قضت المحكمة الدستورية العليا، برفض دعوى تطالب بعدم دستورية نص قانون التوثيق الخاص بإسناد اختصاص نظر التظلم من أمر تقدير رسوم الشهر العقارى والتوثيق للمحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها المكتب الذي أصدر الأمر.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن مفاد نصي المادتين (25، 26) من القانون رقم 70 لسنة 1964 المتقدم ذكرهما هو فرض رسوم تكميلية بعد توثيق المحررات وشهرها، عوضًا عما كان يجب أداءه منها مقدمًا، وذلك في حالتى الخطأ المادى، والغش، مع استئدائها بطريق الحجز الإدارى، أو بالطريق القضائى، وتخويل الملتزم بالرسوم التكميلية الحق في التظلم من تقدير هذه الرســــــوم في أساس المطالبة بها أو مقدارها، أمام المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها المكتب الذي أصدر أمر التقدير بالرسوم التكميلية.
وحيث أن المنازعات المتعلقة بتحديد الرسوم وعناصرها ومقوماتها والمحررات الخاضعة لها والملتزمين بسدادها، والقرارات الصادرة بتحديدها إنما تدخل في اختصاص محاكم مجلس الدولة، بحسبان المشرع- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- قد أقر بالطبيعة الإدارية للطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم.
وحيث إنه ولئن كانت رسوم توثيق المحررات وشهرها التي تحصل مقدمًا تلتقى مع الرسوم التكميلية في مصدر الالتزام بها، وهو نصوص القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن رسوم التوثيق والشهر، إلا أن الرسوم التكميلية تفارقها في كونها استئداء لما لم يؤده طالب الخدمة نتيجة الخطأ المادى أو الغش، وهو ما يمثل إثراء لطالب الخدمة، دون سبب مشروع، ويجد سند استرداده فيما نصت عليه المادة (179) من القانون المدنى؛ فالمقرر أن الرسوم التكميلية لا تستحق إلا في حالتى الخطأ المادى أو الغش، وكلتاهما ينتج عنها نقصان مقدار الرسوم المحصلة عن تلك المقررة قانونًا، سواء كان ذلك عن عدم تبصر القائم على تحديد مقدار تلك الرسوم، أو غير ذلك من ضروب الخطأ المادى، وإما لتسلب طالب الخدمة من أداء مقدارها كاملاً بتصرف ينطوى على الغش، وفى مقابل هذا النقصان يتحقق إثراء للمدين بتلك الرسوم يوجب رده للدولة، ومن ثم فإن إقرار الرسوم التكميلية، ومنازعة ذوى الشأن فيها، بالتظلم منها، يتطلب الوقوف على حقيقة الحقوق العينية العقارية التي تم شهرها، بيانًا لتحقق شروط صلاحيتها للتوثيق والشهر بين أطرافها، وفى مواجهة الغير، وتحديد فئة الرسوم المقررة على شهر تلك المحررات، تأصيلاً للمنازعة، وردها إلى جذورها التي أنبتتها، وما يلى ذلك من تقويم الوثائق الرسمية والعرفية المثبتة للحقوق التي تم شهرها، تقصيًّا لوجه الخطأ المادى فيها، أو الغش المدعى إقدام طالب الخدمة عليه، وتحقيق سبب ومقدار الرسوم التي لم تؤد، بيانًا للمسئولية المدنية الناشئة عن ذلك، وتحديد الملتزم بردها، سواء كان المدين بها، أو خلفه العام أو الخاص الذي انتقل إليه الحق العينى العقارى محملاً برسوم تكميلية، وهي تتمايز عن الرسوم الأصلية في توقيت ووسائل اقتضائها، فالرسوم الأصلية تؤدى مقدمًا بتصرف إرادى يصدر عن طالب الخدمة، بينما الرسوم التكميلية تقتضيها جهة الإدارة جبرًا، بأحد طريقين أولهما: الحجز الإدارى، وثانيهما اللجوء إلى وسائل القانون الخاص، وذلك بوضع الصيغة التنفيذية على صورة أمر التقدير من المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها المكتب مصدر الأمر- بعد إعلانه قانونًا للملتزم بهذا السند التنفيذى- مع جواز التظلم أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير أو بتقرير في قلم كتاب المحكمة الابتدائية الواقع بدائرتها المكتب الذي أصدر الأمر.
ومتى كان ما تقدم، وكان الفصل في التظلم المقدم بشأن الرسوم التكميلية لا يقف عند حدود المنازعة في مقدار هذه الرسوم، إنما يمتد بالضرورة إلى أساس الاستحقاق، ودليله، والمسئول مدنيًا عنه، وهى على ما سبق بيانه أمور تتصل اتصالاً لا ينفك عن الحقوق العينية العقارية التي تم شهرها، تكييفًا، وإثباتًا، واسنادًا للمسئولية، وكلها من مسائل القانون الخاص التي وسد الدستور في المادة (188) منه لمحاكم جهة القضاء العادى الفصل فيها، وإذ اعتد النص المطعون فيه بهذا النظر، فإنه لا يكون قد خالف أحكام المواد (94، 97، 184، 190) من الدستور.
كما حكمت المحكمة، بعدم دستورية قرار رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 54 لسنة 2009 المعدل بالقرار رقم 8 لسنة 2012، وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر يعتبر كافلاً وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلاً دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيًا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيًا. وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها، متضمنًا إخلالاً بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارًا كافيًا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطًا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها .
وحيث أنه متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن القرار المطعون فيه لم ينشر في الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية»، وذلك بالمخالفة للنصوص المتقدمة ونص المادة (188) من دستور سنة 1971، ومن ثم فإن تطبيقه على المدعى قبل نشره، يزيل عن القواعد التي تضمنها صفتها الإلزامية، فلا يكون لها قانونًا من وجود .
وحيث إن مؤدى ما تقدم مخالفة أحكام القرار المطعون فيه، جميعها، لنصوص المواد 1، 3، 4، 64، 65، 188 من دستور سنة 1971، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريته برمته .