x

«جُحْر الأرنب».. عندما تتشابك الأيدى من جديد

الإثنين 10-01-2011 15:45 | كتب: فاطمة ناعوت |
تصوير : other

 

البطل الرئيسى الذى تدور حوله الأحداث، غير موجود، طفل فى الرابعة من عمره يلهو فى حديقة منزله، يركض الكلبُ للخارج، فيتبعه الطفل «دانى»، وتصدمه سيارة ويموت فى الحال. من اليسير أن نتصور حال أبوين شابين، فقدا طفلهما الوحيد فى مأساة كتلك، لكن الأم «بيكا/ نيكول كيدمان»، ستتبنى ردة فعل مختلفة، عما عرفناه عن السلوك البشرى المعتاد إزاء تلك المحن. طبيعى أن تتجهم للحياة، وأن تجد سلواها فى زهور الحديقة، تحنو عليها وتسقيها، كأنما هى بديل لطفلها الذى غافلها ورحل. وطبيعى أن تغضب حين تدوس جارتها شتلة زهر وليدة، دون قصد. لكنها تكظم غيظها، وتحاول أن تُعيد الروح إلى نبتتها الصريعة. لكن من غير الطبيعى أن تحاول التخلص من كل ما يذكرها بطفلها: اللعب والدمى، الملابس، لوحات معلقة على الجدران رسمتها الأنامل الصغيرة. نقيض زوجها الذى يقضى أمسياته مع تليفونه المحمول ليشاهد لقطات فيديو كان صورها للصغير، يحاول الزوج أن يحتوى حزن زوجته، لكنها تصده عنها، وترفض فكرة أن يصنعا طفلاً بديلاً، ما يؤكد أن شيئاً من إيمانها بفكرة الوجود، قد انكسر مع شعورها بالأمان. وهو ما تجلى فى انفجارها الهازئ بفكرة الخلق، حينما ذهبت مع زوجها إلى أحد مراكز المواساة، حيث يلتقى آباء وأمهات فقدوا أطفالهم، يتحدثون عن أوجاعهم ويقصون حكايا فقدهم لتفريغ الحزن، ومواصلة الحياة. تحكى إحدى الأمهات عن طفلتها فتقول: «طفلتى عند الله الآن، لابد أنه كان بحاجة إلى ملاك جديد فأخذها»، فتهزأ «بيكا» من سخافة الفكرة قائلة: «ولماذا لا يصنع الله ملائكة جديدة، بدل أن يأخذ أطفالنا؟» تهجر تلك الجلسات، بينما يستمر زوجها «هوى» فى حضورها، تبحث الأم الثكلى عن سلوانها فى أغرب مكان يمكن أن تجدها فيه، قاتل ابنها الشاب المراهق «جاسون» الذى دهس طفلها بسيارته، تتبعه فى باص المدرسة، يجلسان بإحدى الحدائق العامة متجاورين، كل منهما ينظر إلى الأمام ويتجنب النظر إلى الآخر، تُنصت بهدوء إلى اعتذاره المر، وتختلس النظر، بين الحين والحين إلى شعوره بالذنب، الذى يعتصر ملامحه، تحاول التخفيف عنه، بقولها إن تلك الأشياء تحدث رغماً عنا جميعاً، فنحن كبشر مجرد دُمى فى يد السماء، تلعب بنا كيفما تشاء، دون النظر إلى مشاعرنا وأحزاننا. لهذا سامحت هذا القاتل الصغير، بل أصبح صديقها الوحيد الذى نلتمس لديه عزاءها. يخبرها عن كتاب يؤلفه، «جُحر الأرنب»، يحكى فيه أن ثمة ثقوباً فى الكون، تشبه جحور الأرانب، تنتهى بأنفاق تصل بين مجرات الكون العديدة، بكل ثقب رسم الولد ثلاثة وجوه، أماً وأباً وطفلاً، أحياناً تكون الوجوه الثلاثة مجتمعة، وأحياناً يغيب وجهه، مرة وجه الطفل، كما حالة أسرة «بيكا» و«هوى»، ومرة وجه الأب، أو الأم، يخبرها «جاسون» أن الموتى ينتقلون إلى تلك الأكوان المتوازية، بطل كتابه ابن لعالم كبير مات، يدخل الولد أحد تلك الثقوب وينتقل إلى كون آخر، يبحث عن أبيه، ولا يجده، لكنه يجد عشرات الآباء الذين يشبهونه، الفيلم يطرح مقدرة الإنسان على التسامح مع الخاطئين فى حقنا، ولو على حساب إيماننا بالسماء، وبينما يبحث الزوج عن سلواه فى «الماضى» بمطاردة كل آثار طفله الراحل، كانت الزوجة تبحث عن وجودها فى «المستقبل» الأسطورى للأكوان المتوازية، الذى ابتكره جاسون فى كتابه.

الخلفية الموسيقية بالفيولين مع ضربات البيانو الخافتة، نجحت فى خلق وسيط صوتى هادئ مشحون بالشجن، أداء نيكول كيدمان كان ممتازاً، رغم أن المخرج لم يتوسل جمالها وأنوثتها، ملابس كاجوال بسيطة، أداء متجهم، وهادئ يليق بأم ثكلى، مرتان فقط يتصاعد الحوار حتى نقطة الانفجار، مرة مع أمها التى تواسيها وتذكرها بأنها أيضاً فقدت ابنها، فتصرخ بيكا وتقول إن شقيقها مات فى الثلاثين من عمره بسبب المخدرات، فكيف تقارنه بطفلها البرىء! ثم تعلن إلحادها بالله الذى يقتل أبناءنا لكى نتجرع المرارة، ومرة أخرى مع زوجها حين تعلن قرارها النهائى أنها لن تنجب، كيلا تمر بالتجربة من جديد. على أنها فى نهاية الفيلم، ستجد الناس يمضون فى طريقهم، لتكتشف أن الوحيد الذى فى قاربها هو زوجها، فتتشابك الأيدى من جديد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية