ربما تأهبت إسرائيل لأمواج دبلوماسية عاتية تجتاحها أواخر الشهر الجارى، مع اعتزام الفلسطينيين التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بـ«الدولة الفلسطينية» أثناء انعقاد الجمعية العامة، لكن الأزمات داهمت إسرائيل أقرب من المتوقع، تاركة إياها أكثر عزلة فى الشرق الأوسط أكثر من أى وقت مضى.
فبعدما كانت تركيا الحليف الأوثق للدولة العبرية فى العالم الإسلامى - حيث إنها كانت أول المعترفين بها عام 1949 كما كانت تربطهما علاقات وثيقة على الصعيد الدبلوماسى والتجارى والعسكرى أيضاً - وصلت العلاقات بين البلدين إلى حد من التوتر لم تشهده من قبل. فلم تكتف أنقرة الجمعة بطرد السفير الإسرائيلى لديها، بل قررت أيضا تجميد جميع الاتفاقات العسكرية مع إسرائيل، وذلك عقب صدور تقرير للأمم المتحدة أكد «شرعية» الحصار الإسرائيلى البحرى لغزة، لكنه اعتبر إن إسرائيل «استخدمت القوة المفرطة» فى الهجوم على «أسطول الحرية» - الذى كان يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلى على غزة - وراح ضحيته 8 قتلى أتراك وأمريكى من أصل تركى.
ويرى محللون أن إسرائيل ستكون «الخاسر الحقيقى» فى هذه المواجهة، لأنها لا يمكن أن تخسر «أحد أصدقائها النادرين فى العالم الإسلامى، فيما يشهد العالم العربى حالة من الغليان» المترتب على ثورات «الربيع العربى» التى أعادت رسم المشهد الجغرافى السياسى على طول الحدود مع إسرائيل، مهددة بتقويض علاقات دولية كانت مستقرة فى السابق فى المنطقة. ويرى المحللون أن «المأزق الإسرائيلى» يترسخ مع تصاعد الأزمة المصرية - الإسرائيلية بشأن الحادث الحدودى الذى راح ضحيته 5 من حراس الأمن المصريين برصاص إسرائيلى، موضحين أن موقف إسرائيل يزداد سوءًا بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك الذى «كان يعتبر الأكثر تقربا إلى إسرائيل من جميع القادة العرب».
وبينما تطالب كل من تركيا ومصر، إسرائيل، بالاعتذار عن واقعتى «أسطول الحرية» و«الحادث الحدودى»، رفضت إسرائيل مراراً القيام بهذه الخطوة. ويقول عوزى رابى، مدير مركز موشى ديان لدراسات الشرق الأوسط فى تل أبيب، إن «مصر تحاول تهذيب إسرائيل من جديد وتتبع نهج تركيا نفسه فى السياسة الخارجية»، ويضيف: «على إسرائيل أن تعلم أنها تواجه شرق أوسط مختلفاً».
تأتى تحذيرات «رابى» فى الوقت الذى ستتعرض فيه مكانة إسرائيل الدولية لهجوم جديد الشهر المقبل مع سعى القادة الفلسطينيين إلى الحصول على عضوية كاملة من الأمم المتحدة أواخر الشهر الجارى، خاصة مع وصول عدد الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 126 دولة، وسط توقعات فلسطينية بوصول هذا العدد إلى 150 قبيل استحقاق سبتمبر.
وقال عالون ليل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية لوكالة «رويترز» للأنباء إنه يرى أن التهديد الرئيسى لإسرائيل يتمثل فى الدبلوماسية لا العنف فى الشوارع، مضيفا أن «الدعوة لليقظة الحقيقية تأتى فى سبتمبر.. الفلسطينيون متجهون إلى انتفاضة دبلوماسية لا انتفاضة عسكرية».
ويعتقد محللون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية قرروا تجاوز المنطقة وبناء تحالفات فى أماكن أخرى، ردا على العزلة الدبلوماسية المتصاعدة التى يعانونها، حيث قال عالون ليل: «هم لا يتوقعون السلام مع الفلسطينيين. لقد تخلوا عن الشرق الأوسط ويركزون على شرق أوروبا».
لكن الأزمة الدبلوماسية لا تعد عامل الضغط الوحيد على إسرائيل حالياً، حيث إنها تواجه أيضاً حراكاً داخلياً متصاعداً يستلهم رياح التغيير التى اجتاحت المنطقة، مع دعوة منظمى التحركات الاحتجاجية فى إسرائيل أمس إلى «مظاهرة مليونية» فى جميع أنحاء البلاد رفضاً لغلاء المعيشة، فى الأسبوع الثامن من تحرك يسعى إلى زيادة الضغط على السلطة السياسية، وذلك فى الوقت الذى يسرى فيه صراع سياسى بين صانعى القرار فى إسرائيل حول موازنة الدفاع والإنفاق على المستوطنات، وسبل الرد على التحرك الفلسطينى لدى الأمم المتحدة.