x

«إسكندرية اليوم» ترصد معاناة النائمين فى الطرقات: عندما تكون الأرض فراشاً والسماء غطاء

السبت 15-01-2011 08:00 | كتب: هبة حامد |
تصوير : حازم جودة


بعد كل ما نراه من نومنا فى الشارع أصبحنا نتمنى موت أحد منا تحت الأنقاض حتى نرى وجه رئيس الحى أو أحد المسؤولين، لأن نجاة الأرواح داخل العقار جعلت الأمر بسيطا وسهلا لدى المسؤولين، وكأن نومنا فى الشارع واجب علينا، كلمات وردت على لسان أحد ضحايا انهيارات العقارات التى تعانى منها المحافظة بشكل لافت، حتى بدت كسمة مميزة لها. وجاءت كارثة انهيار مصنع محرم بك، والذى راح ضحيته 26 قتيلا و 10 مصابين، ليثير قضية مخالفات البناء بالمحافظة، وتعدد صدور قرارات الإزالة والترميم دون أن يتم تنفيذها لأسباب مختلفة مع إهمال جميع أنواع أعمال الصيانة والتى غالبا ما تكون السبب فى تزايد ظاهرة انهيار العقارات فى الفترة الأخيرة.

وخلال السنوات الماضية توالت الكوارث الواحدة تلو الأخرى وان كان أشهرها عمارة لوران، والتى راح ضحيتها 35 شخصا وعمارة فلمنج 21 آخرين، وعقار منطقة غربال الذى خلف 11 ضحية، ثم مصنع محرم بك الذى قتل فيه 26 بخلاف 10 مصابين.

سكان العقارات المنهارة فى «غرب» و«الجمرك» يروون أيام العذاب فى انتظار «مأوى»

«حارة القمر».. اسم تسمعه أذناك بمجرد دخولك منطقة الفراهدة غرب المحافظة.. ربما يأتى ببالك للوهلة الأولى أنك ستدخل منطقة تليق بمكانة الإسكندرية أو أحد شوارع القرى السياحية، نظرا لما يحمله اسمها من معانٍ كثيرة ليس لها علاقة بما يعيشه أهلها من معاناة متكررة، فبمجرد أن تخطو قدماك إلى الشارع، الذى لا تتعدى مساحته مترين، تجد نفسك أمام منطقة لا تتشابه مع القمر من قريب أو بعيد، فأجزاء العقارات المتساقطة تسبق استقبال الأهالى لك.. وكأنها تريد أن تحذرك.. «انتبه.. هنا منطقة الموت».

خطوات سريعة تسبقها النداءات المتكررة، يخطوها سكان الحارة، خاصة الأطفال منهم، «خلّى بالك يا هانم.. تعالى على جنب.. البيت ده بيقع».. تظن فى بادئ الأمر أن الأمر ليس بهذه الصورة المبالغ فيها.. ولكن عندما تحاول المرور فى أحد جانبى الشارع وتبدأ يداك الاستناد إلى جدرانه تكتشف أنك أمام جدران متحركة تستطيع يداك أن تلتقط أجزاء منها بكل سهولة. «هنروح فين.. مبقاش فينا حيل للإهانة والبهدلة.. تعبنا من الذل».. كلمات تعلوها الصرخات يستقبلك بها «سامى رمضان»، صاحب أحد العقارات المنهارة فى الشارع، الذى يتخذ من الأرض فرشا والسماء سقفاً بعد انهيار العقار، الذى كان يسكن به وأسرته، قبل النوة التى شهدتها المحافظة مؤخراً بأيام قليلة، فلم ينتظر العقار حتى الساعات الأولى منها ليحتمى به أهله، إذ إن رغبة الأحجار فى التساقط كانت أقوى من رغبتهم فى «الستر». «مطلبناش حاجة من المحافظة ولا الحى إلا الستر.. مش معنى إن مفيش حد مات لما البيت وقع يبقى إحنا نعيش زى الكلاب فى الشارع.. فين العدل».. يعبر سامى بهذه الكلمات عن رفضه تجاهل المسؤولين، حسب قوله، مشكلتهم خاصة بعد أن اتجه إلى كل مسؤولى الحى والمحافظة الذين اتفقوا جميعاً على رد واحد.. «استنى دورك». تصعد بقايا السلم فى حذر شديد، فالأرض غائرة من أسفل.. فترة طويلة تقضيها للانتهاء من المهمة الصعبة للوصول إلى آخر درجات السلم.. وما إن تصل إلى النصف المتبقى من الدور الأول حتى تبدأ مرحلة أخرى من مهمتك، وهى الوصول إلى غرفة النوم الليلية لنساء العقار.. «خطوبة سعيدة 12/4».. عبارة تحملها لوحة خشبية مستديرة ملقاة على الأرض.. تلتقطها يدك بعد أزالة الغبار عنها، تشعر وكأنها تريد أن تنبهك بأن الفرحة فى هذا العقار مكانها أسفل الأنقاض فقط.

