لم يعد بمقدوره العيش بلا كرامة، بعد أن صفعته شرطية على وجهه، وأغلقت أبواب الشكوى أمامه بعد مصادرة البلدية عربة الخضار التي يتكسب منها، فقرر أن يكون احتجاجه غير تقليدي بإنهاء حياته.
وفي الشارع أمام البلدية التي رفضت الاستماع إلى شكواه، سكب البنزين على نفسه وأشعل النار في جسده احتجاجاً على القهر والبطالة وضيق الحال والظلم، غير أن اللافت أن الرئيس التونسي «زين العابدين بن علي»، زاره في المستشفى ولم ير من وجهه إلا الشاش الطبي الذي لف كل أجزاء جسده ولم يكن يدرى بن علي في هذه اللحظات أن وفاة الشاب محمد بوعزيزي ستفجر ثورة الغضب وتكتب السطر الأخير في حكمه لتونس الذي استمر 23 عاماً.
«محمد البوعزيزي» (26 عاماً)، شاب من ولاية سيدي بوزيد في تونس، لم يتم تعليمه، وظل عدة سنوات يبحث عن عمل بلا جدوى، قام بالعمل كبائع خضار متجول على عربة «كارو» يأخذ بضاعته بالدين، وفي أحد الأيام استدان 130 يورو ولما بدأ ببيع الخضار اعتدى عليه أفراد الشرطة، بتحريض من موظفي البلدية وصفعته على وجهه شرطية (امرأة)، فتوجه إلى مقر الولاية شاكياًَ، لكن الابواب أغلقت في وجهه، ومنع من مقابلة أي مسؤول. فما كان منه إلا أن قام إثر ذلك بسكب مادة مشتعلة على جسده أمام مقر الولاية مما أصابه بحروق شديدة توفي على إثرها.
ولم ينس البوعزيزي أن يكتب رسالة لأعز الأحباب قبل أن يرتحل عن الحياة التي ضاقت به، وعجز حتى عن أن يجد لقمة عيش فكتب لأمه يقول «مسافر يا أمي، سامحيني، ما يفيد ملام، ضايع في طريق ما هو بإيديا، سامحني كان (إن كنت) عصيت كلام أمي. لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع. يزّي (كثيراً) ما بكيت وما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس. أنا عييت ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش (أن) ينسّي».
عندما زاره الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، في المستشفى أراد أن يبعث رسالة إلى مواطني شعبه بأنه يشعر بهمومهم وبمشاكلهم، غير أن ذلك يبدو أنه لم ينطل على الجماهير الغاضبة فانطلقت من سيدي بوزيد مظاهرات غضب لشبان يعانون ممن عانى منه البوعزيزي من البطالة وعدم وجود فرص عمل، وتنتقل الاحتجاجات لباقي المدن التونسية وتزداد حدتها وتتجاوز المطالب الاجتماعية والاقتصادية لتصل إلى حد المطالبة برحيل بن علي، ورفع المتظاهرون لافتات «خبز وماء وبن علي لا» ويعجز الرئيس الذي ظل يحكم تونس، 23 عاماً، عن أن يهَدئ من روع الشارع الذي أجبره في النهاية على الرحيل، ويثأر الشعب لبوعزيزي الذي أصبح رمزاً لثورة شعب ضد الطغيان والاستبداد.