x

آلاف الصوماليين يصلون مقديشو سيراً على الأقدام يومياً

الثلاثاء 30-08-2011 17:20 | كتب: سارة نور الدين |
تصوير : أ.ف.ب

تستقبل «مقديشو» آلاف النازحين الصوماليين من مناطق الجفاف يوميا، يفد إليها مواطنو الجنوب بعد رحلة طويلة سيراً على الأقدام، وعلى مشارف المدينة تجدهم يهرعون إلى شوارعها متناسين معاناتهم ليسألوا عن أماكن توزيع المساعدات، فيتكدسون أمام أبواب تلك الأماكن التى غالبا ما تكون مدارس ابتدائية وإعدادية أو ثانوية، بعضهم يبدأ فى نصب كوخه إلى جوار الآخر فى هذه المنطقة، ليمثلوا مع كل فجر جديد تجمعات جديدة يطلق عليها مخيمات الإيواء.

رحلة مئات الآلاف من مدن وقرى الجنوب الصومالى ربما لا يستطيع غيرهم وصفها، يغالبهم البكاء الشديد عند الحديث عنها، وكثير منهم يشعر بالخزى والخجل عندما يسأله أحد القائمين على توزيع المساعدات عما إذا كان قد ترك أحد أبنائه أو زوجته أو والدته فى الطريق فرارا من الموت جوعا، معظمهم أجاب بنعم عن هذا السؤال المؤلم.

المنظمات الإنسانية العاملة فى مقديشو، فى آخر إحصائية لها أوائل هذا الأسبوع، قدرت النازحين إلى المدينة منذ بداية أزمة الجوع الطاحنة بنحو مليون و800 ألف نسمة، وفى حقيقة الأمر فإن هؤلاء هم جزء فقط ممن حالفهم الحظ واستطاع الخروج من المناطق التى تقع فى قبضة حركة الشباب المجاهدين، لأن الباقين فقدوا فى الطريق أثناء النزوح.

«لقد تركت ثلاثة من أبنائى فى الطريق إلى مقديشو، لم استطع حمل الأربعة وأنا أسير على قدمى كل هذه المسافة»، هكذا قالت «حريجة» إحدى السيدات اللاتى قابلتهن «المصرى اليوم» فى قلب العاصمة الصومالية، ظهر على ملامح السيدة إعياء شديد وكادت تسقط أمامنا فجلسنا أمام بوابة إحدى المدارس التى تقدم فيها المساعدات.

استكملت «حريجة» حديثها قائلة إن الرحلة من منطقة «بيدابا» الجنوبية إلى مقديشو استغرقت 3 أشهر سيرا على الأقدام فى الصحراء القاحلة، وأكدت أنها حالفها الحظ فى الوصول إلى مقديشو على قيد الحياة هى وأحد أبنائها الأربعة بعد أن تركت ثلاثة فى الصحراء أحدهم مات أمام عينها ولم تستطع دفنه.

عن حالة «بيدابا» موطن هذه النازحة الأصلى، قالت: «كنا نعمل فى الزراعة وظللنا طوال الأعوام الماضية نأكل مما نزرع، إلا أن الجفاف وعدم سقوط الأمطار أودى بحياة أرضنا ولم نجد ما نأكله، بالإضافة إلى أن حركة الشباب المجاهدين التى تسيطر على قريتنا لم تسمح بمرور الإغاثات إلينا باعتبارنا كفارا ومرتدين، كانوا يقولون ذلك لنا».

دخلت هذه السيدة بعد ذلك إلى المدرسة للحصول على المعونة، طريقة توزيع المساعدات التى تعتمدها معظم المؤسسات الخيرية فى مقديشو موحدة، حيث يقوم أحد القائمين على ذلك بالخروج إلى المخيمات وتحديد الحالات الأكثر احتياجا ثم يقوم بإعطائهم كارتا مكتوباً عليه اسم المؤسسة والمدرسة التى يتم توزيع المساعدة فيها وعلى النازح الذهاب فى توقيت محدد للحصول على معونة شهر كامل حدد حجمها وكمياتها بحسب أفراد الأسرة، وعلى الرغم من ذلك يتكدس مئات النازحين أمام بوابات أماكن التوزيع انتظارا لدورهم، وبمجرد فتح البوابة يتدافعون إلى الداخل فلا يخلو المنظر من مسلحى الحراسة الذين يطلقون العيارات النارية فى الهواء لتفريقهم أو يصوبونها فى صدور أحد المتدافعين إذا استدعى الأمر وقد حدث ذلك مرارا خلال تجوالنا فى المخيمات.

داخل المدرسة، كان عشرات من السيدات والرجال يفترشون الأرضية وأمام كل منهم جوالان من الدقيق ولفافة تمر بالإضافة إلى زجاجة زيت، وبحسب ما أوضحته «حليمة» إحدى النازحات فإن هذه المعونة جيدة وكافية بالنسبة لها ولأسرتها، وعن تلك الأسرة سألناها فقالت: «أسرتى كانت مكونة من زوجى وأربعة أطفال صغار، لكننى الآن مع زوجى وطفلين فقط، فقد تركت طفلين فى الطريق لم نستطع أنا وزوجى حمل كل هؤلاء، مات أحدهم فى الطريق والآخر تركناه بجوار جثة أخيه».

وعن موطنها الأصلى فى الجنوب أشارت إلى أنها من منطقة «ديسون»، وأكدت: «لم نكن ننوى الرحيل عن بلادنا، فزوجى لا يجيد سوى العمل فى الحقل وكل أهالى ورجال القرية يعملون فى الزراعة، وبعد حدوث الجفاف القاسى وانتهاء كل ما لدينا من خزين وطعام فى البيت لم نجد أمامنا سوى النزوح».

خرجت حليمة هى وزوجها وأطفالها ليلا متخفين وسط الظلام خشية أن يبصرهم مسلحو حركة الشباب المجاهدين، فقد هددوا كل من ينوى النزوح من مناطق سيطرتهم بالقتل والتنكيل، لكن كثيرا من أهالى هذه القرية خالفوا تعليمات الحركة وفروا من القتل والجوع، كما تؤكد هذه النازحة التى وصلت «مقديشو» يوم السبت الموافق 20 أغسطس بعد رحلة قاسية استمرت شهرين سيرا على الأقدام.

«جمال» قد تتشابه قصته مع كثير من الصوماليين الجنوبيين، فقد هدده أحد مسلحى حركة الشباب المجاهدين بالقتل لسبب لم يرد الإفصاح عنه، وفى إحدى الليالى قرر أن يخرج فراراً من المدينة باتجاه مقديشو، فترك وراءه أسرة مكونة منوالدته وزوجته وطفلين يبلغان من العمر سنتين و3 سنوات.

بالنسبة له فإن الخروج سالما من منطقة يسيطر عليها شباب المجاهدين أمر ليس سهلا بعد تهديدهم المستمر بقتل كل من ينزح عنها، لكن لم يكن أمامه سوى هذا الحل ليفر من قبضتهم بعد تهديده، ولم يكن هذا هو حال «جمال» فقط بل تكررت هذه القصة لدى عدد ممن قابلناهم فى مخيمات الإيواء.

الشيخ يعقوب أحد النازحين من منطقة «بيدابا»، يبلغ من العمر 80 عاما، بدأ رحلته قبل 3 أشهر، فقد خلالها ابنه الأكبر وحفيدين يبلغان من العمر 3 سنوات، وكما يقول فإن رحلته كانت أسهل من كثيرين على الرغم من طولها، فبعد سيره فترة طويلة لم يستطع تقديرها فاجأته سيارة أحد الشباب المارين على الطريق وحمله معه حتى نقطة على بعد 30 كيلومترا من العاصمة الصومالية، بعدها سار هذه المسافة وجاء ليتسلم بعضا من المساعدات له ولأسرته، وظل يدعو الله أن يغفر لسائق تلك السيارة ويرحمه كما رحمه هو من بعض عذاب رحلة النزوح، وقال: ديننا علمنا أن: «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية