x

«مقديشو القديمة» من عصور الحضارة إلى أزمنة الحرب والإهمال

الثلاثاء 06-09-2011 20:11 | كتب: سارة نور الدين |
تصوير : رويترز

«حمر» أى «مقديشو القديمة»، مدينة ذات حضارة على امتداد التاريخ القديم، اشتهرت بالتجارة البحرية، حيث كان يفد التجار إليها من كل أنحاء العالم القديم والحديث فيما قبل الكوارث التى لازمتها منذ 20 عاما وحتى اليوم، كانت أهم ممرات القرن الأفريقى إلى دول العالم التجارى الإسلامى منها وغير الإسلامى، جاء اسمها الأول «حمر» - على حد قول كثير من أهلها - مشتقا من «حمير» تلك الحضارة التى قامت فى منطقة اليمن والقرن الأفريقى فيما قبل ظهور الإسلام بقرون، أما الاسم الثانى «مقديشو» فقد أطلق على المدينة بعد غزوها من قبل الفرس ويعنى «كرسى الملك الذى يفضله».


اشتهر فراعنة مصر ببناء علاقات قوية ببلاد «بونط» قبل آلاف السنين، حتى إن بعض الصوماليين مقتنعون بأن بلادهم أقدم من حقبة الفراعنة تاريخا، لكن هذه الأخيرة فاقتهم حضارة وتمدنا، وكما يقول «على» فإن ميناء «مقديشو» الذى كان يعد أكبر منافذها التجارية مع مصر، تحولت معظم تعاملاته فى العقدين الأخيرين إلى مدينة «دبى» فى دولة الإمارات العربية المتحدة.


وقال مصدر مسؤول داخل الميناء - رفض ذكر اسمه – إن الميناء كان يعمل فى استقبال جميع البضائع وتصديرها كذلك إلى المدن المصرية على ساحل البحر الأحمر، مشيرا إلى أنه الميناء الوحيد فى الصومال ويقوم باستقبال بضائع من عدة دول، مؤكدا قيمته الاستراتيجية التى تكمن فى موقعه المميز فى منطقة القرن الأفريقى، حيث تأتى إليه جميع البضائع التى تتجه إلى دول الجوار.


وعن الحالة الأمنية، قال: «الميناء مؤمن بشكل جيد وعليه حراسات قوية حيث تأتى إليه غالبية الإغاثات التى تدخل للمحتاجين، وكذلك فهى تنقل إلى موانئ أخرى فى كينيا وجيبوتى، بالإضافة إلى إمكانية تأمينها ونقلها برا خارج حدود الصومال»، ونفى تماما أى أعمال قرصنة وقعت فى الجنوب الصومالى، حيث أكد مرور 24 ألف سفينة فى المياه الإقليمية الصومالية يوميا.


توالت على المدينة فيما بعد عهود عديدة تركت آثارها، لا يعرف أحد ما إذا كان الفراعنة قد تركوا عليها آثارا لهم أم لا، لأن الحرب المتجددة منعت المستكشفين من التنقيب عن آثارها، لكن المؤكد أن كلا من الرومان والإغريق والفرس والعمانيين والمماليك والدولة العثمانية، تركت آثارها ظاهرة للعيان فى «المنطقة التاريخية» قبالة المحيط الهندى وكانت المدينة تسمى حينها «مقديشو القديمة».


لم يسجل تاريخ المدينة منذ أن وطأها «ابن بطوطة» عابرا المحيط الهندى منذ قرون، سوى مؤرخ إيطالى أثناء فترة الاستعمار الإيطالى، «ابن بطوطة» جاء على ذكر المدينة فى كتابه «تحفة النظار» بوصفها أجمل مدن أفريقيا الشرقية وأكبرها اتساعا، وقال إن أهلها رحبوا به كثيرا واستقبلوه بثوب وعمامة وفوطة وعندما سأل عن بلد منشأ هذه المنسوجات قالوا إنها مصرية الصنع، وكان ذلك بداية لوصف كبير عن التبادل التجارى بين مقديشو ومصر.


انتشر الإسلام فى المدينة سريعا، من الجزيرة العربية، وعبر منها إلى باقى أرجاء أفريقيا الشرقية، وبمرور أزمنة الحرب والإهمال فى العقدين الأخيرين، تحولت المنطقة التاريخية برمتها إلى رفات هذه الحضارات، يقطنها اليوم قرابة 200 ألف نسمة.


الطريق وسط هذه المدينة وعر وترابى غير ممهد، وساكنوها يقطنون بيوتا متلاصقة جدا تستند جدران البيت منها على جدران البيت المجاور، ضيقة أزقتها بشكل يصعب على فردين السير خلالها معا، كان وقت مغيب الشمس عندما زرنا المدينة، فوجدنا المئات من الأطفال يتجمهرون أمام منازلهم لمتابعة مباراة كرة قدم بين فريقين من أطفال ومراهقى المدينة، بدا الأطفال سعداء على غير عادة باقى الصوماليين وعندما سألناهم عن سبب ذلك قالوا إن مقديشو القديمة مختلفة عن باقى الصومال فى كل شىء.


أوجه ذلك الاختلاف تتمثل فى أن حركة الشباب المجاهدين لم تدخل هذه المدينة قط، ولم يصل إليها التشدد الدينى بعد، بالإضافة إلى أن أهلها تزاوجوا مع كثير ممن أتاهم عابراً المحيط فاختلطت دماؤهم الصومالية بغيرها فلم يصبح سمار وجوههم مشابها للصوماليين الأصليين - على حد قول أحد سكانها - ويدعى «سليمان».


«سليمان» البالغ من العمر «70 عاما»، أكد أن المدينة لم يمر عليها عهد من الخراب كالذى مر عليها خلال العشرين عاما الأخيرة، فقد أهملت بالكامل عدا مسجدها القديم الذى ظل منارة دينية على مر العصور منذ إنشائه قبل 800 عام، يضيف أن النازحين من القرى المجاورة استوطنوا آثار المدينة القديمة، وأقاموا فيها مستوطناتهم - على حد تعبيره.


أما «جمال» الذى يبلغ من العمر «49 عاما»، فيقول إن المدينة التى يقطنها قرابة الربع مليون نسمة تطل على أكبر شواطئ الصومال لكن أحدا منهم لم يفكر فى العمل بالصيد أو الإبحار، لأن تقاليد الصوماليين تنظر نظرة دونية للصياد ومن يأكل السمك أو يبيعه.


عدد قليل جدا من الصيادين من خارج المدينة كانوا يضعون مراكب الصيد داخل مبنى أثرى ضخم اعتراه الإهمال والنسيان على مدخل المدينة باتجاه البحر، سألنا الأهالى كيف يرون هؤلاء فأجابوا: «هم منبوذون لا تجمعنا بهم تعاملات ولا نسمح لبناتنا بالزواج منهم ولا نرضى ببناتهم زوجات لنا ولأبنائنا، لذا فهم يتزوجون من بعضهم البعض، ويعيشون سويا فى عزلة عنا».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية