x

أحمد دومة من داخل محبسه: «ثورة يناير» في قلبي.. ولم أندم على دعوتي لـ«30 يونيو»

الثلاثاء 24-01-2017 22:28 | كتب: رضا غُنيم |
أحمد دومة أحمد دومة تصوير : اخبار

لم يفقد الناشط السياسى أحمد دومة الأمل رغم بقائه فى السجن 3 سنوات. يؤمن بأنه يستحق شيئًا أفضل، وأن يبقى فى وطنه الوحيد غير مضطر للهروب، رافضا فكرة الهجرة حال خروجه من محبسه، ويردد دائمًا فى الزنزانة الانفرادية: «أجمل القصائد، لم أكتبها بعد، وأجمل أيامنا لم نعشها بعد».

يعترف «دومة»، الذى يقضى عقوبة السجن المؤبد فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«أحداث مجلس الوزراء»، بهزيمة ثورة 25 يناير، ويُلقى اللوم على كل الأطراف، لا استثناء لأحد: «يجب الاعتراف بأن الثورة هُزمت، لكننا فخورون فخرا حقيقيا، لأننا ندفع ثمن الإصرار على إكمالها بدلاً من جنى ثمار الرضا بهزيمتها. الثورة حيّة فى قلبى».

ويضيف «دومة»، فى حوار لـ«المصرى اليوم» من داخل محبسه: «جميع الأطراف مشاركة بما آلت إليه الثورة. الجيش لم يعبأ سوى باحتوائها وفرض سيطرته على مساراتها، والإخوان لم يعبأوا سوى بامتطائها والوصول عبرها للتمكين، والشباب ارتكبوا الحماقة والأنانية فى كثير من المواقف. كل الأطراف تتحمل وزر ما آلت إليه الثورة، لكنهم بالتأكيد لا يتساوون ولا يصح المقارنة بينهم لا بحجم الجرائم ولا الخيانات ولا بنفس القدر من المسؤولية».

ويرى «دومة» أن الثورة يمكن هزيمتها فى معركة، أو أن تتجمّد فترة مّا، أو تفشل مؤقتا فى تحقيق أهدافها، لكن الهزيمة الحقيقية يعتبرها فى اليأس والإحباط: «أقول لشباب وبنات الثورة حتى اللى اختلفوا معانا أو وقفوا ضدنا فى فترة من الفترات، ينفع نتهزم فى معركة، وينفع الثورة تتعثر، وينفع حتى تتجمد لفترة من الفترات، لكن الهزيمة الحقيقية إننا نحيد عن مسارها، وننساق للتطرف والسلاح أو اليأس والإحباط. طول ما الثورة حيّة فى قلوبنا هتكمل حتى وإن سكنت فى لحظة من اللحظات».

الشاب الذى حرّض على إسقاط حكم محمد مرسى، ووقف ضد الإخوان المسلمين، لم يندم على تأييده لمظاهرات 30 يونيو، معتبراً إياها موجة ثورية، جرى الالتفاف حول مطالبها، ثم جرى التنكيل بالشباب عقب الانقضاض عليها: «30 يونيو بالنسبة لى موجة ثورية من موجات ثورة 25 يناير. الموجة الأولى خرجت مناهضة للمجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية، والثانية تمثلها الانتفاضة ضد حكم جماعة الإخوان، ولكن جرى الالتفاف على مطالبها وأهدافها. تحويل مسارها لا يعنى بالطبع أن قيامها كان خطأ، لذلك غير نادم على المشاركة والدعوة لها تماما كرضائى عن المشاركة والدعوة لـ25 يناير وموجتها الأولى».

ويقول «دومة» إنه يجرى التنكيل بشباب الثورة عقب الانقضاض على كل موجة ثورية، والمسؤول الأول عن حبس الشباب «الأجهزة الأمنية التى ترى فى استمرار سلب حريتنا انتقاما لكل فواتير يناير وما قبلها، فتكتب من أجل ذلك تقارير مُدعاة لم تحدث من قريب أو بعيد، وتخلق بها وهما وتروجه عبر بعض الإعلاميين للرأى العام، الذى أصبح مهيئاً لتصديق أى شىء».

ويضيف: «الأجهزة الأمنية تُصر على إبقائى بالحبس الانفرادى لأكثر من 3 سنوات بالمخالفة لكل القوانين والأعراف والدساتير. رغم أن هذا أقسى شعور ممكن يواجهه أو يستطيع تحمله أى بنى آدم، إلا أن الله منحنى منه فرصة لإعادة قراءة كل ما كان من مواقف وتجارب سياسية وشخصية، وإعادة اكتشاف وصياغة أشياء كثيرة بشكل مختلف، وإعادتى مرة أخرى للقراءة وكتابة الشعر، وكتابة القصة القصيرة لأول مرة».

ويرى الناشط، الذى اعُتقل أكثر من 18 مرة، أن السلطة الحالية «تتبنى نفس الآليات التى أودت بكل السلطات التى سبقتها عبر التاريخ. وهذا ليس له سوى تفسيرين، إما أنها تجهل تاريخ من سبقوها، أو أغراها الاستمتاع بالانتصار اللحظى الذى تعيشه الآن».

ويروى «دومة» تفاصيل محاكمته قائلاً: «كل القائمين على السلطة يعلمون تماما من حرق المجمع العلمى وباقى المنشآت، ومن قتل 19 شخصاً بأحداث مجلس الوزراء، ومن عذب الشباب بمجلسى الشعب والشورى والمتحف المصرى، وحاولت السلطة مساومتنا فى البداية للتراجع عن اتهام أشخاص بأعينهم وتقديم الأدلة بالفيديوهات والصور ضدهم مقابل الاستبعاد من القضية، ورفضنا وقدمنا الأدلة وكانت النتيجة إخفاء جزء كامل من أوراق القضية الخاص بالاعتداءات على الثوار وقتل شهداء مجلس الوزراء. قيل إنه بالنيابة العسكرية ولا نعلم مصيره وحوكمنا أمام دوائر إرهاب شكلها رئيس الجمهورية. ورفضت المحكمة سماع شهود النفى المقدمين من هيئة الدفاع ورفضت منحهم نسخة من أوراق القضية، وأحالت 5 من هيئة الدفاع عنى للنيابة، واتهمت ثوار يناير علنا على المنصة بالخيانة والعمالة، ووصمت يناير بالنكسة فبدت وقائع الجلسات (كخناقة)، وصدر ضدى حكم بالسجن المؤبد، وهى فى الواقع عقوبة أكبر بكثير من أقصى عقوبة قانونية محددة للاتهامات الموجهة لى».

ورفض «دومة» فكرة الهجرة خارج مصر، حال الإفراج عنه، ويؤكد أنه لا يستطيع العيش بعيدا عنها: «مصر وطنى الوحيد اللى مقدرش أعيش بعيد عنه، بالرغم من أن أمنيتى الملحة جداً هى الحرية الآن وفورا، لكن مع ذلك أتمناها دون التفريط فى شىء من مبادئى أو الاضطرار للصمت أو البُعد. الهجرة فكرة مستبعدة تماماً، ولو خرجت النهارده أظن هاخد استراحة أرتب فيها أوراقى، وبعدها هرجع تانى للمعارضة أكيد». ولا يختلف يوم ذكرى الثورة «25 يناير» عن باقى الأيام لدى أحمد دومة، رغم أنه أحد رموزها: «طول ما أنا هنا فى السجن، ورفاق الثورة وصانعوها مسجونون أو مطاردون، فـ25 يناير بالنسبة لى (عيد الشرطة مش عيدى)، بقضى اليوم بشكل عادى مثل كل المناسبات الرسمية التى أضطر فيها لتحمل إلغاء التريض، وإغلاق الزنزانة الانفرادية علىّ 24 ساعة كاملة حتى تنتهى الإجازة الرسمية».

سنوات مؤلمة يعيشها «دومة» فى زنزانة انفرادية، لكن يوم الحكم فى بطلان اتفاقية «تيران وصنافير» كان مختلفاً: «لما سمعت حكم مصرية الجزيرتين كنت هطير من الفرحة، ووقفت فى الزنزانة لوحدى انتباه، وغنيت النشيد الوطنى. شكراً لمجهود المحامين، وفخور بالمعركة».

لا ينتظر «دومة» عفواً رئاسياً، يتمنى فقط أن تفرج لجنة العفو الرئاسى عن كل المظلومين بغض النظر عن شخصه: «السجن ملىء بالقصص المؤلمة، أتمنى ألا تنفض اللجنة إلا بعد تصفية الملف بالكامل، وألا يترك الأمر للهوى البوليسى، أثق برئيس اللجنة رغم موقف بعض أعضائها من شخصى. ما يهمنى الآن أن يخرج كل مظلوم من السجن فورا بغض النظر عن فكره أو انتمائه. لن أكون مبالغا لو قلت إنها خطوة ينتظرها الملايين رغم تأخرها».

ويضيف: «لا يليق بمثلى أن يتوسل حريته، خاصة أنا أحسبنى على الحق، وأعلم أن وجودى هنا انتقاميا لا دخل له بالقانون. لا يمكن فقد الأمل وزوجتى تتكلم وتشرح وتطلب وتوضح وتبذل مع رفاق وأساتذة جهودا جبارة. صحيح أن أثر هذا كله يتضاءل فى ظل اعتماد الرأى العام على تقارير ملفقة، لكنى واثق جدا من الحرية وإن تأخر موعدها».

وكتب «دومة» رسالتين، الأولى للشعب المصرى: «إنتوا جربتوا كل الحلول وجميعها قادتنا للأسوأ. جربوا للحظة تفكروا إن ما نجنيه اليوم هو نتيجة هزيمة الثورة لا نجاحها»، والثانية أهداها لنفسه فى زنزانته وهي أبيات لناظم حكمت: «أجمل الأيام، تلك التي لم نعشها بعد، أجمل البحار، تلك التي لم نبحر فيها بعد، أجمل الأطفال، هم الذين لم يولدوا بعد، أجمل الزهور، تلك التي لم نرها بعد، أجمل الكلمات، تلك التي لم أقلها لكِ بعد، وأجمل القصائد، تلك التي لم أكتبها بعد».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية