قبل ساعات من بدء استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، الأحد، سادت شوارع مدينة «جوبا» عاصمة الجنوب حالة من البهجة، السبت، مع قيام أنصار الاستقلال بالرقص والهتاف وتنظيم التجمعات الحاشدة، بينما أعلن الرئيس السودانى عمر حسن البشير أن شمال السودان وجنوبه يمكن أن يشكلا اتحاداً على نمط «الاتحاد الأوروبى» إذا اختار الجنوبيون الانفصال.
وأضاف البشير- فى مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية، الجمعة، أن الجنوبيين يمكن أيضا أن يحصلوا على حقوق حرية الحركة والإقامة والعمل والتملك فى السودان بعد الانفصال، وشدد البشير على أنه لن يطرد أى مواطن جنوبى من الشمال إلا إذا خالف القانون، لكنه أضاف أنه لا يمكن أن يكون الجنوبيون مزدوجى الجنسية، وأنهم سيمنعون من تقلد وظائف حكومية.
وقال البشير إنه لا يتحدث عن اتفاقية للدفاع المشترك، وإن المناقشات تدور بين الجانبين بشأن «قيام اتحاد بين الشمال والجنوب لرعاية المصالح المشتركة، أمنية كانت أو سياسية أو اقتصادية. وفى هذا الصدد نضرب مثلا بالاتحاد الأوروبى»، ولم يحدد الرئيس السودانى المشاركين فى المناقشات، لكن زعماء الشمال والجنوب يجرون مفاوضات بشأن كيفية اقتسام عائدات النفط والديون وقضايا أخرى بعد تصويت الجنوبيين المتوقع بالانفصال.
وأكد البشير أن قرار انفصال الجنوب ليس بيده، مشيرا إلى أنه عمل كل ما فى وسعه من أجل إقناع الجنوبيين بالوحدة، مشيراً إلى أن «الحركة الشعبية لتحرير السودان» هى التى دعت للانفصال مؤخرا، وأوضح البشير أنه يعلم أن «هناك مؤامرة صهيونية عالمية ضد السودان» وأن لديه علماً بمخطط لتفتيت السودان، مشيرا إلى أن المخطط يشمل عددا من الدول العربية وليس السودان فقط، وشدد البشير على وجود إرادة سياسية قوية بعدم العودة إلى الحرب.
وجدد البشير تأكيده على أنه «لا تراجع عن تطبيق الشريعة الإسلامية» فى السودان لحماية المجتمع مما وصفه بـ«محاولات الاختراق» التى تستهدفه، فيما حذر قبيلة «الدنكا نقوك» المرتبطة بالجنوب من ضم منطقة «أبيى» الوسطى المتنازع عليها، قائلاً إن ذلك قد يؤدى إلى صراع.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت حصة القاهرة من مياه النيل ستتأثر فى حال قيام دولة جديدة، قال البشير إن «السودان لديها اتفاقية مع مصر تحدد نصيب السودان الموحد، وقطعا تلك من المسائل المفترض الاتفاق عليها مع إخواننا فى الجنوب حول نصيبهم من السودان».
الاستفتاء ـ الذى سيبدأ اليوم ويستمر لمدة أسبوع، بسبب صعوبة المسالك فى الولايات العشر التى يتألف منها الجنوب السودانى والتى تفتقر إلى أدنى مقومات المواصلات، والذى يشارك فى مراقبته أكثر من 400 مراقب دولى، و2100 مراقب محلى لمنظمات المجتمع المدنى الدولية والإقليمية والسودانية، بالإضافة إلى مشاركة 18 ألف مراقب من الأحزاب السياسية بالسودان ـ الاستفتاء يرى مراقبون أنه لن يشهد توترات أمنية، خاصة بعد خطاب البشير بجوبا، الذى عكس أن الخرطوم ارتضت بالنتيجة مسبقا.
ومن جهته، أكد وزير الدولة بالخارجية السودانية كمال حسن على، أن اليوم سيكون «عادياً وسيمر مثلما هو مقرر له». وأضاف على لـ«المصرى اليوم» قائلاً: «لا أتخيل أن يكون هناك عنف، وسيمارس الناس حقهم بسلاسة فى أجواء مهيأة»، كما استبعد قيام حرب بعد الاستفتاء، واتفق فاروق أبوعيسى الناطق الرسمى لتجمع المعارضة مع الكثيرين على أن اليوم سيمر بهدوء، قائلاً لـ«المصرى اليوم»: «لا أرى مصلحة فى حدوث هرج، فالجنوبيون من مصلحتهم أن ينتهى الأمر بهدوء ليحققوا رغبتهم فى الانفصال، والمؤتمر الوطنى بعد كلمات البشير فى جوبا عمل على هدوء الأمور كثيرا». وعزا عيسى غلاء الأسعار الذى سبق الاستفتاء بأيام إلى «سياسات المؤتمر الوطنى الخاطئة».
وبينما أكدت مفوضية الاستفتاء اكتمال كل الاستعدادات، قالت الدكتورة سعاد إبراهيم عيسى، الناطق الرسمى باسم المفوضية، إن عملية الاقتراع ستتم بكل هدوء، خاصة أن جميع المراكز تم تأمينها تماماً من قبل السلطات، كما أكد جهاز الأمن والمخابرات السودانى استقرار الأوضاع الأمنية فى السودان.
وبدا الشارع السودانى منتظرا وتصحبه حالة من الترقب المشوب بالحذر، فمن ناحيته قال عبدالله أحمد (مواطن شمالى): «إخواننا بالجنوب واضح أنهم يريدون الانفصال، وهذا حقهم فليأخذوه بهدوء»، أما جوزيف أتيم (من الجنوب) فيقول لـ«المصرى اليوم»: «رغم أننى انتظرت هذا اليوم كثيرا فإننى أخشى تبعاته، فأنا أريد انفصال الجنوب، ولكن هل ستستطيع دولتنا الجديدة بناء نفسها بهدوء؟ هذا سؤال كبير نخاف منه».
وبلغ عدد المسجلين للمشاركة فى الاستفتاء ثلاثة ملايين و930 ألفا فى السودان، والشتات بينهم 3 ملايين و754 ألفا فى الجنوب السودانى. ولابد من مشاركة 60% على الأقل من المسجلين فى الاستفتاء لتعتمد نتيجته. وقال ريك ماشار، نائب رئيس حكومة الجنوب الجمعه ، إن كل شىء بات جاهزا لإجراء «استفتاء سلمى وتاريخى».
وعلى الرغم من تلك التطمينات الأمنية، أعلن مسؤول عسكرى فى الجيش الشعبى لتحرير السودان أن 4 أشخاص على الأقل قتلوا السبت فى هجوم قام به مسلحون على قوات هذا الجيش فى ولاية الوحدة الجنوبية.