x

خليك بالبيت.. ويبقى الحنين لأول منزل

الجمعة 07-01-2011 17:51 | كتب: صفاء سرور |
تصوير : other


«إحنا خلاص هنتنقل لبيت تانى» عبارة قد يشعر معها البعض بالانقباض والغضب وقد يشع آخرون بالفرحة، وتدور فى النفس بعض تساؤلات بيوتنا هل هى مجرد أربعة حيطان أم لها فى وجداننا مكانة لا نعرفها إلا حين الرحيل؟ عن الحنين للبيت القديم قال أبوتمام «كم من منزل فى الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل».. وهو ما أكده أحد الحكماء حينما قال إن بيت الإنسان كقلبه، إن لم يكن هو قلبه الظاهر.. ترى بماذا تشعر فى كل مرة تغير فيها قلبك؟


يقول الفنان محمد رياض: عندما أنتقل من منزل لآخر أشعر بأننى مقبل على حياة جديدة، خاصة أن السبب الرئيسى وراء تغيير الإنسان لمنزله غالبا ما يكون تحسين الأحوال المعيشية بالانتقال لمكان أهدأ أو أوسع، وهو ما يضفى على الإنسان نوعا من الراحة النفسية رغم فراقه لبيته الأول، مع العلم بأن الأمور المادية لا توضع فى الاعتبار، لأن الانتقال لمنزل جديد يكون بمثابة بناء من الصفر بهدف الراحة.


مررت بتجربة الانتقال بين المنازل كثيرا فى صباى تماشيا مع طبيعة عمل والدى وهو ما سبب لدىَّ مشكلة فى تلك المرحلة، خاصة فى تكوين الصداقات لأنه كان من الصعب علىّ تكوين جماعة جديدة والابتعاد عمن اعتدت عليهم.


وأذكر أن أصعب تجربة لفراق البيت كانت مع منزل المنيرة، الذى يعد أكثر المنازل التى أحن إليها حتى يومنا هذا.. فهناك فى شارع قصر العينى يوجد أغلب أصدقائى المقربين، الذين كنت أذهب معهم للسينما والنادى والمدرسة وحتى لعب الكرة.. تركنا المنزل وأنا فى سنة أولى جامعة وذهبنا إلى العباسية ورغم مرور كل هذه الأعوام مازلت أذهب إلى المنيرة، كلما كنت قريبا منه، أمر بسيارتى بين الشوراع التى أشتاق إليها.


السكن بالنسبة لى تركيبة كاملة من الناس والذكريات والحياة اليومية وليس مجرد جدران وأساس، فهو مشاعر ودفء وسكينة لا تستبدل بسهولة.. ومع كثرة تنقلى بين المنازل أعتبر نفسى الآن محظوظا، حيث يقع منزلى الجديد بالقرب من المنزل السابق فى نفس المنطقة بالهرم وهو ما يشجعنى على الذهاب إلى هناك بين الحين والآخر لأسترجع ذكرياتى فيه. من واقع تجربته الحالية يتحدث كمال زاخر، منسق التيار العلمانى، قائلا: أمر بهذه التجربة الآن، حيث سأترك منزل شبرا وهو «بيت العيلة» الذى ولدت وعشت به منذ الطفولة لأذهب إلى مدينة نصر وهى تجربة صعبة بالنسبة لى لارتباطى بالمكان عاطفيا، خاصة أن شبرا مكان شعبى ومعروف جيدا متانة العلاقات بين أهله، عكس الأحياء الجديدة التى تتسم فيها العلاقات الإنسانية بالفتور.. فالحميمية مع المكان وأهله هو ما تربى عليه جيلى، على العكس من جيل أبنائى الذى لا يجد صعوبة فى الانتقال بين أكثر من مكان خاصة أن المصلحة والظروف كثيرا ما تحتم عليه ذلك.. وهو ما دفعنى للموافقة على هذه الخطوة الآن، فبعد سن المعاش تقل الضغوط والتأثيرات على الإنسان وأعتقد أننى لو كنت أصغر سنا عن الآن لكانت فكرة ترك المنزل تفرق معى بصورة أكبر.


ورغم انسياقى وتغليبى لمصلحة أبنائى إلا أننى مازلت أشعر بحالة غريبة تنتابنى، حيث لا أتصور التاريخ الذى سأخلفه ورائى فى هذا المكان ممثلا فى ستين عاما عشتها فيه مع خوفى من انقطاع العلاقة بعد فترة، حيث ستستمر فى البداية بالاتصالات وتبادل الزيارات التى قد تقل تدريجيا لتختفى مع الأيام.


وعن متاعب الانتقال من منزل لآخر تقول دكتورة سمية حسن، رئيس قسم الإرشاد السياحى بجامعة حلوان: مررت بتجارب انتقالات كثيرة ومنها تأكد لى أن الأمر ليس سهلا على الإطلاق، فهو يحتاج إلى عقلية مرتبة، بحيث لا تخسر الكثير من المقتنيات أو الشكل الجمالى للأثاث بعد الانتقال للمكان الجديد فهذا هو أكثر ما يؤرق كل من يمر بهذه التجربة.


أصاب بالقلق فى كل مكان انتقل إليه لأننى أحب أن يكون كل شىء فى مكانه، خصوصا كتبى التى تجهدنى جدا فى نقلها وكيفية تصنيفها مرة أخرى حسب فهرستها، خاصة أنى أقوم بهذا بنفسى لأنى لا ائتمن أحد عليها.. وسرعان ما اعتاد على المكان حالما يكتمل تنظيمه فأعتاد عليه فى غضون شهرين فقط.


أعانى أيضا كلما انتقلت من منزل لآخر من مصاعب وجدانية تتمثل فى ابتعادى عن المكان بأهله وذكرياته وهو ما أحاول عبثا التغلب عليه بالتواصل المستمر معهم.. وتعد تجربة انتقالى من بلدى الإسماعيلية إلى القاهرة أثناء النكسة أصعب ما مررت به فى حياتى فقد كنت طفلة صغيرة ولا أعى شيئا مما أره حولى من مشاهد دمار وكان لزاما علىّ مغادرة المكان والابتعاد عن جيرانى ومدرستى والشواطئ والحدائق التى كنت أذهب إليها مع أصدقائى وهو ما تسبب لنا جميعا فى ألم شديد، حيث أجبرنا على ترك بيتنا الذى نشأت فيه ورغم أن أهلى عادوا إليه مرة أخرى إلا أننى للأسف لم أتمكن من ذلك لظروف عملى بالقاهرة وكل ما أستطيع القيام به الآن هو زيارته من حين لآخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية