هكذا هو حال اللاعب المصري، تضعه الجماهير ووسائل الاعلام تحت ضغوطات نفسية كبيرة تطالبه بضرورة تحقيق الانتصارات والألقاب، فتكون الحصيلة فشل ذريع، بينما على النقيض تمامًا حين يُتوقع فشله من قبل الجماهير والإعلام يُفجر المفاجأة، ويحقق ما لم يكن يخطر على بال أكثر المتفائلين.
سيناريو متكرر للكرة المصرية شاهدناه مرارًا على مدار السنوات الأخيرة، وربما كان التتويج بأمم أفريقيا نسخة 1998 ببوركنا فاسو هو المشهد الأبرز.
قبل سفر بعثة منتخبنا الوطني بقيادة الراحل محمود الجوهري بأيام قليلة لبوركينا فاسو لخوض منافسات أمم أفريقيا 98، طالبت جماهير مصر مهاجم الفراعنة حسام حسن بالاعتزال، وشنت الأقلام هجومها عليه بسبب تراجع مستواه، وتوقع خبراء اللعبة الخروج المبكر للمصرين من منافسات الدورة واحتلال المركز الثالث عشر بمنافساتها وتذيل المجموعة بالدور الأول.
اللقاء الأول كان في مواجهة موزمبيق، وأراد خلاله الفراعنة نزع الثوب الأول من اليأس الذي أدخلته جماهير الكرة المصرية في نفوسهم، وبالفعل نجح منتخبنا القومي بثنائية حسام حسن في حصد أول ثلاث نقاط بالمجموعة.
الفوز على موزمبيق لم ينهي الهجوم على المنتخب المصري، وتوقع سقوطه في المباراة الثانية أمام المنتخب الزامبي، فكانت الخسارة أمام الرصاصات النحاسية بالثلاثة في ربع نهائي نسخة 1996 من المسابقة، لازالت حاضراً في أذهان المصريين وقتها، إلا أن رجال الجوهري لقنوا المنتخب الزامبي درسًا في فنون اللعبة، وعزفوا سيمفونية الانتصار برباعية نظيفة، في «هاتريك» تاريخي لحسام حسن، اعتلى به صدارة الهدافين، وهدف رابع لياسر رضوان، الظهير الأيمن، ليكون الانتصار العريض والتأهل لربع النهائي بداية عودة الثقة لجماهير البلاد وخبراء اللعبة في منتخبنا الوطني.
مدرسة الجوهري الدفاعية تفتح أبوابها في لقاء ربع النهائي أمام منتخب كوت ديفوار، فيتعمد «الجنرال» اللعب بطريقة متراجعة للخلف بشكل بحت، أملاً في إنهاء المواجهة في شوطيها الأصليين والإضافيين بالتعادل السلبي، والوصول لركلات الترجيح واجتياز عقبة منتخب الأفيال، وهو مانجح فيه بالفعل، فتألق الحارس نادر السيد وتصدى لركلة ترجيح حاسمة، وأعلن الثعلب الصغير حازم إمام عن عبور الفراعنة لنصف نهائي العرس القاري للمرة الأولى منذ 12 عاماً، بتسجيله ركلة الترجيح الأخيرة.
وفي مواجهة صعبة بالدور نصف النهائي أمام منظم البطولة منتخب بوركينا فاسو، يستغل حسام حسن السذاجة الدفاعية وخطأ مشترك بين حارس ودفاع المنافس، ويسجل هدفًا يبعثر أوراق أصحاب الأرض، ومن جملة فنية رائعة شهيرة بين حازم إمام وحسام حسن يسجل الأخير بيسراه هدف رائع يحسم به المواجهة لمصلحة الفراعنة، ويؤكد تأهل المصريين للمباراة النهائية.
ويضرب المنتخب المصري موعدًا مع نظيره الجنوب أفريقي حامل اللقب في المباراة النهائية للمسابقة، فلم يكن أكثر المتفائلين يتوقع حصد أبناء الجوهري اللقب على حساب «البافانا بافانا»، المنتخب المكتظ بعدد لاحصر له من النجوم على رأسهم الهداف ماكارثي والقائد مارك فيش، إلا أن أحمد حسن يسجل أولى أهدافه التي اشتهر بها حتى اعتزاله اللعبة، وغالط حارس منتخب «الأولاد» بتسديدة خادعة من على مسافة بعيدة المدى، ويضيف طارق مصطفى هدف التعزيز وتأكيد الانتصار بجملة تكتيكية من سيناريو وإخراج الجنرال محمود الجوهري، ليضرب الفراعنة بتوقعات وتكهنات الخبراء عرض الحائط، ويُسكت حسام حسن الألسنة التي طالبت باعتزاله ويعود وكأنه ابن العشرين من عمره محققًا لقب الهداف مناصفةً مع مهاجم جنوب أفريقيا ماكارثي، ويعانق المصريون الأميرة الأفريقية عن جدارة واستحقاق في إنجاز تاريخي لجيل ذهبي من اللاعبين، ومديره الفني محمود الجوهري، وليكون اللقب الأفريقي الأول للفراعنة خارج حدود مصر، عقب لقب النسخة الأولى 1957 بالسودان.