مستوى الخريجين لدينا مؤسف وقدراتهم العلمية متدنية، بل إن مهاراتهم فى القراءة والكتابة تثير الشفقة، فما الذى أوصلنا إلى هذا الحال؟، فى اعتقادى أن التربص بالتعليم كان مقصوداً وأن الغرض من تخريبه كان أن يتساوى فى الجهل الذين التحقوا بالمدارس والجامعات والذين لم يلتحقوا، والغاية من هذا هى كسر العزة فى النفوس وفرض الذلة والمسكنة على الناس، ذلك أن الفرد المتعلم حقاً يكون شامخاً واثقاً من نفسه تملؤه الآمال العريضة، ويشعر بوجود بدائل وخيارات فى هذه الحياة، ويكون فى العادة- حتى وهو فقير- قادراً على مناطحة الأقوياء والدفاع عن وجهة نظره والفوز عليهم فى أى حوار وإفحامهم وإلزامهم جانب الدفاع وهم يحاولون تمرير الخيبة وصبغها بكلام تافه مضلل، من عينة الهيكلة والتعويم ومؤشر البورصة وثقافة السلام وقبول الآخر والاعتدال والممانعة. وفى ظنى أن الفارق الأساسى بين المعارضين لحكم السادات والمعارضين الآن هو أنه أيام السادات كان الطلبة متعلمين والخريجون متعلمين والعمال متنورين ومتأثرين بالتعليم، وهو الأمر الذى نجح الحكام فى التغلب عليه فى الثلاثين سنة الأخيرة، فأصبح الجهل الفاضح هو سمة الخريجين. وطبيعى أن الجهلاء ومحدودى التعليم هم أقل من غيرهم ثقة بالنفس وأكثر استعداداً لقبول ما لا يمكن قبوله فى الظروف العادية.
وما لا يمكن قبوله فى كل بلاد العالم، هو أن تكون الوظائف المتاحة للشباب من خريجى المدارس والجامعات فى طول البلاد وعرضها، هى الوظائف الرثَّة قليلة القيمة والتى لا تحتاج فى حقيقتها إلى أى قدر من التعليم. ومثال على هذا وظيفة «رجل الحمّام» وهو العمل الذى يقوم به الشباب داخل المولات والسينمات والمطاعم والكافيهات فى الحمّامات الملحقة بهذه الأماكن. داخل دورة المياه تجد شخصاً لا وظيفة له سوى أن يناولك منديل كلينكس بعد أن تغسل يديك! مع أنه بالإمكان أن يوضع ورق الحمام فى متناول الناس ليأخذوه بأنفسهم. ويلاحظ أن عامل الحمام، الذى لا يحصل على أجر فى الغالب ويعمل بالمجان، يقوم بتخريب المجفف الكهربائى المعلق على الحائط، لأنه يراه عدواً يسلبه البقشيش الذى يشكل كل دخله. هذه واحدة من الوظائف المتاحة للخريجين الآن، بالإضافة إلى وظيفة أخرى منتشرة أيضاً وفى نفس الأماكن التى يقبل عليها الناس للتنزه وتناول الطعام، وهى مندوبو بيع التايم شير وجذب الزبائن للحج والعمرة. ثالثة الوظائف المتاحة للخريجين هى وظيفة فرد أمن، وهى بالطبع لا تحتاج إلى أى قدرات أو مهارات، وهذه الوظيفة بالذات متاحة أكثر من غيرها لحراسة المنشآت الترفيهية والوقوف بأبواب المولات ومجمعات التسوق والمدارس والفيلات والقصور، ولا تخلو إعلانات الوظائف بالصحف يومياً من طلب موظفى سيكيوريتى حتى أصبحت تنافس فى وفرتها إعلانات طلب مندوبى مبيعات، وهى الوظيفة التى يمر بها عادة كل الخريجين حتى يأذن الله بالفرج.
هو تعليم بائس إذن، ينتج عنه خريج مهزوز لا يجد سوى وظيفة رثّة.