قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، إنه لا بديل عن التوعية وتغليظ العقوبات لإعادة الحس الجمالى للمواطن المصرى، وعقد ندوات ومحاضرات للطلاب لحثهم على الاهتمام بالجمال فى الفراغ العام.
وأضاف «أبو سعدة» أن الجهاز سيبدأ العام الجديد (2017) فى تطوير منطقة سوق السلاح باعتبارها تراثية، ولم تأخذ حقها من التطوير، بجانب تطوير ميادين فى مختلف محافظات الجمهورية، مشيرا إلى أنه سيجرى إنشاء فروع للجهاز فى المحافظات، لتسهيل التنسيق مع المحليات، بدلا من المركز الرئيسى فى القاهرة.
ورد «أبو سعدة»، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، على الانتقادات الموجّهة للجهاز، بحصر الإنجازات التى تمت عام 2016، ومن بينها تطوير 7 ميادين فى عدة محافظات، وعقد ندوات لتوعية الشباب بأهمية الحفاظ على المناطق التراثية، موضحا أن هناك عدة صعوبات تواجه الجهاز، من بينها التنسيق مع المحليات فى المحافظات.. وإلى نص الحوار:
■ ما رؤيتك لإعادة الوجه الحضارى لمصر بعد عشرات السنوات من غياب الحس بالجمال؟
- لا بديل عن مواجهة تشويه الفراغ العام، من خلال التوعية فى المدارس بأهمية المناطق التراثية، والتراث المعمارى، لتنشئة الطفل على حس جمالى، حيث يمتلك ذوقا فى الملابس، وعلى دراية بالألوان، وكذلك الطلاب فى الجامعات، خاصة طلاب كلية الهندسة، حيث يكونون على دراية بأن الأبنية التى يشيدونها ستكون بعد 100 عام جزءا من تراث مصر، وأن يدركوا أن لكل محافظة هوية وخصائص مختلفة، أبنية الإسكندرية تختلف عن أبنية أسوان. الحكومة أيضا عليها دور من خلال المحليات المطالبة بإزالة المخالفات مثل لافتات المحال التى تتعدى الرصيف، وعدم التزام أصحابها بتناسق الألوان، ومعاقبة من يتعدى على الإعلانات واللافتات فى الطرق، بجانب تغليظ العقوبات فى القوانين، لمنع ظاهرة تشويه المبانى واللافتات.
■ وفق رؤيتك.. ما خطة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عام 2017؟
- سنبدأ العام الجديد بمشروع تطوير منطقة سوق السلاح، لأنها منطقة تراثية مهمة، ولم تنل نصيبها من التطوير، سننطلق من شارع السلطان حسن، ومسجد الرفاعى حتى باب الخلق، مروراً بباب زويلة. هذا سيجرى بالتنسيق مع محافظة القاهرة، ويأتى ضمن مشروع «القاهرة التاريخية». سنعمل أيضا فى المرحلة الأولى من تطوير شوارع عماد الدين، والبورصة، وقصر النيل، بجانب تطوير 10 عمارات فى باب اللوق، والبستان. هناك أيضا مشروع لتطوير ميادين مصر، مثل روكسى، والكيت كات، بجانب ميادين أخرى فى محافظات كفر الشيخ، والغربية، والدقهلية، وتطوير منطقة الكوربة فى مصر الجديدة، وحديقة غرناطة/ وهذا ضمن مبادرة أطلقها الجهاز بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية. وقعنا أيضاً بروتوكول تعاون بعنوان «عاشوا هنا» مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، لتوثيق الأماكن التى عاش فيها رموز مصر، بهدف الترويج للسياحة وإنعاش الثقافة، وإعلاء القيم فى مصر، وتوعية الشباب برموزها. ومن ضمن الفنانين محمد عبدالوهاب، وليلى مراد، ونجيب الريحانى. واعتمدنا فى أول خطوة لتفعيل المشروع على وضع لافتات تظهر المبانى التراثية وأرقام تسجيلها، ومخاطبة النقابات والاتحادات التى يمكن أن نحصل منها على قاعدة بيانات تخص أهم الشخصيات التى عاشت فى تلك المنطقة، وإنشاء قاعدة بيانات بالتعاون مع مركز المعلومات بمجلس الوزراء بحيث يتم تصوير «التطبيق» بالموبايل للدخول إلى قاعدة البيانات التى تبرز أهم المحطات فى حياة الفنانين والأدباء.
■ وماذا عن تطوير المقابر؟
- أعددنا مشروعا لتطوير المقابر التاريخية ذات الطابع المعمارى، ومعروف باسم «مشروع حدود مناطق الجبانات ذات القيمة المتميزة بالقاهرة»، ويشمل جبانات السيدة عائشة، والسيدة نفيسة، ومقابر سيدى جلال، وسيدى عمر بن الفارض، ومقابر الأتراك، والإمام الليثى، وسيدى عبدالله. والجهاز انتهى منذ فترة من إجراء مسح استكشافى بمنطقة جبانات صحراء المماليك والتى تضم «الغفير والمجاورين وقايتباى والشهداء»، والتى ضمت مجموعة من المقابر ذات الطابع المعمارى المتميز، منها مقبرة الوقاد باشا، وضريح الشيخ الحداد، ومقبرة عمر مكرم، ومدفن الأميرة شيوه كار إبراهيم، زوجة الملك فؤاد الأول، ومدفن طلعت حرب. ورصدنا خلال المسح المشكلات التى تعانى منها تلك المناطق، مثل الصرف الصحى. أهمية المشروع تكمن فى وجود ثروة معمارية «عمارة الجبانات، المقابر، والمدافن»، وهى غير مسجلة ومهددة بالاندثار.
■ كيف يدبر الجهاز التمويل اللازم لاستكمال المشروعات فى ظل الأزمة الاقتصادية الحالية؟
- الحفاظ على التراث يحتاج إلى مبالغ طائلة، ولذلك يجرى تنفيذها بالتعاون مع منظمة اليونسكو، والبنوك، ومؤسسات المجتمع المدنى، وشركات التأمين. الدولة لا تستطيع تحمل تكلفة تطوير المناطق الأثرية فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها حاليا.
■ تُوجّه للجهاز انتقادات حادة بدعوى أنه «لا لزوم له»؟
- حجم الإنجازات التى جرى تنفيذها على أرض الواقع، ترد على كل المشككين. فى عام 2016، طوّرنا 7 ميادين فى محافظات مختلفة، وهذا يأتى ضمن مبادرة أطلقها الجهاز لعمل مشروعات ريادية لتكون محاولة للتصدى لأعمال التشويه والتلوث البصرى التى انتشرت فى الميادين. انتهينا من جزء كبير من أعمال تطوير القاهرة الخديوية. وحصل الجهاز على جائزة الاتحاد العام للأثريين العرب التقديرية تقديرًا لما حققه فى الحفاظ على التراث العمرانى فى مصر. وبفضل الضبطية القضائية التى حصلنا عليها، تم حصر وتحرير170 مخالفة وأحيلت للنيابة العامة، فى الفترة من إبريل حتى ديسمبر 2016. عقدنا ندوات ضمن مبادرة «معاً لإعلاء قيم الجمال فى مصر»، فى نادى هليوبوليس، وبيت السنارى، ونادى الشمس، ومكتبة مصر العامة، ونادى المعادى، لتوعية الشباب بأهمية الحفاظ على التراث، باعتباره مقصدا سياحيا مهما. أود أيضا أن أرد على المنتقدين للجهاز بالتأكيد على أن استعادة قيم الجمال فى الشارع المصرى تستغرق وقتا طويلا نتيجة للاختلاف الذى جرى فى الذوق العام، لذلك لجأنا لوضع أسس ومعايير للتعامل مع الفراغ العام بمعنى وضع تشريع يحكم ذلك وتحديد أبعاد فنية يتم التعامل معها، وبدأنا بالمناطق التراثية.
■ لكن المواطن لا يستشعر أهمية الجهاز.
- أعتقد أن هذا صحيح، لكننا بحاجة لوعى فى المدارس والجامعات، ونظمنا مسابقة «تراثى» رمضان الماضى، وهى مسابقة خاصة بالتصوير الفوتوغرافى، ولاقت استجابة من حوالى 2500 متسابق من مختلف المحافظات. وكما قلت أطلقنا مبادرة «معا لإعلاء قيم الجمال فى مصر»، فالإحساس بالجمال أصبح ضعيفا لدى المواطن المصرى لعدم الاهتمام بالموسيقى والرسم فى المدارس.
■ ما رأيك فى ظاهرة تشويه التماثيل مؤخرا؟
- الظاهرة تشير إلى تعمد التشويه وقصدية الإساءة للتاريخ المصرى، ودفع الناس لكراهية الفن، وهنا تجلى غياب دور المحليات.
■ لماذا يتم التركيز على القاهرة والجيزة وتجاهل المحافظات الأخرى؟
- إن حدث ذلك فى فترة من الفترات، فى 2016، طوّرنا ميدان سيدى إبراهيم الدسوقى فى محافظة كفر الشيخ، وميدان أحمد عرابى بشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وميدان مدخل قناطر بمحافظة أسيوط، وميدان المحطة وشارع الجلاء بالزقازيق بمحافظة الشرقية، وميدان المحطة بمحافظة أسوان، وميدان العارف بالله بمحافظة سوهاج. والجهاز أعد أيضاً حدود وأسس الحفاظ على المناطق الأثرية فى الإسكندرية، وبورفؤاد ببورسعيد، واعتمد اشتراطات هذه المناطق من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، وأرسل نسخة منها لمحافظتى الإسكندرية وبورسعيد للبدء فى تطبيق الاشتراطات، وتتضمن المبانى، وواجهات المحال، والتشجير، والطرق والأرصفة.
■ هل توجد صعوبات تواجه الجهاز؟
- توجد صعوبات، ونسعى للتغلب عليها، ليس هناك تنسيق كامل مع المحافظات، لذلك نعد لافتتاح فروع للجهاز فى المحافظات، حتى يسّهل التنسيق مع المحليات، بدلا من المركز الرئيسى فى القاهرة. وهناك صعوبة فى التوصل إلى كل التشوهات بالمناطق الأثرية، ونجحنا جزئيا فى التغلب على هذه المشكلة من خلال إنشاء صفحة على «فيس بوك» نجمع من خلالها شكاوى المواطنين حول المناطق الأثرية، والمشكلة الأخرى خاصة بالمواطن، أى أن صاحب المبنى لا يدرك قيمته، لذلك نعقد ندوات للتوعية بأهمية المناطق الأثرية.