لم يكن أشد المتفائلين بالمنتخب المصري يتوقع أن يكون الفريق قادرًا على تجاوز كل الحواجز وبلوغ المشهد النهائي في كأس الأمم الإفريقية الجابون 2017.
فبعد الغياب «المفاجئ» عن النسخ الثلاث الماضية من كأس أفريقيا، كان المنطق يفرض نفسه بتغيير عناصر المنتخب الوطني والبدء مرة أخرى للبحث عن المجد القاري والعالمي في آن معا.
وأوضح فيفا في تقرير على موقعه الرسمي اليوم، أنه ولأن الجيل الجديد يستكشف للمرة الأولى أدغال أفريقيا بعكس العديد من المنتخبات، التي تملك الكثير من العناصر التي خبرت البطولة في السنوات السبع الماضية، كان من الصعوبة توقع ما يمكن أن يفعلونه هناك.
لكن وكما هم دائما، فقد رفض المصريون منطق كرة القدم وفرضوا منطقهم وأثبتوا للقارة السمراء أن الكرة المصرية لا يمكن أن ترضى بأقل من المنافسة، فلا مجال للمشاركة وكسب الخبرة والتأقلم من أجل المستقبل، لقد أثبتوا أن التاج الأفريقي هو هدفهم الأول، وقد أظهروا في المباراة تلو الأخرى أنهم قادرون على العودة نحو القمة مباشرة دون المرور بالطرق الجانبية.
وذهب «الفراعنة» إلى الجابون متسلحين بتاريخهم وكبريائهم ومذخرين بعتاد متنوع الأشكال يصلح للاستخدام أمام كل الخصوم، ثلاثة من أصحاب الخبرة في هذا المعترك القاري، ونجوم تلألأت في المستوى الأول من عالم الاحتراف، وجنود مقاتلين لا يقلون قيمة ينشطون في البطولة المحلية القوية.
وتابع «فيفا»، أنه من صدارة المجموعة الرابعة بوجود غانا إلى اجتياز عقبة المغرب في ربع النهائي وصولا لترويض خيول بوركينا فاسو في نصف النهائي كانت طريق مصر نحو التأهل للمباراة النهائية، ورغم أن الجميع متفق أن تفوق المنتخب المصري أتى بفضل المنظومة الجماعية التي يعول عليها المدرب هيكتور كوبر إلا أن ما يفعله عصام الحضري قائد الفريق حتى الآن يعود له الفضل الكبير في تحصيل هذه النتائج، فبعد أن حافظ على شباكه طيلة المباريات الأربع الأولى، أعاد صاحب الخبرة وابن الـ44 عاما كتابة «السيناريو» الذي يعشقه حين تصدى ببراعة لركلتي ترجيح منحتا الفريق التعادل ثم الفوز على بوركينا وبطاقة الترشح.
عقب المباراة تحدث البطل المصري عن هذا الإنجاز، قائلا: «للحقيقة كنت أخشى هذه المباراة، كل الظروف كانت صعبة علينا، لعبنا مباراة قوية أمام المغرب ثم تنقلنا لمدينة أخرى ومنافسنا يتميز عنا بيوم أكثر من الراحة، علاوة على وجود العديد من الإصابات المؤثرة، ولكن نحن نلعب من أجل بلدنا الحبيب، في الملعب ننسى كل تلك الظروف ونركز نحو هدفنا الكبير».
ويضيف الحضري: «كانت 120 دقيقة صعبة أمام بوركينا فاسو، لكن مع وصولنا لركلات الترجيح كنت أركز في الأمور الإيجابية، تذكرت تلك الموقعة التاريخية أمام كوت ديفوار في نهائي نسخة 2006، لم يساورني الشك أننا سنفوز حتى مع ضياع الركلة الأولى، حافظت على هدوئي وبعد الركلات الثلاث التي سجلوها في مرماي، غيرت الاستراتيجية وانتظرت لحظة قبل اتخاذ القرار، تمكنت من صد آخر ركلتين، كانت تلك سعادة لا توصف. ندرك أننا أسعدنا الملايين، لكن نعدهم بالمزيد من الجهد في النهائي الكبير».
وسجل نجم روما الإيطالي محمد صلاح ثاني أهدافه في البطولة، فبعد أن هز شباك غانا من ركلة مباشرة، قام بأداء ما يبدع فيه دوما وهو تسديد الكرة في الزاوية السحرية من المرمى، تقدمت مصر بهدف صلاح الذي كان كافيا للتأهل قبل أن تدرك بوركينا التعادل. وكعادته لم ينسب صلاح الهدف لمهاراته الكروية بل أكد هنا «كان جهدا جماعيا من اللاعبين، هذا ما نعتمد عليه دوما، تحركت الكرة بتسلسل من الخلف للوسط حتى وصلت عند محمود كهربا الذي تمكن من منع المدافع وتهيئة الكرة أمامي وقمت بالتسديد في المكان الذي لا يمكن للحارس التعامل معه».
بعد التعادل امتد اللعب للوقت الإضافي ومن ثم ركلات الترجيح التي تحتاج لأصحاب الأعصاب الفولاذية، يقوم هيكتور كوبر بتحديد الأسماء بناء على قواعد مهمة حيث يقول «هذه الركلات لا تعتمد على الحظ لكنها على المستوى النفسي والذهني للاعب». وبناء عليه وافق كوبر على منح النجم الشاب رمضان صبحي فرصة تسديد الركلة الثانية بعد أن طلبها رمضان بنفسه، تقدم نجم ستوك سيتي الإنجليزي ومن ثم سددها على طريقة «بانينكا» ليهز الشباك، بعد المباراة علق رمضان على ما فعله «قبل يوم من المباراة أهدرت ثلاث ركلات ترجيح في التدريب، ولكن عندما حانت اللحظة الحقيقية كنت واثقًا من قدرتي على التسجيل، ذهبت لنقطة الجزاء وقد اتخذت القرار بلعبها على طريقة (بانينكا)، صحيح أن الحارس لامسها بعد أن تفاجأ بها في المنتصف لكنها مرت نحو المرمى. أخبرت زملائي بضرورة التسديد بقوة وفي زوايا صعبة لأن الحارس كان ينتظرنا حتى نسدد».
حسمت مصر النتيجة بذكريات الفوز على ذات المنافس في نصف نهائي نسخة 1998 لتمضي بعدها نحو الفوز باللقب الرابع على حساب جنوب أفريقيا، والآن يتكرر المشهد من جديد، حيث بات لقب أفريقيا الثامن وبالتالي المشاركة في كأس القارات مرة ثانية على بعد خطوة واحدة من زملاء الحضري.