عندما يسقط أى نظام سائد تظل هناك جهات أو أفراد ينتمون ويخلصون لهذا النظام ويتمنون أن يعود أو على أحسن حال أن يحتفظوا بنفس مكانتهم فى النظام الجديد عن طريق تهيئة البيئة المحيطة بهم بنفس ظروف بيئة النظام السابق لضمان فاعلية أساليبهم التى تعودوا عليها بغض النظر عن نظافتها أو شرعيتها وهؤلاء هم من يطلق عليهم الفلول.
ولو اعتبرنا أن ثورة يناير أسقطت الكثير من المفاهيم والمبادئ والقيم الفاسدة التى كانت سائدة فى المجتمع بمختلف مناحيه خلال الفترة الماضية فسوف يصبح لدينا العديد من الفلول فى كل مجال، وفى السينما والفن على وجه العموم هناك العديد ممن كانوا جزءا من فساد الذوق العام وتردى الحالة الذهنية والوجدانية لدى الجمهور، وعندما بدأ الجميع يستشعر أن الثورة يمكن أن تحدث تغييرا فى ذائقة الجمهور بدأت هذه «الفلول» فى مقاومة التغيير أو ركوب موجة الثورة بنفس الأساليب التى كانت تستخدمها من قبل لضمان بقائها أمام أى محاولة أو نية للتقدم نحو الأفضل والأرقى.
نستطيع أن نلمس هذا فى «تك تك بوم» فسعد هو سعد قبل الثورة وبعدها، بداية من أسماء أفلامه التى تحمل اسم شخصيته فى الفيلم، وإن كان هنا قد تجاوز ذلك إلى كونه اسما بلا معنى ولا دلالة درامية سوى أنه شخص يدعى «تيكا» يعانى من تراجع ذهنى وعته واضح يملك متجرا لبيع البمب ينفجر فيه فى بداية الفيلم، و«تيكا» هو نسخة معدلة من اللمبى فهو جاهل وغبى جدا ولا يستطيع أن يكمل جملة واحدة مفيدة حتى بدون أن يكون مسطولا وعيناه تحوّلان طوال الوقت مثل «كتكوت» تارة و«بوحة» تارة أخرى، ولكن رغم ذلك هو محبوب من أهل الحارة ويمثل بالنسبة لهم نموذج البطل الشعبى الذى يكلفونه بحمايتهم أثناء فترة اللجان الشعبية.
الغريب أنه لا أحد يتوقف أمام هذا العته الواضح فى الشخصية بل يعتبرونه جزءا من شعبيتها رغم أنه نموذج تافه ولا يمكن الوثوق به حتى فى أقصى درجات الهزل، بل يشعرك أن ثمة غرضاً سيئاً وراء استخدامه كمسؤول عن اللجان الشعبية فى حارته! وحارته نفسها حارة غريبة نسمع فى شريط الصوت الخاص بمشاهدها أصوات طلقات نار ومدافع رشاشة طوال الوقت كأننا فى خلفية ساحة حرب، ثم هل كان الوضع فى الحارات والمناطق الشعبية بمثل هذا الحال فى الثورة! أم أن الهجوم كان على المناطق الراقية المليئة بما يمكن سرقته فى حين أن المواجهات فى المناطق الشعبية كانت عند الأقسام بعد الانفلات الأمنى! وبالتالى هذا فيلم يستخدم فكرة انفلات أمنى وليس له علاقة بالثورة لا فى الواقع ولا فى الهزل، ولما كان سعد قد أفصح عن أنه كاتب السيناريو، وهو الذى لم يفصح من قبل عن تدخلاته فى كل تفاصيل أفلامه فهذا معناه أنه متأكد من أن أحدا لن يعترض حتى لو امتلأ الفيلم بمواقف شديدة السخافة وبشخصيات كرتونية لا هى شعبية ولا هى هزلية ولا هى شخصيات من الأساس، بل مجرد صورة انطباعية مثل شخصية البلطجى محمد لطفى أو جورج صاحب محل الذهب أو الشيخ جمال إسماعيل، إنه كوكتيل من الحديث عن الوحدة الوطنية مع شبه حملة رئاسية يدشنها سعد بأغنية «آه لو كنت رئيس» دون أن يكون ثمة مبرر درامى لانطلاق الفكرة فى رأسه سوى بعض الأحاديث الجانبية التى لا نسمع فيها تعليقات «الشعب» على الثورة بل يكتفى سعد بجملة «الراجل ومراته» ثم يختفى بقية الصوت وكأنه حتى بعد الثورة يخشى أن يتورط فيما يمكن أن يمس النظام السابق.
وكيف يتورط وهو جزء من هذا النظام سينمائيا على الأقل فهو لا يعترف أن ذوق الجمهور أو وعيه يمكن أن يتغير، وبالتالى يتعامل بنفس الركاكة الدرامية فى مشاهد الزفاف وانضمامه للبلطجية ورده للمسروقات، ويتعامل بنفس المنطق الهزلى الذى يظن أنه يضحك الناس عندما يتهته فى الكلام أو يستخدم أسلوب عكس الفعل أى أن يقول شيئا ويتصرف عكسه وهو أضعف الأساليب الكوميدية كذلك يبدو تدخله فى الإخراج واضحا خصوصا فى مشاهد الاشتباكات مع البلطجية حيث يقدم المشاهد بالحركة البطيئة وكأنه بطل أسطورى خارق فى مشهد أكشن، وليس شخصية عبيطة فى فيلم هزلى ويرجع هذا إلى عدم درايته بالأنواع السينمائية أو استخدامات الإيقاع البطىء.
كذلك يفرد سعد لنفسه فى المونتاج مساحة زمنية واسعة بحجم واحد للقطة فى مشاهد رياض المنفلوطى الذى يستدعيه مرة أخرى ليحتل النصف الثانى من الفيلم بأداء مستهلك وطريقة حركة وكلام استنفدت غرضها منذ «اللى بالى بالك». ويلجأ سعد للكثير من الشتيمة فى الفيلم على اعتبار أن الشتيمة منه ليست عيبا إنه نفس النظام القديم الذى طالما تعامل به سعد مع الجمهور، والذى لم يتعظ من فشله فى التجارب الأخيرة تماما، مثلما لم يتعظ النظام السابق من الإضرابات والاعتصامات، وها هو سعد ينتهج نهج الفلول فى إصراره على أن النظام القديم للسينما لا يزال ساريا وأن الشعب لا يريد التغيير أو أنه يمكن أن يكسب شباب الثورة إلى جمهوره ليحقق إيراداته المعتادة إذا ما قدم لهم الثورة بخلطته المعروفة رغم أنه يسخر منهم بشدة فى مشهد كامل عندما يطلبون منه أن ينزل معهم للتحرير.