x

طارق الشناوي ميرل وترامب واللعب على الطريقة الشرقية! طارق الشناوي الأربعاء 18-01-2017 15:49


دعونا نُطل على المشهد بمنظار شرقي، رئيس جمهورية يدخل في خصومة معلنة مع مثقف أو فنان، ما الذي تتوقعوه سوى أن يبدأ الهجوم من النقابة الفنية أو المهنية لتي ينتمي إليها مطالبين بإسقاط االعضوية ،وبعدها ينضم عدد من أعضاء مجلس النواب مطالبين بإسقاط الجنسية، ثم تبدأ التسريبات عبر الفضائيات لزوم الشرشحة والبهدلة حتى يصمت من بعدها الجميع خوفا من مواجهة نفس المصير .

مشهد رئيس الجمهورية ترمب عندما يدخل في معركة مهما تجاوز في الأقوال والافعال أراه يدخل في إطار لعبة الديمقراطية، لأنه ببساطة يعلم أنه لن يستطيع أن يلجأ إلى التنكيل والايذاء المادي والمعنوي عن طريق الأجهزة ولا حتى الصلاحيات التي بيده تمكنه من ذلك، هو فقط من حقه أن ينتقد أو حتى يسخر، أنها معركة متكافئة هذه المرة لأن الرئيس في هذه الحالة في مواجهة مباشرة .

يبدو بالطبع نوع من السذاجة عندما يتحدث ترمب عن فنانة بحجم ميرل ستريب بهذا الاستخفاف، إلا أنه ليس في يده أي سلاح أخر للنيل فنيا منها، فهو لن يودعها السجن أو يطلب من (( الميديا)) التعتيم عليها، هذه الفنانة الاستثنائية حققت، أرقاما غير مسبوقة عالميا في عدد الترشيحات والجوائز التي حصلت عليها في الأوسكار والجولدن جلوب، في الاوسكار ارتفع رصيدها إلى 19 ترشيحا وحققت منها 3 جوائز ،وفي الجولدن 25 ترشيحا وحصدت الجائزة 8 مرات، ورغم ذلك فإنها في عرف الرئيس الأمريكي مبالغا في تقديرها، لم يقل أنها لا تستحق التقدير فقط رأي أن هناك مبالغة، وهكذا قرر الرئيس الأمريكي أن يمارس دور الناقد الفني، من حقه التعقيب كمواطن قبل أن يكون رئيسا ،ورد عليه النجم بن افليك قائلا (( اعتقد لو أن هناك شيء واحد فقط حقيقي على هذه الأرض فهو ان ميرل ستريب ليست ممثلة مبالغا في تقديرها)) ولديكم جورج كلوني انضم للمعركة ضد الرئيس، كما ان المخرج المشاغب مايكل مور اكد على انه بصدد صناعة فيلم يفضح فيه ترمب مثلما سبق وان فعلها ضد جورج بوش الابن.كل ذلك لأن استريب انتقدته في كلمة مؤثرة أثناء استلامها جائزة ((أنجاز العمر )) التي تحمل أسم المخرج (( سيسل دى ميل )) في حفل ((الجولدن جلوب)) عندما سخر من صحفي معاق وجه له انتقادا عندما كان يمارس دعايته الانتخابية، كما أن مواقفة المعلنة ضد الأجانب والأقليات استفزت الكثيرين مثل النجمة الفرنسية ازابيل اوبير .

ما يستوقفني في تلك القضية الندية في الصراع، حتى رئيس الجمهورية بتجاوزاته غير المقبولة على المستوى الإنساني والاجتماعي، إلا أنه يتصرف كمواطن يريد بأدواته الشخصية المتعثرة وإدراكه المحدود أن يرد على منتقديه، تلك هي قواعد اللعبة السياسية الغربية التي هي نتاج تراكم ثقافة تضع الرئيس في مرتبة المواطن والمواطن في مرتبة الرئيس، حتى تتساوي الرؤوس.

ليس لدينا ابدا تلك الثقافة، بل نحن نسارع دائما إلى توجيه احقر الاتهامات لمن يختلف سياسيا مع الرئيس ،بالمناسبة كل الرؤساء الذين عرفناهم شكلوا عند الناس خط أحمر لا يجوز التناقض فما بالكم بالاختلاف، حتى في عهد مرسى كان هناك طابور ينتظر فقط مجرد إشارة لكي يبدأ المباركة والتأييد ثم الهجوم على من يرى أن السلطة ربما تناصبه العداء أو لعله غير متوافق معها، مثلا وجدنا أن أشرف عبدالغفور باعتباره وقتها نقيبا للممثلين قد قام بزيارة للمرشد بديع وأكد أنه متسامح مع الفن، كما أن عادل إمام عندما التقى المرشد في حفل عام راح يشيد به وبتفتحه، وله تصريح مماثل يدافع به عن مرسي وعن حماسه للفن وللسينما الامريكية، دائما تجد أن قطاعا لا بأس به من الفنانين من الممكن أن يوفقوا أوضاعهم مع السلطة، خوفا من المواجهة.

