كانت نتائج تحقيق الأمم المتحدة فى العملية العسكرية الإسرائيلية على أسطول الحرية، الذى يضم سفينة مرمرة التركية العام الماضى، والتى أكدت فيها أن إسرائيل استخدمت القوة المفرطة ضد الناشطين - بمثابة الشعرة التى قصمت ظهر البعير، وصبت الزيت على النار فى ظل تدهور ملحوظ فى العلاقات التركية - الإسرائيلية منذ مدة ليست قصيرة.
تعود جذور العلاقة بين تركيا وإسرائيل بعد قيام دولة إسرائيل فى فلسطين عام 1948، حيث كانت تركيا هى أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وبعدها أقامت تركيا علاقات استراتيجية مع إسرائيل، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى وقتها ديفيد بن جوريون قيام حلف «الدائرة» ليحيط بالعالم العربى، وكان هذا الحلف مكونا من تركيا وإيران (أيام الشاه) وإثيوبيا، وبذلك ضمنت إسرائيل إقامة علاقات مع دول لها حساسية خاصة فى التعامل مع العرب.
ومع مرور الوقت ازدادت أواصر العلاقات بين إسرائيل وتركيا وتوثقت العلاقات العسكرية بين الطرفين بشكل كبير، خاصة بعد استقلال المؤسسة العسكرية فى تركيا بفضل مصطفى كمال أتاتورك. وعندما فقدت إسرائيل حليفا إقليميا هو إيران جعلها ذلك تقرأ العلاقة مع تركيا بشكل مختلف، فتركيا هى وريثة الدولة العثمانية السنية التى سيطرت على فلسطين ومن حولها لأكثر من 4 قرون.
ولأن عوامل الاقتصاد والسياسة والأمن مهمة، فالتعاون العسكرى بين البلدين الذى يظهر فى التدريبات المشتركة، وكذلك مشتريات السلاح والتحديث والصيانة، بلغ عام 2008 أكثر من 1.8 مليار دولار، أما بالنسبة للتعاون الاقتصادى فإن الصادرات التركية لإسرائيل بلغت فى العام نفسه حوالى 1.53 مليار دولار، من جهة أخرى فإن حوالى 250 شركة إسرائيلية تعمل فى الأراضى التركية، كما أن هناك أكثر من 580 شركة تركية تعمل داخل أراضى 1948.
وتطورت العلاقات بين البلدين فى سياق سياسى، يقوم على المصالح، مع تجنب قدر كبير من القضايا الخلافية. وربما ساعد على ذلك أن تركيا كانت فى سياستها الخارجية تركز على موضوع الانضمام للاتحاد الأوروبى، كما أن تقديم تركيا نفسها كوسيط فى عملية التسوية السياسية فى منطقة الشرق الأوسط عزز من أهمية دورها، الأمر الذى دفع الغرب، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أخذها بجدية أكبر.
بدأت العلاقات بين تركيا وإسرائيل فى التراجع قبل الهجوم على أسطول الحرية بوقت ليس قصيراً، وذلك مع انتخاب رجب طيب أردوجان عام 2003 رئيسا للحكومة، الأمر الذى دفع تركيا ناحية علاقات جديدة مع اثنين من ألد أعداء إسرائيل هما: إيران وسوريا.
وبذلك دخلت العلاقات مع إسرائيل فى منعطف جديد أواخر عام 2008، وعندما انتقد أردوجان إسرائيل بسبب قتلها المدنيين فى عدوانها على قطاع غزة، بدأت المخاوف الإسرائيلية تتنامى تجاه تركيا منذ ذلك الحين نتيجة لسياسة التعاطف التى أظهرتها تجاه الفلسطينيين. وازدادت الهوة اتساعاً بشكل غير مسبوق بعد الموقف الذى اتخذه أردوجان بانسحابه من جلسة منتدى «دافوس» الاقتصادى فى سويسرا، احتجاجا على عدم السماح له بإكمال رده على مداخلة للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، بشأن مبررات الحرب الأخيرة على غزة.
وبعد الهجوم الإسرائيلى على أسطول الحرية الذى كان يحمل مساعدات إنسانية إلى غزة وقتل بعض النشطاء الأتراك فيه، قامت تركيا باستدعاء السفير التركى من إسرائيل ومنعت طائرات عسكرية إسرائيلية من استخدام المجال الجوى التركى، وبدأ تأزم العلاقة فى الازدياد منذ ذلك الحين، فى ظل إصرار تركيا على اعتذار إسرائيل الرسمى، الأمر الذى رفضته إسرائيل بشدة وساهم فى تدهور العلاقات إلى الحد الذى وصلت إليه الآن.