«بعنا اللى ورانا واللى قدامنا عشان نجهز بنتنا.. واللى وفرناه ضاع تحت الأنقاض واللى لحقناه اترمى فى الشارع لحد ما اتسرق».. كلمات تسبقها الدموع ترويها «أم هبة» والدة العروس التى لم تكتمل فرحتها.. «كان نفسى أفرح ببنتى زى بقية البنات.. شفت حاجتها مرمية قدامى فى الشارع اللى متبهدل واللى اتسرق.. ضهرى اتكسر، لم نطلب شيئا زائدا عن الحياة إلا النوم فى الستر.. مش عاوزين نصحى الصبح نلاقى كلاب جنبنا وحرامية سارقة اللى حيلتنا».

«جميع المسؤولين بيتعاملوا معانا على إننا فيلم سينما يتأثروا بيه ساعتين وبعدين يرجعوا يقعدوا فى التكييفات وينسوا وجعنا».. بضحكات تغلفها السخرية والألم يقاطع «سامى» زوجته بعد أن غلبتها الدموع، معبراً عن رفضه سياسة المحافظة فى التعامل مع الأزمة، خاصة فى ظل قيامهم بإبلاغ النجدة التى كان سؤالها الأول قبل إغلاق الهاتف فى وجه «أم هبة».. «حد مات ولا لأ؟»، على حد قولها.

يروى «سامى» ساعات الليل، التى وصفها وكأنها قطار.. يمر على جسده.. يشعره وكأنه يخرج روحه أكثر من مرة فى الليلة الواحدة.. فابنته وزوجته تتحايلان على الليل بالنوم فى غرفة صغيرة تضم الجد والأخوال لتتحول إلى «تُربة جماعية»، حسب تعبيرهم، إلا أنها فى جميع الأحوال أفضل لهم من النوم فى الشارع، الذى أصبح من نصيب الأب فقط.. ليس فقط لعدم وجود مكان يؤويه وإنما لحراسة ما نجحوا فى اقتناصه من الأثاث وقت سقوط العقار.

«يمر علينا اليوم وكأنه عام كبيس، نحاول أن نقضيه بين الشارع والجزء المتبقى من العقار.. إلى أن يأتى أصعب وقت منه، وهو بداية من غروب الشمس حتى شروقها مرة أخرى، فاحتياجاتنا متناثرة وعلىّ أن أقوم بحمايتها وهذا ما لم استطع أن أوفره بشكل كامل، فربما إذا قمت للوضوء أعود أجد ما سرق منها وما نهشته الكلاب، ولكنى لا أستطيع حتى أن أعترض على ما تفعله الكلاب، لأننى أشعر وكأننى فى ضيافتها»، قالها ضاحكاً والدموع تملأ عينيه فى الوقت نفسه.

وأضاف: «ربما كل هذا لا يعنينى فى ظل ما أشعر به وقت النوم، فتمضى ساعات الليل وتشعرنى بالموت البطىء، فقلقى على ابنتى وزوجتى من ناحية وما لا أستطيع تحمله فى الليل من ناحية أخرى، أشعر بالرعب والوجع، فكيف لمحافظة أن ترضى لأبنائها النوم فى الشارع وسط الزواحف.. فسمعنا هنا أن الإسكندرية أخدت لقب عاصمة السياحة.. مع أننا هنا كنا عاصمة الموت، أنا نفسى أسأل لو حد من الكبار بيته وقع هينام فى الشارع؟».

قصة خمس أسر تفرق شملهم بعد سقوط العقار «المتهالك» فوقهم.. لخصها سامى وأسرته فى لحظات من الحياة روتها دموعهم قبل كلماتهم.. لا يحلمون سوى بمأوى بديل عن مساكنهم المنهارة دون أن يستمعوا لردود الحى التى لا تختلف من انهيار عقار لآخر، وكلها: «استنى دورك.. مفيش أماكن.. هنبقى نبعتلكم».

«سيناريوهات للموت» تتشابه فى أحداثها فى منطقتى حى غرب والجمرك، إلا أن أبطالها يختلفون من مكان لآخر.. أما ديكورات التصوير فهى ثابتة.. جدران «متهالكة»، أسقف «مهدمة».. ملامح ذكريات احتضنتها الأرض وغلفتها الأتربة.

«بعد كل ما نراه أثناء نومنا فى الشارع أصبحنا نتمنى موت أحد منا تحت الأنقاض حتى نرى وجه رئيس الحى أو أحد المسؤولين، لكن ربما نجاة الأرواح داخل العقار جعلت الأمر بسيطاً وسهلاً لدى المسؤولين وكأن نومنا فى الشارع واجب علينا».. بهذه الكلمات يرى «سامى» وضعه لدى المسؤولين، متمنياً توفير مكان بديل له ولأسرته خاصة فى ظل التقلبات الجوية التى تشهدها المحافظة.

بدرية.. تعيش فى كشك منذ7 سنوات.. وتحلم بـ«ستر وكفن»

بجوار أحد العقارات «المتهالكة» فى منطقة الفراهدة، تلمح عيناك كشكاً خشبياً، للوهلة الأولى يخطر ببالك أنه مخزن لتخزين البضائع أو ما شابه ذلك، فالسقف من المشمع الذى إذا لم تمزقه رياح النوة الماضية، مزقته الكتل الحجرية التى تتساقط يوماً بعد الآخر من العقار المجاور، ومياه المطر تكسو جدرانه الخشبية، إلا أنك تعرف بعد فترة قليلة أنه بمثابة «تحويشة العمر» لمن بداخله.

باب من الخشب «المتهالك» لا يغلق على مدار اليوم، تحيط به الكلاب الضالة التى تحاول دفعه للدخول إلى الكشك، تخرج سيدة حفر الزمن على وجهها علاماته.. تقوم بمداعبتها لإبعادها قليلاً عن الكشك.. تصيبك حالة من الدهشة لما تراه من لغة إشارات متعارف عليها بينهما، إلا أنها سرعان ما تزول عندما تعلم أن العلاقة بينهما ممتدة على مدار أكثر من 7 سنوات.

«الصحافة والتليفزيون قالوا عنا كتير وبرضو محدش سأل فينا ماأخدناش غير الذل.. لكن لو هيجيب لنا أوضة تسترنا.. نتذل».. كلمات استقبلتنا بها «بدرية»، وهى تحنى قامتها للخروج من الباب الخشبى، محاولة البحث عن أى مخرج للخروج من المكان، الذى اعتبرته «مقبرة دنيوية»، على حد قولها.

أضافت بدرية: «منذ سبع سنوات وأنا أعيش داخل هذا القبر الخشبى، ففى الصيف أتحايل على أشعة الشمس بوضع القطع الكارتونية أعلى أطراف الخشب لأصنع منها سقفاً، أما فى الشتاء فأثبت قطع المشمع البلاستيكية بدلاً منها، لكنها لم تصمد أمام النوة الأخيرة التى مزقتها وأغرقتنى فى مياهها».

«صحيت من نومى لقيتنى مرمية فى وسط الميه ناديت على ابنى من برئ جه وشالنى وكنا نعبئ الميه فى الأكواب البلاستيك، إلا أنها كانت أقوى منا».. محاولة أن تصف أيام النوة الأخيرة، التى لا تعتبر الأولى بالنسبة لها.. فسبع سنوات مرت عليها داخل الكشك الخشبى عاصرت خلالها مختلف التقلبات المناخية.

أمام الكشك تجد مقعداً خشبياً لا تتعدى مساحته نصف المتر، محاطاً بأكياس من البلاستيك وبجانبه زجاجة مياه، يجلس عليه محمد عبدالرحمن، البالغ من العمر السبعين خريفاً، منذ عامين، هو طليق «بدرية» الذى لا يحلم إلا بأن يموت داخل جدران غرفة يمتلكها، على حد قوله.

«منذ عامين وأنا أعيش على هذا المقعد أتخذ منه سريراً وشارعاً.. لكن نفسى ميبقاش مكان موتى.. مش عاوز أموت فى الشارع».. جملة عبر بها «محمد» عن خوفه من أن يموت وحيداً، خاصة أنه يقضى هذه الأيام بشكل وقتى داخل الكشك الخشبى مع ولده وطليقته «بدرية»، التى أصرت على إدخاله إلى داخل كشكها الخشبى لتحميه من السيول الأخيرة قائلة «قضا أخف من قضا».

لحظة من الوقت تصمتها «بدرية».. تملأ عينيها الدموع.. تخرج كلمات متفرقة «تعبت من الذل والبهدلة.. عاوزة العيشة ترخص.. نفسى أشترى كفن وأوضة أموت فيها.. هو إحنا تمنا رخيص أوى كده»، بهذه الكلمات عبرت «بدرية» عن أمنيتها فى أن تنتقل إلى مكان آخر مرسوم عليه ملامح العيشة «الآدمية».

منكوبو «نوة القاسم».. والحياة خارج الزمن

فى مشهد اكتسب الطابع السكندرى، يعيش عادل محمد إسماعيل، مع أسرته فى شارع الصينيين بمنطقة كرموز، بعد انهيار العقار الذى كانوا يسكنون به وقت «نوة القاسم»، فمن بين ما ابتلعته مياه الأمطار ورياحها، كان عقار «عادل» الذى لا يملك غيره فى الحياة.

«فوجئت بعمدان وأسقف البيت تنهار شيئاً فشيئاً فحاولت وأسرتى الهروب للنجاة بأرواحنا، ولم نفلح فى أن نقتنص معنا ما يعيننا على عيشة الشارع، فسكانو البيوت أنفسهم لا يتحملون، المناخ السىء الذى نمر به، فما بالك بأسرة افترشت الطريق لتتحايل على هم الحياة».

وأضاف: «لدى عبدالرحمن فى الصف الرابع الابتدائى، وآلاء فى الصف الأول، ومن المفترض أنهما كانا يستعدان لامتحانات منتصف العام، إلا أن إرادة الله فوق كل شىء، لكن إذا كنت أنا أستطيع أن أتحمل الوضع الحالى والعيش على الرصيف، فما ذنب أبنائى وزوجتى؟».

«محدش سائل فينا».. جملة نطقها بعد لحظة صمت طويلة، ربما كان يفكر وقتها فى كلمات تعبر عما يعيشه من ألم إن لم يكن على نفسه فعلى زوجته وأبنائه الذين لم يرتكبوا أى ذنب فى الحياة سوى أنهم كانوا من سكان شارع الصينيين فى منطقة كرموز، على حد قوله.

يروى «عادل» رحلته مع الحى فى الحصول على بديل لعقاره المنهار، ويقول: «البيت كان من البيوت القديمة وهو مكون من طابقين ودور أرضى، ولما وقع رحت الحى مفادنيش بأى حاجة وقالى مشكلتك مش عندى دى عند الإسكان، وفى الإسكان قالولى روح هات ورقة من الحى.. وإلى الآن أعيش وأسرتى فى الشارع، لا أعرف ما هو مصيرنا وأى ذنب ارتكبناه نعاقب عليه بمعاملة غير آدمية».

لا يختلف الأمر كثيراً لدى أسرة سيد عمر فايد، وإن كان الاختلاف فى وقت انهيار العقار، ففى نفس الشارع تستقبلك فاطمة محمد سالم بقولها: «يرضى ربنا اللى احنا فيه ده»، بكلمات تسبقها الدموع، بعد أن رفض منزلها أن يقضوا فيه وقت النوة، فانهار قبلها ليتركهم دون أى جدران تحميه من مياه الأمطار ورياحها العاتية.

تروى ساعات انهيار المنزل فتقول: «فى الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل قبل النوة الأخيرة بأيام قليلة، استيقظنا على صوت الجيران وصرخاتهم لنسرع إلى الشارع بعد أن رأوا أجزاء المنزل تتساقط القطعة بعد الأخرى، فلم ندرى إلا ونحن على سلالم العقار، التى بمجرد أن وصلنا إلى درجاتها الأخيرة انهارت، لنقف بملابس البيت فى الشارع نتأمل سقوط المنزل فى ذهول ونتخيل أنفسنا أسفله لو لم تشأ العناية الإلهية إنقاذنا».

«بشوف أجزاء من حاجاتى والتراب والأنقاض فوقها قلبى بيوجعنى وتصعب عليه نفسى».. بعد لحظات من الصمت تعاود الكلام محاولة أن تستعيد صلابتها وتمتنع عن البكاء لتروى سيناريو يومها بعد أن أصبح الشارع ملاذهم الوحيد، فيقاطعها زوجها سيد: قائلاً: «البيت عمره ما صدر له قرار إزالة أو حتى ترميم، ولما رحنا الحى بعد الانهيار عشان أدور على أى حل أحمى بيه بيتى، ملقتش عندهم غير رد واحد هو استنى دورك، أنا عاوز أفهم إزاى يبقى مواطن مصرى عايش فى الشارع والدولة مش عارفة توفر له أى سكن يحميه».

وسط صرخات الأسرة، وأهالى العقار، محاولين أن يصل صوتهم إلى المسؤولين ليوفروا لهم مساكن بديلة، تجد يداً صغيرة تمسك بملابسك برفق شديد «طنط.. ممكن تيجى معايا».. فتنظر إليها فى دهشة، تجيبك «فاطمة»: ده ابنى محمد فتنظر، إليه متسائلا عن أسباب إصراره على ذهاب معه، إلا أنه يمسك بيدك ويذهب بك خطوتين، يترك يدك وينحنى على قطعة من القماش يمسك بها محاولاً اجتذابها من أسفل الأنقاض، إلا أنه لم يفلح فى ذلك فيطلب منك المساعدة «دى هدوم المدرسة عاوز أطلعها مش عارف.. ممكن تساعدينى عشان أروح المدرسة لأن الامتحانات قربت وعاوز أنجح عشان ماما تبطل عياط».. لتعلم أنك لست فقط أمام منزل انهار، وإنما أيضاً أمام أحلام «بريئة» تقتل يوماً بعد يوم وهى ترى أصحابها يعيشون فى الشارع لا صديق ولا رفيق سوى الحيوانات الضالة وظلام الليل.

عدت معه مرة أخرى إلى «فاطمة» التى لا تستطيع أن تتمالك نفسها كلما نظرت إلى ابنها الوحيد، الذى وضعت فيه كل آمالها، وأحلامها، وتجده يسألها كل يوم «هو أنا مش هشوف صحابى فى المدرسة تانى»، لتفقد القدرة على الرد بعد أن وجدت إجابة المسؤولين كلها واحدة «خدى الكعب واستنوا دوركم».

«والله عايشين زى الحيوانات ولولا الجيران كنا نموت من الجوع والعطش، وبالليل ندخل فى الزريبة المقابلة لنا لنجلس على الكراسى ومعنا باقى الأسر وننام ونحن جالسون، وأخشى أن نموت ونحن جالسون أيضاً، فزوجى مريض بالكبد وابنى لا ذنب له أن يفقد كل أحلامه، التى لم تر الشمس».

ينتهى يوم هذه الأسر نهاية واحدة فـ«عادل» أصبح رصيف الشارع فراشاً له ولأسرته، وفاطمة وأسرتها اتخذوا من «الزريبة» مقرا للنوم، وكذلك باقى الأسر ليظل سيناريو انهيار العقارات فى الثغر مستمراً.. أنقاض متناثرة فى جميع أركان المدينة.. وذكريات رفضت الحياة أن تحفظها سوى تحت هذه الأنقاض.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية