداية الأمر إبراهيم ناجى ظلما، بعد أن رفع «نشأت قضية وطلب 5 آلاف جنيه»، وكذلك رواية «القانون الفرنسى» للكاتب صنع الله إبراهيم، الذى اتهمت الدكتورة ليلى عنان بـ«سرقة أبحاثها» وطالبت بتعويض قدره 10 ملايين جنيه.
وأنهى «فضل» الحلقة بطلب تفعيل «لجنة الضمير الثقافى»، أو «لجنة لمقاومة الفساد الثقافى فى العالم العربى» كى لا تهدر حقوق الملكية الفكرية، وطالب بأن يحدث تجاوب مع الحالات التى ذكرها الناقد شعبان يوسف فى الحلقة.