x

عبد الناصر سلامة القدس فى مؤتمر باريس عبد الناصر سلامة الثلاثاء 17-01-2017 21:58


من المنتظر، حسبما أعلن مبكراً، أن يقرر الرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، فى اليوم الأول لتنصيبه، الجمعة المقبل، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، فى تحدٍّ سافر لقرارات الأمم المتحدة فى هذا الشأن.. ذلك الإجراء المنتظر لن يكون مفاجئاً لا للعالم العربى، ولا للمجتمع الدولى بصفة عامة، ذلك أن الرجل لا يُخفى سياساته العدوانية تجاه العرب، ولا سياساته المنحازة لدولة الاحتلال، ويبقى السؤال: ماذا كان رد فعل العرب على إعلان ترامب، وكيف سيكون ردهم حين التنفيذ الوشيك؟!

فى البداية، تجدر الإشارة إلى سابقة إعلان إسرائيل فى أغسطس عام ١٩٨٠ اعتبار القدس عاصمة أبدية، ونقل السفارات لديها من تل أبيب إلى القدس، مستغلة فى ذلك الوضع العربى المهترئ آنذاك، والمتمثل فى قطع العلاقات مع مصر منذ عام ١٩٧٩، فى أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية، إلا أن الرئيس العراقى، صدام حسين، قام على الفور بزيارة مكوكية إلى المملكة العربية السعودية، التقى خلالها الملك خالد بن عبدالعزيز، وولى عهده الأمير فهد، وأصدر البلدان فى نهاية اجتماع القمة بياناً مشتركاً، هددا فيه بقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع أى دولة تمتثل للقرار الإسرائيلى، أعقبه فى ذلك مواقف مماثلة من كل الدول العربية والإسلامية دون استثناء، وهى المواقف التى تراجع معها الإجراء الإسرائيلى، وتعاملت معه دول العالم كأن لم يكن.

الآن جاء مؤتمر باريس حول القضية الفلسطينية، الذى اختتم أعماله الأحد الماضى، بمشاركة ٧٠ دولة، إضافة إلى جامعة الدول العربية، قبل تنصيب ترامب بخمسة أيام، ليؤكد من خلال البيان الختامى الالتزام بحل الدولتين والامتناع عن أى خطوات أحادية الجانب، تستبق نتيجة المفاوضات بشأن الحدود والقدس واللاجئين، وهو المؤتمر الذى قاطعته وانتقدته إسرائيل، كما تحفظت بريطانيا على البيان ورفضت التوقيع عليه، معتبرة أنها شاركت بصفة مراقب، بينما أشادت به الولايات المتحدة، على لسان جون كيرى، وزير الخارجية، معتبراً إياه متوازنًا.

المهم أنه فى الوقت الذى أكد فيه وزير الخارجية الفرنسى، جان مارك إيرولت، على أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يمثل استفزازاً وستكون له عواقب خطيرة، كان الطرح العربى خلال المشاركة فى المؤتمر، فيما يتعلق بهذه القضية، مخزياً وصادماً، حيث لم تتصدر القدس اهتمامات الدول العربية، قياساً بالطرح الفرنسى، ولم يتم توجيه أى انتقادات لترامب على موقفه المعلن، كما لم يحاول المشاركون إصدار أى تحذير فى هذا الشأن، على غرار ما فعله صدام حسين والملك خالد فى السابق، أو ما تضمنته اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، من أن للقدس وضعية خاصة يجرى التفاوض بشأنها.

أعتقد أن الفرصة أصبحت مهيأة الآن لدولة الاحتلال لفرض هيمنتها، ومهيأة أكثر لترامب لتنفيذ مآربه، ذلك أن العالم العربى أكثر انقسامًا، ليس بين الدول بعضها البعض، وإنما داخل الدولة الواحدة، فلم يعد العراق عراقاً، والمملكة السعودية كذلك، كما لم يعد هناك صدام حسين، والملك خالد كذلك، كما لم يعد هناك القادة العرب عموماً، بالتالى كانت تلك المواقف الخانعة الخاضعة التى ضاعت معها على الطبيعة، وبحكم الأمر الواقع، عواصم عربية أخرى، بخلاف القدس، ودول عربية أخرى، بخلاف فلسطين.

ما أخشاه هو أن تكون القضية الفلسطينية، ومن بينها القدس، قد سقطت من الحسابات العربية، فى إطار مقايضات تتكشف معالمها يوماً بعد يوم، من المحيط إلى الخليج، وهو ما يجب أن يفطن له الجانب الفلسطينى تحديداً، ويدرك خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه أكثر من ذلك، ليكتشفوا فى النهاية أنهم أمام أجيال لا تعى معنى الأوطان ولا قيمتها، وأمام سياسيين لا يدركون حجم تضحيات آبائهم وأجدادهم، ولا حتى أمهاتهم، وهو ما يجب معه أن يتحملوا مسؤولياتهم، بنبذ الفرقة فى صفوفهم، وسحب التوكيلات من العواصم التى استسلمت فى كل الميادين من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحتى جامعة الدول العربية وباريس.

تبقى الإشارة إلى أن ما يقرره الفلسطينيون بشأن أنفسهم رداً على تنفيذ ترامب تهديداته، يجب أن يلقى دعماً عربياً بلا حدود، أياً كانت طبيعته، سياسياً كان أو غير ذلك، انطلاقاً من أن مقاومة الاحتلال فى كل الأعراف الدولية ليست إرهاباً، كما أن كل سبل تحرير الأرض والدفاع عن العِرض تصبح مشروعة، ناهيك عن أن دعم المقاومة الفلسطينية ليس منّة من أحد، وإنما هو واجب وطنى وأخلاقى، يُحتّمه الأمن القومى العربى، وبصفة خاصة فى ظل ذلك التعنت الإسرائيلى الواضح تجاه الحقوق الفلسطينية والعربية التاريخية، وفى ظل ما يحاك للمنطقة كلها من مؤامرات، لم تكن الصهيونية العالمية أبداً بمنأى عنها، ومن بينها تنصيب ترامب ذاته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية