x

د. ياسر عبد العزيز المراجعة النهائية لقانون الهيئات الإعلامية د. ياسر عبد العزيز السبت 31-12-2016 21:12


فى الأسبوع الماضى، صدّق الرئيس السيسى على قانون إنشاء الهيئات الإعلامية، الذى عُرف باسم «قانون التنظيم المؤسسى للإعلام»، حيث بات لدينا، للمرة الأولى فى تاريخ الإعلام المصرى، الأساس القانونى لإنشاء هيئة ضابطة لصناعة الإعلام، وإدارة «مستقلة» لوسائل الإعلام المملوكة للدولة.

ومنذ تم التصديق على القانون لم تنقطع الخلافات بشأنه، ولم يتوقف الجدل إزاءه، وهو أمر كان من الممكن أن يرفد النقاش حوله بأسباب وجيهة للتمتع بالحيوية، إن حافظ على مسلك موضوعى ومقاربة بناءة، لكن معظم ما قيل فى هذا الصدد اتخذ، للأسف، مساراً آخر تماماً.

لقد غابت المعلومات عن هذا الجدل بشكل كبير، وما حضر منها كان معظمه مشوهاً ومبتوراً، وهيمن الغرض السياسى على الكثير مما قيل، ما حرم قطاعات واسعة من الجمهور والمتخصصين والمعنيين من إدراك حجم التغير الذى صنعه إصدار مثل هذا القانون، وحساب تداعياته، على نحو موضوعى.

إن مراجعة هذا القانون، وتعيين آثاره، ورصد إخفاقاته، فى حاجة إلى مقاربة مركزة، لا تتجاهل السياق المحلى، ولا تستبعد المقارنة مع الأوضاع الإعلامية فى دول مختلفة، وهو أمر يمكن السعى لتحقيقه عبر الأسئلة التالية وإجاباتها:

س: لماذا صدر مثل هذا القانون؟ وهل صدر فى الوقت المناسب؟

ج: الأساس القانونى المنظم لصناعة الإعلام فى مصر غير مكتمل، وغير فعال، وغير متفق مع الاستحقاقات الدستورية الواردة فى دستور 2014، وغير متسق مع المعايير الدولية المرعية فى تنظيم صناعة الإعلام؛ لذلك كان يجب أن يصدر مثل هذا القانون، ومعه قوانين أخرى لا تقل أهمية عنه، وقد جاء صدوره متأخراً بكل تأكيد، وأن تأتى متأخراً أفضل من آلا تأتى أبداً.

س: هل يكفى هذا القانون لحل مشكلات صناعة الإعلام فى مصر؟

ج: بالطبع لا. لا يمكن أن يحل قانون، أو ترسانة قوانين، مشكلات صناعة الإعلام فى مصر، لكن سنّ القوانين الكفؤة والفعالة، يمثل الأساس التشريعى اللازم لتطوير الصناعة وحل مشكلاتها. من دون مثل هذا القانون، وما ننتظره من قوانين أخرى، لا يمكن أن نمضى خطوة إلى الأمام فى طريق إصلاح الإعلام وتطويره، وإذا اكتفينا بهذا القانون دون أن نكمله بخطوات قانونية وتدابير عملية أخرى، نكون كمن رقص على السلم.

س: وما القوانين الأخرى التى يجب أن تصدر فى هذا الصدد؟

ج: قانون الهيئات الإعلامية ليس سوى جزء من مشروع قانون أكبر اسمه «مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد». هذا المشروع الأخير كانت أعدته اللجنة الوطنية للتشريعات الإعلامية، على مدى عامين. وهى لجنة ذات تمثيل عريض ومتوازن؛ حيث ضمت خمسين عضواً تقريباً يمثلون كافة أطياف العمل الإعلامى، إضافة إلى أساتذة قانون، وأكاديميين، وخبراء إعلام. استطاعت تلك اللجنة أن تنجز مشروع قانون متماسكا، ينظم صناعة الإعلام، ودفعت به إلى الحكومة، وخاضت جولات نقاش عديدة معها، حتى تم الوصول إلى اتفاق بشأنه، لكن، لسبب غير معلوم، تم إصدار الجزء الخاص بإنشاء الهيئات الإعلامية فقط، والاحتفاظ بالجزء الآخر، الذى يتضمن تنظيماً قانونياً للصناعة، وتعريفاً بالصحفى والإعلامى، وتعييناً للحقوق والواجبات والمسؤوليات، وتنظيماً للحريات. يجب أن تصدر بقية المواد التى أنجزتها اللجنة الوطنية فى قانون جديد. ويجب كذلك أن يصدر قانون الحق فى تداول المعلومات، تلبية للمادة 65 من الدستور، إضافة إلى صدور قانون إنشاء نقابة الإعلاميين، التى من دونها لن يتم تفعيل مواد تشكيل الهيئات الإعلامية، ولن يتم صدور ميثاق شرف إعلامى، ولن يتم تأديب الإعلاميين فى حال تجاوزوا القواعد المهنية. ويجب أيضاً أن يتم إدخال تعديلات قانونية، لإزالة العقوبات السالبة للحرية على جرائم النشر والإذاعة، كما ينص الدستور، ووفقاً لمقترح آخر أعدته اللجنة الوطنية، ودفعت به إلى الحكومة.

س: وما الذى دعا الحكومة، ومجلس النواب، إلى تبنى إصدار قانون إنشاء الهيئات، دون إصدار بقية القوانين؟

ج: هناك ذريعة دستورية، استند إليها أصحاب هذا الاتجاه، وهى ذريعة غير مقنعة لكثير من المتخصصين والدارسين؛ إذ اعتبر «البرلمان» أن الدستور يلزم بإنشاء الهيئات الإعلامية، لأخذ رأيها فى بقية مشروعات القوانين المتصلة بعملها، وهو تبرير يوفر مدخلاً لتفسيرات أخرى من نوع أن الحكومة، و«البرلمان»، يفضلان «تحزيم صناعة الإعلام عبر إنشاء الهيئات، من دون منحها الحقوق والحريات».

س: وما الفيصل فى حسم هذا الخلاف؟

ج: إذا تعاونت الحكومة مع «البرلمان»، وتم إصدار القوانين المطلوب إصدارها، والمعدّة بالفعل، فى توقيتات مناسبة، سيتم قبول التبرير الدستورى، وإذا حدث أى تراجع أو تباطؤ فى استكمال تلك المنظومة التشريعية سيتم ترجيح التفسير السياسى؛ وهو أمر سيضر سمعة السلطتين التنفيذية والتشريعية كثيراً.

س: وكيف يمكن أن نُقيّم قانون الهيئات الإعلامية بشكل موضوعى؟

ج: من مميزات هذا القانون أنه الأول من نوعه فى مصر، يسن تشريعاً لإنشاء أول هيئة ضابطة على غرار الدول المتقدمة، وينص على تشكيلة متوازنة لهذه الهيئة وغيرها من الهيئات الإعلامية، ويأخذ الصحافة الإلكترونية فى الاعتبار، ويوفر السبل الفعالة لإخضاع الأداء الإعلامى للتقييم، والمساءلة والمحاسبة، ويعجّل بإنشاء نقابة الإعلاميين التى طال انتظارها.

لكن من عيوبه أنه لا يعنى شيئاً فى حد ذاته، ولا يستكمل جدواه إلا بصدور بقية القوانين المشار إليها سابقاً. إنه خطوة مهمة، لكن من دون الخطوات التى تتلوها لا معنى لها.

من عيوبه أيضاً أنه لم يوفر الأساس القانونى المناسب لحل مشكلة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وترك الباب مفتوحاً لإعادة إنتاج أوضاعها السابقة.

س: وكيف يمكن أن نضمن فاعلية هذا القانون فى حل مشكلة الإعلام فى مصر؟

ج: يجب أن نعرف أن القانون مجرد عنصر فى حزمة متكاملة من العناصر التى تضمن مجالاً إعلامياً رشيداً؛ لذلك ينبغى أن تكون هناك إرادة سياسية لضمان مجال إعلامى حر ومتعدد ومسؤول ومتنوع فى مصر. من دون تلك الإرادة، يمكن أن يتحول مثل هذا القانون إلى وسيلة لإحكام السيطرة على المجال الإعلامى. إن الهيئات التى ستقوم بإدارة المجال الإعلامى تضم أعضاء، سيتم اختيارهم من قبل سلطات وهيئات حكومية وغير حكومية، وهؤلاء يمكن أن يحولوا هذا القانون إلى آلية لتجميد الأوضاع وإعادة إنتاج البيروقراطية السلطوية، أو أن ينطلقوا من القانون إلى فضاء أكثر حرية ومسؤولية؛ وكلما كانت الاختيارات رشيدة، كان النجاح قريباً، والعكس صحيح.

القانون صدر، والهواجس قائمة، والآمال أيضاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية