أكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، أن جوهر رسالة الإسلام تحمل الخير والسلام للإنسانية جمعاء، فهي رسالة الأديان والرسالات السماوية كافة.
وقال وكيل الأزهر، خلال كلمته في افتتاح أعمال ندوة «دور الأزهر والفاتيكان في مواجهة ظواهر التعصب والتطرف والعنف» التي تعقد بالتعاون بين مركز حوار الأديان بالأزهر والمجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، الأربعاء، إن الأزهر يمثل القلعة العلمية العالمية التي تمثل الوسطية والاعتدال، وتبذل جهودا حثيثة على كل الأصعدة داخل مصر وخارجها، لينعم العالم بالأمن والسلام وتسوده قيم التسامح، ونبذ العنف وقبول الآخر والعيش المشترك، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البشرية.
وأضاف وكيل الأزهر أن الإسلام دين يحترم كل الديانات والرسالات، ويقدر ثقافة الشعوب والأمم المختلفة، وأن اختلاف الدين لا يسوِّغ ظلم الآخر أو التضييق عليه أو تحقيره أو التقليل من شأنه، والمسلم وغير المسلم في ذلك سواء، لافتا إلى أن الأزهر حريص على التواصل مع غير المسلمين داخل مصر وخارجها، وتبادل الرؤى والأفكار معهم بما يحقق الأمن والسلام للبشرية كافة، ويرفض أي أقوال أو أفعال تصدر عن بعض الجهلاء أو أصحاب المصالح والأهواء، بما يؤدي إلى تأجيج الفتن، وتذكية النعرات العرقية أو الطائفية أو المذهبية، وإشعال فتيل الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وأكد أن التعددية واختلاف الناس لغةً وفكرًا وثقافةً وعقيدةً، طبيعةٌ إنسانية ومبدأٌ مقرر في الشريعة الإسلامية.
وأشار شومان إلى أن هناك عوامل كثيرة لانتشار ظاهرة العنف والتطرف، فكرية وتعليمية واقتصادية واجتماعية وسياسية، أسهمت في خلق بيئة خصبة لجماعات التطرف والإرهاب التي يعاني العالم شرورها اليوم، ومن ذلك فهمهم السقيم لنصوص الأديان والرسالات، حيث يجتزئون النصوص ويؤولونها بما يوافق أغراضهم الخبيثة.
وتابع: «من المؤلم أن تُرتكب كثير من جرائم العنف والتطرف باسم الأديان، وهو الأمر الذي استغلته بعض الأبواق والمؤسسات الإعلامية أسوأ استغلال، وشوَّه به بعض المنتفعين مسلمين وغير مسلمين صورة الإسلام على وجه التحديد، فقدموه للعالم بحسبانه دينا همجيا متعطشا لسفك الدماء وقتل الأبرياء، ناسين أو متناسين ما يُرتكب من جرائم كراهية وعنصرية ضد المسلمين، في حين أنهم أولى بتسليط الضوء عليهم على أنهم ضحايا».
وأوضح شومان أن العالم أمام تحديات جسام توجب على الجميع أن يُعلوا من ثقافة الحوار البناء، من أجل حماية الشباب وإبعادهم عن الانضمام لتلك الحركات التي تدمر الفكر قبل العمران، خاصة في ظل ما يعيشه العالم اليوم من اضطراب وحروب مشتعلة بسبب انتشار موجات الغلو والتطرف وأحداث العنف التي ألقت بظلالها على كثير من الدول، خاصة في المنطقة العربية والإسلامية التي يكاد ينعدم فيها الأمن ويتلاشى الاستقرار.
وقال: «إذا أردنا سلاما وأمنا حقيقيين يسودان العالم، فعلى الذين يملكون القوة أن يمتلكوا الإرادة لإنقاذ العالم من الدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، وأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه كل ذلك، وأن يتوقفوا عن فرض الوصاية على غيرهم بالقوة، وأن تتوقف كذلك سياسة الكيل بمكيالين، وانتهاج التمييز المقيت في التعامل مع الآخر، تلك المعاملة التي تولد الضغائن والأحقاد والشعور بالقهر والكراهية، الأمر الذي يغذي شهوة الانتقام، فضلا عن أن أحلام التوسع وبسط النفوذ الديني أو العرقي أو الطائفي ولو كان بإشعال الحروب وإحداث الفتن هنا وهناك، لن تحقق غاية صانعيها، ولن تخلف إلا مزيدا من الدمار الإنساني والتراجع الحضاري، والأجدى من ذلك والأنفع للبشرية هو العمل في ضوء المشتركات الإنسانية التي لا تختلف بين الديانات المختلفة ولا بين المذاهب في الدين الواحد.
وأكد أن الأزهر لا يألو جهدا من أجل إقناع السياسيين وصناع القرار العالمي بتبني ثقافة الحوار الجاد، لنزع فتيل الأزمات وحل المشكلات العالقة والناشئة، بديلا عن استخدام القوة المسلحة التي تؤجج الصراعات وتوسع ثقافة الكراهية وتغذي روح الانتقام، كما أنه يرحب دائما بالتعاون المثمر والتواصل البناء مع أحرار العالم، وفي مقدمتها الفاتيكان، من أجل إرساء هذا المبدأ العظيم.
وأكد وكيل الأزهر أننا في حاجة ملحة إلى العمل الجاد لتصحيح صورة الأديان لدى الشباب، وتعزيز العلاقات فيما بيننا، ويمكننا أن ندعم هذا التوجه من خلال المؤسسات العلمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتأليف المشترك باللغات المختلفة، بما يجيب عن تساؤلات الشباب، ويقترب من أفكارهم، ويعالج القضايا الجدلية المثارة بين أتباع الأديان، ويزيل اللبس والإبهام الذي يجول في خواطرهم من أثر الشبهات، من أجل بناء جسور متينة من التواصل والتفاهم المشترك دون أن يعني ذلك محاولة فرض فكر بعينه أو عقيدة بعينها.