أدلى الناخبون فى جنوب السودان، الاثنين، بأصواتهم فى ثانى أيام الاستفتاء الذى يمتد أسبوعا لتقرير مصير الجنوب إما بالانفصال إيذانا بمولد دولتهم الجديدة، أو باستمرار الوحدة مع الشمال، وشكّل الناخبون طوابير طويلة مجددا أمام مراكز الاقتراع فى جوبا وكبرى مدن الجنوب وسط دعم ووجود أمريكى ورقابة دولية وعربية، بينما اشتعلت الأوضاع فى إقليم أبيى الغنى بالنفط، المتنازع عليه بين الشمال والجنوب، بعد وقوع عشرات القتلى فى اشتباكات بين قبيلتى المسيرية والدنيكا نوك المدعومة من الجيش الشعبى الجنوبى منذ يوم الجمعة الماضى.
واصطف الناخبون فى طوابير أمام مراكز الاقتراع فى جامعة جوبا، ووصل بعضهم ليلا للتأكد من أنه سيكون بين أوائل المقترعين عند فتح مراكز الاقتراع الساعة الثامنة صباحا، بعد أن مر أول أيام استفتاء تقرير المصير دون مشكلات فنية أو لوجيستية أو مواجهات أمنية تذكر عدا إقليم أبيى الغنى بالنفط المتنازع عليه، والذى كان قد شهد أمس الأول مواجهات أسفرت عن سقوط بعض القتلى بين قبائل المسيرية، وشهد أمس مواجهات جديدة أسفرت حتى الآن عن سقوط 32 قتيلا.
ومن المقرر أن تتواصل عمليات الاقتراع لمدة أسبوع حتى 15 من الشهر الحالى بسبب صعوبة الطرق فى جنوب السودان، بينما ستظهر النتيجة الأولية فى بداية فبراير على أن تعقبها النتيجة النهائية للاستفتاء فى 7 من الشهر نفسه أو فى 14 منه إن كانت هناك طعون انتخابية، ويأتى ذلك بينما أفادت تقارير بأن هناك توجهاً لتمديد فترة الاقتراع لمدة ساعة إضافية لينتهى فى السادسة مساء بدلا من الخامسة، لإتاحة الفرصة أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم.
وفى واو عاصمة ولاية غرب بحر الغزال، فتحت مراكز الاقتراع أبوابها فى موعدها وسط قبول كثيف مثل أول أيام التصويت دون وقوع أى خروقات أو تسجيل أى مشكلات أمنية، وأكد وزير الإعلام والبث بحكومة الجنوب، برنابا بنجامين، استقرار الأوضاع الأمنية فى الجنوب، وقال من جوبا إن مشاركة المراقبين «تمثل نقطة فى نجاح عملية الاستفتاء»، وأعرب عن توقعه أن يشهد الاستفتاء إقبالاً كبيراً من الجنوبيين.
وفى الوقت نفسه، لايزال إقليم أبيى الغنى بالنفط مصدر الإزعاج الرئيسى والمرشح لإشعال الخلافات بين الشمال والجنوب، وقال زعماء فى المنطقة ومصادر فى قوات حفظ السلام الدولية إن 23 شخصا على الأقل قُتلوا فى اشتباكات مع بدو عرب من قبيلة المسيرية فى اليوم الثانى للاستفتاء، موضحة أن 33 شخصا على الأقل قتلوا خلال المواجهات بين قبائل المسيرية الموالية للشمال والدنيكا نوك الموالية للجنوب منذ الجمعة الماضى فى الإقليم.
وبينما قال مصدر فى الأمم المتحدة إن هناك تقارير تفيد بأن مقاتلى المسيرية يعيدون تنظيم أنفسهم شمال أبيى، مقر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، اعتبر حزب المؤتمر الوطنى الحاكم أى تصعيد للحركة فى أبيى ضاراً بالاستفتاء والعلاقة بين الشمال والجنوب، وقال القيادى فى الحزب مندور المهدى إن الاشتباكات الأخيرة التى وقعت بين المسيرية والدنيكا تسبب فيها الجيش الشعبى الذى منع المسيرية من الوصول لمناطق المياه، بينما نفى مسؤول بالجيش السودانى الشمالى اتهامات الحركة الشعبية بضلوع أى من قواته فى المواجهات
وهاجم الحزب الحاكم، الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم واتهمه بالسعى لاشعال الفتنة بين الشمال والجنوب على خلفية وصفه السودان بـ«الدولة الفاشلة»، وأكد الحزب أن أموم يخالف توجيهات قيادة الحركة الشعبية التى تدعو لخلق علاقات سلام بين الشمال والجنوب.
فى المقابل، اتهم زعماء قبيلة الدنيكا نوك، حكومة الخرطوم بتسليح ميليشيات المسيرية بالمنطقة وقالوا إنهم يتوقعون المزيد من الهجمات. وحصل سكان منطقة أبيى على وعد بإجراء استفتاء على ما إذا كانت ستنضم إلى الشمال أم الجنوب لكن زعماء السودان لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية إجراء الاستفتاء وتم تأجيله عن موعده الذى كان مقررا أن يتزامن مع استفتاء الجنوب.
وفى الخرطوم، وولايات الشمال الـ15، ساد الهدوء فى ثانى أيام الاستفتاء وسط تأكيدات قيادات الأمن والجيش بأن العملية تسير بسلام، وأكد الفريق محمد الحافظ حسن عطية، مدير شرطة الخرطوم، أن عملية الاقتراع بجميع المراكز البالغة 75 مركزا سارت بصورة طبيعية، وأن الناخبين مارسوا حقهم الدستورى بسلام، مؤكدا هدوء الأحوال الأمنية.
وفى الوقت نفسه، قال الرئيس السودان، عمر البشير، إنه يأمل أن يعكس الاستفتاء إرادة مواطنى الجنوب ورغبتهم بصورة حقيقية وعادلة، وجدد البشير التزام الحكومة باستكمال مرحلة الاستفتاء والالتزام بما تسفر عنه النتائج إذا جاء حراً ونزيهاً وشفافاً، وأكد البشير خلال لقائه الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر مواصلة الحوار مع الإخوة فى الجنوب لحل القضايا المعلقة، مشيراً إلى أنه ستكون هناك علاقات سلام وتعاون بين الدولتين إذا اختار الجنوب الانفصال.
ومع تواجد أمريكى قوى يشرف على عملية التصويت واستعدادات الاستفتاء منذ فترة طويلة بمشاركة جيمى كارتر والسيناتور جون كيرى والممثل الأمريكى الشهير جورج كلونى أحد النشطاء الموالين لانفصال الجنوب، أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى بيان أصدره البيت الأبيض أمس الأول «دعم» الولايات المتحدة «الكامل» للسودان بعد إجراء استفتاء تقرير المصير فى الجنوب.
وأعرب أوباما عن سروره البالغ لقيام «شعب جنوب السودان بتحديد مصيره»، قائلا إنه «مسرور للغاية» لبدء الاقتراع بشأن الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب السودانى داعيا جميع الأطراف إلى عدم الانجرار وراء محاولات الاستفزاز، وأضاف أن «الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بشكل كامل بمساعدة الأطراف فى معالجة القضايا الحساسة بعد الاستفتاء، مهما كانت نتيجة التصويت»، وقال: «على كل الأطراف أن تتفادى الخطاب النارى والاستفزازات التى من شأنها تصعيد التوتر ومنع الناخبين من التعبير عن إرادتهم».
بدورها، اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أن بدء الاستفتاء فى جنوب السودان يمثل «نجاحا» و«يشكل خطوة تاريخية» فى اتجاه السلام، وأكدت أن الشعب السودانى يستحق تصويتا سلميا »سيعكس إرادته».