على الجانب تكونت جبهة الدفاع عن حرية الابداع لأن الفن مستهدف من قبل الاخوان فهم يريدون فنا شرعيا، وكانت نقطة الانطلاق من نقابة الصحفيين، إلا أننا يجب أن نذكر أن عام حكم الاخوان لا يمكن القياس عليه، لأن مقاليد السلطة بكل أبعادها لم تكن في أيديهم، وهكذا كان هناك هامش ملحوظ من الاختلاف منح المثقف والفنان والإعلامي مساحة من الحركة خارج الصف .

إلا أن هذا لا ينفي أن أكبر ما يواجه الابداع هو مواقف الفنانين والمثقفين ولهاثهم في الخضوع للدولة ،دائما هم معها ،ولو عدنا لثورة 23 يوليو ستكتشف أنه ما أشبه الليلة بالبارحة أتحدث عن اجتماع دعا إليه محمد نجيب وعدد من قيادات ثورة 52 في أعقاب توليهم زمام الامور في البلاد، كان الهدف ليس اكتشاف موقف السينما والسينمائيين مما يجرى في مجتمع يرنو للشمس القادمة، ولكن لإملاء مطالب السلطة الجديدة، وكان قد سبق هذا الاجتماع وبعد قيام الثورة بأربعين يوما فقط، بيان أصدره نجيب عنوانه ((الفن الذي نريده))جاء فيه (( السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وعلينا ان ندرك ذلك لأنه إذا ما اسئ استخدامها فإننا سنهوى بأنفسنا للحضيض وتدفع بالشباب للهاوية))، ولم يكتف بهذا القدر بل أصدر بعدها بيان تحذيري أخر جاء فيه ايضا وبشكل اكثر حدة مشيرا إلى أنه ((لا يوجد فيلم إلا وأقحمت فيه راقصة وهذا كان يليق بالعهود البائدة ولكنه لا يليق بمصر الثورة ))، وكما تؤكد أغلب الوثائق أن اغلب السينمائيين في تلك الاجتماعات وافقوا السلطة الجديدة أو في الأدنى توافقوا معها.

تظل دائما الدولة هي الدولة والمثقف هو المثقف، القسط الوافر منهم يعلم ما لدى الدولة من أسلحة تملكها وهى تمسك الجزرة بيد والعصا بيد، حتى لو لم تستخدم العصا في اللحظة الراهنة بأسلوب مباشر فإنه في الحد الأدنى يطمع في قضمة كبيرة من الجزرة.

وفي العادة يتم إصدار القرارات المقيدة للحرية أو التي تمنع تداول العمل الفني بأسلوب غير مباشر، الدولة لم تقل أبدا صراحة ذلك عندما منعت مثلا في البداية في عهد عبدالناصر فيلم (( الله معنا ))، أو في زمن السادات فيلم «العصفور» ليوسف شاهين أو «زائر الفجر» لممدوح شكري، أو «المذنبون» لسعيد مرزوق «انها تتحفظ عليهم لأسباب سياسية ،ولكن دائما هناك غطاء معلن وهو الحفاظ على الامن الاجتماعي، فيلم (( اشتباك )) لمحمد دياب تمت الموافقة على عرضه تجاريا منتصف العام الماضي، حيث كان من المستحيل اتخاذ قرار أخر بينما الفيلم أفتتح قسم (( نظرة ما)) في مهرجان (( كان)) وصار واحدا من أكثر الأفلام العالمية تداولا في الميديا ،ولكن كان هناك اتفاق شفهي بين أصحاب دور العرض بالتعتيم على الفيلم، لمجرد أن هناك من استشعر أنه غير متطابق سياسيا مع الدولة، الفيلم من المؤكد متوافق ولكنه غير متطابق، لديكم مثلا مسلسل (( أهل إسكندرية )) من انتاج ((صوت القاهرة )) ووافقت عليه سياسيا من خلال لجنة القراءة، إلا أن العقدة التي اكتشفتها فيما بعد أنه تأليف بلال فضل وبطولة بسمة وعمرو واكد، الدولة انتجته ورغم ذلك فإن المطلوب هو منع تداوله، بسبب مواقف الكاتب وبطل الفيلم السياسي ولأن البطلة متزوجة عمرو حمزاوي، فتأتي الحجة أنه يروج للاخوان، برغم أن الكاتب والنجمين مواقفهم معلنة تماما ضد الاخوان، الأهم أن مخرج المسلسل خيري بشارة فهل من المتصور أن مخرجا بحجمه وثقافته وانتمائه الفكري والسياسي، سيقدم مسلسلا يحمل دعاية اخوانية .

ميرل تنتقد وترمب يرد تلك هي لعبة الديمقراطية على الطريقة الغربية، بينما نحن لا نزال نرقص على الإيقاع الشرقي!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية