«عيدكم سعيد.. بدون العقيد».. عبارة علقها أهالى طرابلس على جدران منازلهم وأبواب حوانيتهم قبيل ساعات قليلة من عيد الفطر ضمن استعدادات كثيرة للعيد هذا العام بعد نجاح ثورتهم، ودخول الثوار طرابلس، واختفاء العقيد القذافى منها.
استعدادات العيد بدأت فى الأيام الأخيرة لشهر رمضان عندما امتلأت الأسواق بربات البيوت اللاتى اجتهدن لتوفير احتياجات منازلهن وأولادهن من الغذاء والكساء رغم الحالة الاقتصادية الصعبة، التى تعيشها المدينة جراء انقطاعها عن العالم وباقى المدن الليبية منذ بدأت الثورة فى ليبيا شهر فبراير الماضى.
بدأت احتفالات عيد الفطر مبكراً جداً، إذ لم يكد الليبيون ينهون إفطار المغرب لليوم الثلاثين من شهر رمضان حتى خرجوا للساحة الخضراء التى يطلقون عليها الآن ساحة الشهداء، حيث احتفلوا وغنوا وكبروا وهللوا، وقبل ساعات قليلة من أذان الفجر انصرف عدد منهم ليعود مرة أخرى وقت صلاة العيد وهو يرتدى ملابسه النظيفة الجديدة، ويحمل علم الاستقلال فى يده، ويستعد للاحتفال بأول عيد بدون العقيد.
فى الصباح الباكر توافد مئات الليبيين على ساحة الشهداء التى يؤدون فيها صلاة العيد للمرة الأولى فى تاريخهم، حيث أحاط عدد كبير من الثوار بالساحة حاملين بنادقهم الآلية فى عملية تأمين شاملة، خوفاً من أى محاولات انتقامية يقوم بها فلول النظام السابق أو ما يطلقون عليه فى طرابلس «الطابور الخامس»، وقام عدد منهم بتفتيش المصلين رجالاً ونساءً قبل دخولهم الساحة، التى يشرف عليها مبنى السراى الحمراء، والتى ألقى القذافى من فوقها خطاباً شهيراً له أثناء الأيام الأولى للثورة، وداخل الساحة كان الرجال يصطفون فى صفوف متقدمة خلفهم مباشرة النساء والجميع يكبرون ويهللون وأعلام الاستقلال ترفرف فى حرية وبهجة، وما لبث الإمام أن نادى للصلاة الجامعة فاستقاموا، وبدأ هو فى الركعة الأولى تلاوة سورة الفاتحة من خلال دموعه ونحيبه التى سرت للمصلين فتجاوبوا معها، وبعد انتهاء ركعتى صلاة العيد بدأ الخطيب إلقاء الخطبة التى استهلها بحمد الله المعز المذل مالك الملك الذى يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، مشيراً إلى «الفتح المبين» الذى منَّ به الله على عباده، والذى شبهه بفتح الرسول عليه السلام لمكة المكرمة، حيث دخلها عليه السلام متواضعاً خاشعاً، وهو السلوك الذى التزم به المجاهدون عندما دخلوا طرابلس واستقبلهم الأهالى بالتكبير والتهليل.
وعقب انتهاء الصلاة تبادل المصلون التهانى مع بعضهم البعض، ومع الثوار الذين كانوا يقفون لتأمين الساحة حاملين بنادقهم، والذين لم يستطيعوا أن يمنعوا دموعهم من أن تنهمر وهم يشاهدون نجاح ثورتهم بأعينهم، وفى نفس الوقت تجمع الليبيون داخل الساحة مرددين الهتافات والأغانى التى تسخر من العقيد القذافى، فى حين حرصت السيدات على ترديد النشيد الوطنى، وحمل عدد كبير من الأطفال أعلام الاستقلال وراحوا يلوحون بها، مع حرصهم على رسمه على وجوههم فى إشارة إلى أنه لن يختفى من ليبيا مرة أخرى.