سافر صديقى الكاتب الكبير صلاح منتصر لقضاء إجازه قصيرة في الأقصر- مدينة المجد المصرى؛ وعاصمة العالم القديم. ويبدو أن كاتبنا العظيم استمتع برحلة ثقافية عاد منها محملاً بملاحظات ومعلومات دوّنها بنفسه في النوتة الصغيرة التي لا تفارقه.
وفى الأقصر قابل صلاح منتصر العديد من الأثريين الذين شرحوا له آثار البر الشرقى والبر الغربى.
وكان من نتائج الرحلة عدد من المقالات المنشورة بعموده بصحيفة الأهرام، جاء بها معلومات يعتقد كثير من الناس أنها حقائق، في حين أنها لا تعدو سوى مقولات متداولة، منها القول بأن الأقصر بها ثلث آثار العالم، وهذا ليس صحيحاً وإنما يمكن القول بأن الأقصر بها أهم آثار العالم.
وفى إحدى مقالات كاتبنا الكبير ذكر بناءً على ما قاله أحد الأثريين إن الملك رمسيس الثانى اغتصب آثار أمنحتب الثالث التي شيدها في معبدالأقصر! بمعنى قيام رمسيس الثانى بمحو اسم أمنحتب الثالث ووضع اسمه مكانه! وبالطبع هذا ليس صحيحاً فالجزء الذي شيده أمنحتب الثالث في معبدالأقصر موجود وعليه نقوشه وأسماؤه، أما إذا كانت هناك أجزاء ضمها المعمارى الخاص برمسيس الثانى فربما تكون إما شيدها أمنحتب الرابع (إخناتون) قبل انتقاله إلى مدينة تل العمارنة وإسقاط عبادة الآلهة المتعددة وعلى رأسهم آمون رع.
ومعروف أنه على الرغم من الفارق الزمنى بين حكم حتشبسوت وإخناتون من الأسرة 18 ورمسيس الثانى – ثالث ملوك الأسرة 19- والذى يقدر بعشرات السنين، إلا أن رمسيس الثانى ناصب فترتى حكم حتشبسوت وإخناتون العداء، نظرا لتمسكه بتقاليد الأجداد التي حطمتها حتشبسوت عندما تولت ملك مصر وهى امرأة، وإخناتون عندما دعا للدين الواحد.
كذلك توجد أسباب أخرى لوجود اسم رمسيس الثانى موضع أسماء ملوك آخرين وهو أن تكون آثارهم قد دمرت بصورة كبيرة بفعل تقادم الزمن، ولم يكن ترميمها بالأمر المجدى أو العملى، ولذلك كان إعادة استخدام أحجارها أمرا تحكمه المنفعة الاقتصادية وليس حب محو آثار الأجداد ونسب أعمالهم إلى الملك الحى! لقد مجّد الفراعنة تاريخهم وحفظوا ذكرى أجدادهم وقاموا بترميم آثارهم والحفاظ عليها، ولذلك وصلت إلينا بعد آلاف السنين.
ويوجد منظر رائع يصور الملك سيتى الأول وابنه الأمير رمسيس الثانى وهما يقدمان القرابين وحرقان البخور لأسماء ملوك مصر من الأسرة الأولى وحتى عصر الملك سيتى الأول، وبالطبع أسقط من هذه القائمة المهمة أسماء ملوك الهكسوس المحتلين واسم حتشبسوت وإخناتون للأسباب التي تحدثنا عنها. ولا ننسى أن الأمير خع أمواس ابن الملك رمسيس الثانى، هو الذي قام بترميم آثار الأجداد في الجيزة وسقارة ومنف، وترك نقشاً على الواجهة الجنوبية لهرم الملك ونيس بسقارة يؤكد أنه قام بترميم آثار الأجداد.
أخبر أحد الأثريين صديقى صلاح منتصر بأن الحمار هو الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون وليس هيوارد كارتر! والحقيقة أن كشف مقبرة توت عنخ آمون سيظل أعظم كشف أثرى في العالم وسيظل مسجلاً باسم الأثرى الإنجليزى هيوارد كارتر لكونه مدير الحفائر التي استمرت لخمسة مواسم عمل إلى أن ظهرت المقبرة التي كشف عن أولى درجات مدخلها الحجرى الصبى الصغير حسين عبدالرسول وكان عمره لم يجاوز الثالثة عشرة، وكان الصبى مكلفا بإحضار مياه الشرب للعمال في جرار على ظهر حماره..
وفى صباح يوم 4 نوفمبر 1922 وبينما يقوم حسين عبدالرسول بحفر مواضع لجرار الماء ظهرت السلمة الحجرية الأولى التي قادت هيوارد كارتر إلى مدخل المقبرة. وكمكافأة للصبى حسين عبدالرسول أمر كارتر بالتقاط صورة له وهو يرتدى قلادة رائعة من كنوز الملك توت عنخ آمون، وكانت هذه الصورة مصدر رزق حسين عبدالرسول حتى وفاته بعد أن تجاوز الثمانين من عمره. الحمار برىء من كشف مقبرة توت عنخ آمون.