«وهو فين العيد؟».. بهذه الكلمات استقبلنا أبانوب صباح السادس من يناير. رغم أنه اليوم السابق على عيد الميلاد المجيد إلا أن رب الأسرة الصغيرة التي تسكن إحدى قرى نجع حمادي الذي لم ينس بعد الأحداث التي شهدتها قريته في نفس الموعد من العام الماضي، عندما فتح مسلحون النار على الخارجين من الكنيسة بعد قداس الميلاد، ثم جاءت جريمة الإسكندرية بداية هذه السنة لتعيد إلى ذهنه مشاهد ما حدث: «لا أستطيع نسيان ذلك اليوم. هنا أمام نافذة بيتي قتل أحد الشباب وأصيب اثنان وظلت الدماء علي الأرض لأكثر من أسبوع حتي جفت».
اعتاد أبانوب وزوجته كل عام التوجه إلى الكنيسة في حدود السادسة مساء. لكي يضمنا مكانا متميزا في قداس عيد الميلاد. إلا إنه يفتقد حماسته هذا العام و قرر أن يذهب إلى الكنيسة متأخرا، يتوقع ألا يكون الجو العام احتفاليا كما أنه سمع أن هناك تعليمات من الآباء الكهنة باختصار وقت القداس.
في حدود الثامنة توجه أبانوب وزوجته إلى كنيسة مريم العذراء بنجع حمادي. المشهد حول الكنيسة يبعث علي التوتر. الحواجز في كل مكان، الشارع مغلق أمام السيارات، فتحة صغيرة تكفي لعبور شخص واحد يقف حولها العديد من الضباط وأفراد الأمن يتأكدون من وجود وشم الصليب علي أيادي العابرين، ينظرون في بطاقاتهم الشخصية ويفتشون حقائبهم. تم توقيف الصحفيين والإطلاع على تحقيقاتهم الشخصية، وانتظر الأمن إذن مسئولي الكنيسة قبل دخولهم، واشترطوا عليهم عدم التحدث إلى أي شخص داخل الكنيسة، الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي طلب عدم إجراء أي أحاديث صحفية داخل الكنيسة.
الأجواء داخل الكنيسة عادية بالمقارنة بخارجه. الكاهن أمام المذبح المغلق وحوله الشماسين يضعون اللمسات الأخيرة استعدادا للصلاة ومن خلفهم شعب الكنيسة وينتظر.
في الثامنة والنصف تم فتح المذبح لتبدأ صلاة العيد التي تخللتها صلاة علي أرواح شهداء نجع حمادي والإسكندرية، وكانت الصلاة الأكثر تأثيرا في القداس.
توالت صلوات القداس وتوافد المزيد من أبناء الكنيسة التي لم تمتليء كل مقاعدها إلا قبيل انتهاء القداس ببضعة دقائق فقط.
في العاشرة تقريبا بدأ الكهنة في تلاوة صلوات ختامية للقداس، كان بعدها طقس التناول وهو الطقس الأهم في قداس الميلاد. لاحظ البعض أن الصلاة كانت أقصر مما اعتادوا، كل عام تنتهي مع منتصف الليل تقريبا، ولكنهم توقعوا ذلك بسبب الظروف الأمنية.
وتقبلوا أيضا خروجهم على أكثر من مرحلة، في كل مرة لا يخرج ما يزيد عن أربعين فردا، ويطلب منهم مسئولي الكنيسة والأمن التوجه إلى منازلهم فورا بدون التجمع في أي مكان.
لذلك افتقد ريمون، الابن الأصغر لأبانوب، أهم مظاهر العيد بالنسبة له: التجمع مع الأصدقاء عقب الصلاة والوقوف بالقرب من باب الكنيسة لتبادل التهاني. افتقد ذلك رغم أنه لا يزال يذكر كيف قتل أحد أصدقائه العام الماضي أمام الكنيسة عقب الصلاة وبعد أن تركه بدقائق.
ورغم كل شيء، أتم أبانوب وأفراد أسرته كل استعدادات الفرح بالعيد وحاولوا أن يستحضروه. استقبل ابنه العائد من السفر ليكتمل شمل الأسرة في العيد، اشتري لابنيه الاثنين ملابس جديدة، كما اشتري ديك رومي لعشاء ليلة العيد. كل شيء كان جاهزا ولكن فرحة العيد التي لم تكن غائبة لم تكتمل.