x

حيثيات حكم «مصرية تيران وصنافير»: الحكومة خالفت الدستور لتنتقص من حقوق مصر

الإثنين 16-01-2017 21:04 | كتب: شيماء القرنشاوي |

تنشر «المصرى اليوم» حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا فى جلستها المنعقدة، الاثنين، لنظر طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين مصر والمملكة العربية السعودية فى أبريل من العام الماضى، والمتضمنة نقل تبعية جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.

وذكرت المحكمة برئاسة المستشار أحمد الشاذلى، نائب رئيس مجلس الدولة، فى حيثيات الحكم، بتأييد الحكم الأول ورفض طعن الحكومة عليه، وهو حكم نهائى وبات لا يجوز الطعن عليه: إن «دخول الجزيرتين ضمن الإقليم المصرى يسمو لليقين بما وقع تحت بصر المحكمة من مستندات وبراهين وأدلة وخرائط تنطق بإفصاح جهير بوقوعهما ضمن الإقليم المصرى، وأنه يحظر على كل سلطات الدولة والشعب ذاته بأمر الدستور، إبرام معاهدة أو اتخاذ إجراء يؤدى للتنازل عن الجزيرتين».

وأضافت المحكمة أن الحكم المطعون فيه صدر «مرتكزاً على صحيح حكم القانون والواقع، والقاعدة المستقرة فى ظل القضاء الدولى مبدأ عدم جواز الادعاء بما يخالف سلوكاً سابقاً، ومبدأ عدم وجود مظاهر منافسة للسيادة يعطى الدولة صاحبة السيادة الفعالة أهلية كاملة على الإقليم، والقاعدة أنه إذا وجد ادعاءان متعارضان فإن أظهرهما هو الذى يعلو».

ونبهت المحكمة إلى أنه «لا يستقيم القول بأن الجزيرتين أودعتهما لدى مصر دولة لم تمارس عليهما أدنى مظهر من مظاهر السيادة، وهو ما أجدبت عنه كافة أوراق الطعن، وعجزت الحكومة عن أن تقدم دليلاً واحداً على هذه الوكالة المزعومة، والأمر لا يخرج فى عقيدة المحكمة على أنه سبيل منها للدفاع عن توقيعها للوصول إلى غاية مخالفة للدستور المصرى، حاصلها الانتقاص من حقوق مصر على الجزيرتين».

وتابعت المحكمة أن «القرار الجمهورى 27 لسنة 1990 راعى فى اعتماد طريقة خطوط الأساس المستقيمة كطريقة يبدأ منها قياس المناطق البحرية الخاضعة للسيادة المصرية، المصالح الاقتصادية الهامة وحماية الأمن القومى والقضاء الدولى، بتقرير خطوط أساس معينة، ما تنفرد به منطقة معينة من مصالح اقتصادية ثبت وجودها وأهميتها ثبوتاً جلياً بالاستعمال الطويل، وأن المقصود بمضيق تيران هو جزيرتا تيران وصنافير والممرات الواصلة المحيطة بهما، وهى الملاصقة تماماً لساحل سيناء المصرى لا غيره».

وأشارت المحكمة إلى أن تنازل الحكومة عن الجزيرتين «خطأ تاريخى جسيم غير مسبوق، يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب وليس ملكاً لسلطة من سلطات الدولة».

ونبهت المحكمة إلى أن «مصر الدولة لم تُخرج جيشها قديماً أو حديثاً خارج أرضها إلا لحماية أمنها أو أمن شقيقاتها العربية، وأن لفظ احتلال فى عُرف الجيوش هو الانتشار أو السيطرة، يطلقه الجيش على عملياته العسكرية داخل أرضه، ويختلف اختلافاً جوهرياً عن احتلال الأرض والأوطان للغاصب، كما أن خلو الأوراق من أى وثيقة مكتوبة باتفاق دولى بين مصر والسعودية يُنبئ بأن الجزيرتين كانتا ضمن الحدود السياسية أو الجغرافية للدولة الأخيرة، ولا يسوغ بناءً على محض افتراض أن تُتخذ إجراءات تتصل بالتنازل عن الأراضى المصرية أو عن السيادة عليها إلى دولة أخرى».

وأوضحت المحكمة أنه «لا يخفى على فطنة المحكمة إدراك التفرقة بين ترسيم الحدود كعملية فنية، وتعيين الحدود كعملية قانونية وتطور القضاء الدولى بشأنهما، لكن الحكومة لا تدرك أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة محظور، فلا يُنتقص منهما تحديداً أو ترسيماً».

وأكدت المحكمة أن «سيادة مصر وحدها دون غيرها على الجزيرتين لأكثر من مائة عام ممارسة مظاهر سيادة دولية وداخلية، وأن المستندات والبراهين والأدلة والخرائط تنطق بإفصاح جهير بوقوعهما ضمن الإقليم المصرى، وأن الدستور استولد نظاماً قانونياً جديداً ألبس الفصل بين السلطات ثوباً جديداً دون تغول من سلطة على أخرى، مصطحباً موقع مصر الجغرافى المتميز، مما لا يجوز التنازل عن أى جزء منه، وأن الدستور المصرى أفرد للتنازل عن أى جزء من الأراضى المصرية حكماً خاصاً مانعاً للتنازل، واستقر فى الوجدان القانونى أن صاحب السيادة هو مجموع المواطنين، ولم تعد هيئة من هيئات الدولة مالكة السيادة وإنما تباشرها كوكيلة عن الشعب، ولا يمنع ذلك من القول بأن هناك نوعا من الأعمال التى تصدر عن السلطة التنفيذية لا تخضع لرقابة القضاء، وأن مرجع الإعفاء ليس فكرة السيادة وإنما أسباب قانونية أخرى».

وأوضحت المحكمة أنه من المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن أعمال السيادة تتفق مع العمل الإدارى فى المصدر والطبيعة، ويختلفان فى السلطة التى تباشر بها السلطة التنفيذية العمل ذاته، مع تقرير وسائل مختلفة للحد من آثار أعمال السيادة التى قد تؤثر سلباً فى حقوق الأفراد وحرياتهم، إلا أن أنجع الوسائل لرقابة أعمال السيادة هو اللجوء إلى القضاء، والقضاء هو من يحدد أعمال السيادة، بحثاً عن اختصاصه للفصل فى النزاع المعروض، فإذا استوى العمل من حيث سلطة إصداره وطبيعته بأنه من أعمال السيادة قضى بعدم اختصاصه، ولا ريب أن القاضى عندما يباشر الاختصاص المعقود له بتحديد ما يعتبر من أعمال السيادة ليلحق به حصانة تعصمه من رقابة القضاء ليس مطلق اليد حر التقدير، وإلا خرج على فكرة السيادة بالمعنى المشار إليه آنفاً، وإنما يحكمه التنظيم القانونى لممارسة السلطة الموصوفة بأنها عمل من أعمال السيادة والنزاع الذى صدر بشأنه العمل، ثم يستخلص القاضى المتروك له تحديد طبيعة العمل فى إطار اختصاصه وظروف ومستندات النزاع المعروض عليه، وهو ما يقطع - بداءةً - بعدم صحة المقارنة بين مسلك المحاكم حال تحديد طبيعة العمل وكونه من أعمال السيادة فى الأنزعة المختلفة بحسبان سلامة الحكم ترتبط بالحالة المعروضة، كُل على حدة.

وأضافت المحكمة أنه بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور، فى جلسة 23 يوليو 2013، تلاحظ أن لجنة الخبراء عند وضع نص المادة (1) من الدستور أشارت صراحة إلى اقتراح قدّمه أحد الأعضاء بالنص صراحة، أسوة بدستور عام 1923، على عدم جواز النزول عن أى من إقليم الدولة، كما يتضح الأمر بجلاء لا لبس فيه ولا غموض عند مناقشة وإعداد المادة 151، إذ إنه عند عرض الجزء الأول من النص الدستورى رُجح فى اللجنة أنها لا تتعلق بمعاهدات الصلح ولا التحالف أو ما يتعلق بحقوق السيادة، فهذه يفصل فيها ويراقبها البرلمان، أما المعاهدات الخاصة بالصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة: فذهب رأى إلى وجوب موافقة الشعب أُسوة بالمادة 53 فقرة أخيرة من الدستور الفرنسى، وتبلور الأمر برأى ذهب إلى أن أى شىء يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محلاً للمعاهدات، ثم تبلور الرأى إلى أن المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة لا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب، وقبل الاتفاق على النص الدستورى قال أحد أعضاء اللجنة: «الجزء الأول من نص المادة ليس فيه أى مشكلة. أما الجزء الثانى فتجب موافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى أعضائه على معاهدات الصلح والتحالف، وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة يتعين الاستفتاء وموافقة الشعب عليها لكى يستريح ضمير الجميع، ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو الانتقاص من أراضى الدولة، لأن الحكم هنا سيكون مختلفاً عندما نقول مظهرا من مظاهر السيادة مثل قاعدة عسكرية، هذا نريد فيه استفتاء، أما فى مسألة الانتقاص من أراضى الدولة فمحرّم عرضها على المجلس أو الاستفتاء كقاعدة عامة»، ثم تمت قراءة المادة كالآتى: «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها، وفقا لأحكام الدستور، وتجب موافقة المجلس بأغلبية ثلثى أعضائه جميعاً على معاهدات الصلح والتحالف، وبالنسبة للمعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة فلا تكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب على ذلك. ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها الانتقاص من إقليم الدولة»، ثم علق المقرر: «لا نريد أن نصعب الأمور، نقول فى الجزء الثانى من النص بعد كلمة التحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة بشروط الاستفتاء عليها... ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو تنتقص من إقليم الدولة وتنتهى».

وذكرت المحكمة أنه إذا كان النص الدستورى للمادة 151 نقل حرفياً ما انتهت إليه لجنة الخبراء بخصوص الفقرة الأولى منه وبتصرف لا يغير المعنى فى الفقرة الأخيرة، فإن الفقرتين الثانية والثالثة من الصياغة النهائية للدستور المستفتى عليها قدّمت وأوجبت دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ومنعت التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بموافقة الشعب، وينعطف من هذه المغايرة معان قانونية ومفاهيم كثيرة يجب أن تُسجل وتُذكر:-

أولاً: أن الدستور المصرى رسخ مبدأ سيادة الشعب فى أعلى صورة، فحظر أى التزام دولى على الدولة فيما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها، فالتصديق، وهو من سلطة رئيس الجمهورية، مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب، وفيه يحل الشعب محل السلطة التى تقوم مقامه بالتشريع والرقابة، وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالباً رأيه الفاصل والملزم فى أى معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة، والترتيب المنطقى للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية إلى الشعب طالباً رأيه، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولى، وإن كان له رأى آخر، زال أى اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه.

■ ■ ■ ■

ثانياً: أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصرى- فرادى أو مجتمعة - تعد من الأمور المحظور إبرام أى اتفاق دولى بشأنها ولا تعرض على الشعب الذى أعلن إرادته عبر دستوره، وحاصله أنه لا يُقبل التنازل عن أى جزء من الأرض.

أن توقيع رئيس مجلس الوزراء على الاتفاق المبدئى متلحفاً برداء غير مشروع، كما أن يد مجلس النواب، هى الأخرى بنص الدستور ولائحته معاً، مغلولة ومحظورة عليه مناقشة أى معاهدة تتضمن تنازلاً عن جزء من إقليم الدولة، ومن يخالف ذلك من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية هو والعدم سواء، ولا يسوغ للحكومة أن تتدثر بأعمال السيادة لتخفى اعتداءً وقع منها على أحكام الدستور.

وذكرت المحكمة أنه بالبناء على ما تقدم، فإن ما استندت إليه محكمة القضاء الإدارى فى أسباب حكمها الطعين وما أوردته من أسباب وفى إطار التوازن الدستورى بين نص المادتين 97 و190 من الدستور، والتى حظرت أولها، تحصين أى عمل أو قرار إدارى عن رقابة القضاء وأحكام الدستور فى عديد من المواد التى انصرفت إلى تعديل فى حدود السلطات الممنوحة لسلطات الدولة وبمقتضاها غدت جُلَ السلطات محددة النطاق ومشروطة الممارسة، فإن الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع المبدى من– المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى – بصفتهم – فى الدعوى يكون قائماً على عُمد من الواقع والقانون، وصادراً فى إطار أحكام القانون والدستور، ولا يسوغ – والحال كذلك - للسلطة التنفيذية إجراء عمل أو تصرف ما محظور دستورياً ويكون لكل ذى صفة أو مصلحة اللوذ إلى القضاء لإبطال هذا العمل، ولا يكون لها التذرع بأن عملها مندرج ضمن أعمال السيادة، إذ لا يسوغ لها أن تتدثر بهذا الدفع لتخفى اعتداءً وقع منها على أحكام الدستور وعلى وجه يمثل إهداراً لإرادة الشعب مصدر السلطات، وإلا غدت أعمال السيادة باباً واسعاً للنيل من فكرة سيادة الشعب وثوابته الدستورية وسبيلاً منحرفاً للخروج عليها وهو أمر غير سائغ البته.

وأشارت المحكمة إلى أن ديباجة قرار رئيس الجمهورية رقم 535 لسنة 1981 بشأن الموافقة على معاهدة فيينا الموقعة عام 1969، تضمن الإشارة إلى المادة 151 من الدستور، وتحفظ مصر وعدم اعتبارها طرفاً فى إطار الباب الخامس من المعاهدة، ما يعنى أن تحديد ممثل الدولة المصرية وإجراءات إبرام المعاهدة، ما يعنى أيضاً أن المكاتبات الصادرة عن مسؤولين مصريين، دون، رئيس الجمهورية أو بعد اتخاذ إجراء موافقة مجلس الشعب على أى تصرف بخصوص الجزيرتين – محل التداعى – لا أثر لها خاصة فى ظل إعلاء مصر من شأن أحكام دستورها بالقرار المشار إليه وما أوجبه من إجراءات على إبرام المعاهدات بتحفظها على معاهدة من المعاهدات الشارعة والمنظمة لقواعد الاتفاق الدولى، وأن المحاججة بخطابات أو اجتماعات أو اتصالات صدرت عن مسؤولين مهما علت وظائفهم، لا تمثل مانعاً أمام القضاء الداخلى من التعرض للإجراء الذى تقوم به الحكومة حالياً فى ظل دستور جديد تمسك بموروث دستورى يحمى حق الدولة على أرضها ورادعاً لكل اعتداء على سيادتها.

كما أن قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 1990 لم يتضمن أى تعديل على التحفظ الوارد بقرار رئيس الجمهورية رقم 535 لسنة 1981 وقاطع القول ينصرف إلى أن التحفظ على الانضمام لهذه المعاهدة المؤسسة لقواعد الاتفاق الدولى يمثل مظهراً من مظاهر سيادة الدولة يستدعى احترامه من خارج الدول المتحفظة وداخلها من باب أولى- والنزاع– محل الطعن الماثل- هو نزاع داخلى وطنى بين الدولة ممثلة فى الطاعنين بصفاتهم والمطعون ضدهم والخصوم المتدخلين، وفى إطار سلطة القضاء الوطنى الذى عليه واجب احترام الدستور والآليات التشريعية المنظمة للفصل فى النزاع، فإن نكص عن واجب مفروض عليه كان منكراً للعدالة.

وأضافت المحكمة أنه لا يحاج على ذلك بأن فى ذلك نيل من التزام التزمت به الدولة تجاه دولة أخرى– بحسبان الالتزام لا يقع صحيحاً فى مفهوم المحكمة إلا إذا تم سليماً وبإجراءات دستورية وقانونية، وقد أفصح تقرير الطعن المرفق على أن ما تم– هو اتفاق مبدئى- بين حكومتى مصر والسعودية، بناءً على ما انتهت إليه محادثات طالت سنين عدة وأعمال لجان متخصصة، وإذا كانت كافة الإجراءات المدعى اتخاذها من جانب الحكومة لم تستهد بأحكام الدساتير المصرية والقوانين والقرارات الجمهورية المنظمة لعملها بشأن موضوع ينال من سيادة الدولة أو جزء من أرضها، ويرتب التزاماً دولياً عليها، فإن ذلك يقطع بأن المسألة المعروضة وما يلامسها لا تخرج عن كونها إجراءات إدارية وسّد الاختصاص بالفصل فى مشروعيتها أو بطلانها إلى جهة القضاء الإدارى صاحبة الاختصاص الدستورى بالفصل فى المنازعات الإدارية، ولا يسوغ له أن يتنظر حتى تكتمل للمخالفة أركانها غير المشروعة، فدور قاضى القانون العام لا يقف عن حد الفصل فى الخصومة القضائية وإنما تبصير سلطات الدولة بدورها وحدود هذا الدور المرسوم لها دستورياً، وهو ما يمثل وجه المصلحة الأخرى للجهة الطاعنة من السير فى إجراءات الطعن.

وقالت المحكمة عما ورد بتقرير الطعن من مخالفة الحكم للقانون فيما قضى به من عدم قبول الدعوى بالنسبة للطاعن الثالث بصفته– رئيس مجلس النواب– إن الدستور حدد اختصاص مجلس النواب بشأن المعاهدات باعتبار أن موافقته واجبة على كل ما تبرمه الدولة من معاهدات حددتها الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور، وأن الفقرة الثانية قصرت دور مجلس النواب على المصادقة على ما ينتهى إليه الشعب باعتباره الوكيل عن صاحب السيادة الذى آثر الدستور أن يتولاه بنفسه دون وكيل باعتبار أن موافقته الشرط الوحيد اللازم للمصادقة على الاتفاقية بعد دعوته الواجبة كما سلف البيان، فسلطة مجلس النواب فى مسائل السيادة سلطة تقرير لإرادة الشعب ويكون رأيه متمماً لتلك الإرادة يلتحم فيها الوكيل بالموكل، ويكون دور الوكيل محصوراً فى صوغ التعبير عن هذه الإرادة رفضاً أو قبولاً، فإذا ما باشرت السلطة التنفيذية اختصاصاً متصلاً بهذا النوع من المعاهدات أو تلك التى نظمتها الفقرة الأخيرة من المادة 151 من الدستور تمحور النزاع حول عمل إدارى لا يسوغ أن تتدخل فيه السلطة التشريعية طرفاً فيه كمشرع، وإذا أخرج القضاء المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته المُمثل القانونى لمجلس النواب يكون قد التمس وجه الحق وأنزل صحيح حكم القانون والدستور، وتطرح المحكمة- من ثم- ما ورد بتقرير الطعن من أن الرقابة على الاتفاقية المشار إليها محجوزة فقط للبرلمان بحسبان الفصل فى النزاع معقود للقضاء الإدارى، واستقر فى يقين المحكمة– كما سلف البيان– أن النزاع الماثل لم يرق إلى كونه التزاماً دولياً، كما أنه يخرج عن نطاق تطبيق أحكام الفقرة الأولى من المادة (151) من الدستور والتى وسدّت لمجلس النواب دوراً واجباً فى الموافقة على المعاهدات فى غير الحالتين التى أشارت إليهما الفقرتان الثانية والثالثة منها.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالرجوع إلى أعمال لجنة الخبراء العشرة والخاصة بإعداد الدستور، فإن أحد أعضائها أشار إلى أن «أى شىء يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محل معاهدات»،، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المحكمة تقصر قضائها فى خصوص هذه المسألة على دور مجلس النواب كسلطة تشريعية تمارس دوراً فى إطار الدستور ودون تخط لآلياته الأخرى بشأن الرقابة على أعمال الحكومة، ولا يسوغ أن يكون مجلس النواب طرفاً فى الخصومة الماثلة– ومحلها– إجراء أو عمل إدارى صدر عن رئيس مجلس الوزراء على الوجه سالف بيانه ويكون إخراج الحكم المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته (رئيس مجلس النواب) من الخصومة قاضياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفه بالنسبة له، ملتمساً وجه الحق ومنزلاً صحيح حكم القانون والدستور، فإذا ما زج به كجهة فصل فى خصومة فالبرلمان ينشئ ويقرر فى إطار دوره الدستورى، أما الفصل فى الخصومة فاختصاص معقود للقضاء.

وقالت المحكمة إنه عن الطلب المقدم من هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين، والمبدى أمام المحكمة بوقف نظر الطعن وقفاً تعليقاً لحين الفصل فى منازعتى التنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا، فإن قضاء المحكمة الدستورية جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية لم يتم وفقاً لطبيعته وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانوناً– بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه وتعطل تبعاً لذلك أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بل يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ، تلك الخصومة التى تتوخى فى غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق أو الناشئة عنها أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، وكلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صدر عن المحكمة الدستورية فإن حقيقة مضمونه ونطاق القواعد القانونية التى يضمها والآثار المتولدة عنها فى سياقها وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينهما هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية وما يكون لازماً لضمان فاعليته.

بيد أن تدخل المحكمة الدستورية لهدم عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين جميعهم دون تمييز يفترض أمرين: أولهما: أن تكون هذه العوائق سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها، ثانيهما: أن يكون استنادها لتلك الأحكام وربطها منطقياً بها ممكناً، فإذا لم تكن لها بها من صلة فإن خصومة التنفيذ لا تقوم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية