يعتبر ساطع الحصري، الملقب بـ«أبوخلدون»، أهم منظري القومية العربية الذين أرسوا دعائم نظريتها، حتى اعتبر «فيلسوف» القومية العربية، فعلى مدى ما يقارب القرن، حمل ساطع الحصري الشاب والكهل والعجوز لواء القومية العربية فكرًا وممارسة من مدخل التربية والتعليم والعمل الفكري والتنظيري.
أسس «الحصري» نظم تعليم متقدم وألف المناهج المدرسية والجامعية، ناهيك عن عدد كبير من المؤلفات والكتب التي تناولت القومية العربية من جوانبها المتعددة السياسية والاجتماعية والفكرية والنضالية، بحيث أطلق عليه لقب «رائد الوحدة الثقافية العربية».
ولد ساطع الحصري في 1880 في صنعاء عاصمة اليمن، من أبوين سوريين قدما من حلب، وكان والده رئيسًا لمحكمة الاستئناف في صنعاء، وتعود أسرة «الحصري» إلى أصول حجازية، وكانت الأسرة قد انتقلت إلى حلب في 1472 أي قبل دخول العثمانيين إليها، وفي حلب تلقى والده العلوم الشرعية، وأتم المرحلة الجامعية في الجامع الأزهر بالقاهرة، ثم عين بعد تخرجه قاضيًا شرعيًا في دير الزور، ثم حماة، قبل أن يُنقل إلى صنعاء رئيسًا لمحكمة الاستئناف فيها.
وتنقل الأب بعد ذلك في أرجاء الإمبراطورية العثمانية، فعمل قاضيًا في بلدان مختلفة إلى أن عاد إلى اليمن، ثم قونية ثم طرابلس الغرب، وكان «ساطع» الذي أتم الدراسة الابتدائية النظامية، ثم انتسب للمدرسة الإعدادية الداخلية الملكية الشاهانية في الأستانة، محبًا للدراسة، وأتم دراسته العالية في إسطنبول سنة 1900 حاصلًا على إجازة في العلوم السياسية والإدارية.
وبدأ حياته العملية موظفًا في بلاد البلقان حتى 1908، وبدأ بالتدريس في ثانوية يانيا الواقعة على الحدود بين اليونان وألبانيا لخمسة أعوام، ثم استقر في إسطنبول أستاذًا للتربية في دار الفنون، ثم عهد إليه بمركز مدير إدارة مدرسة دار المعلمين، وألف عددًا من الكتب المدرسية في العلوم الطبيعية منها «دروس الأشياء» و«معلومات زراعية» و«علم النبات» و«التطبيقات الزراعية» وقررتها وزارة المعارف العثمانية في مدارسها ومعاهدها الرسمية.
واحتل «الحصري» مكانة رفيعة في الدولة العثمانية، وانتخب عضوًا في «جمعية المطبوعات العثمانية» وانخرط في جمعية «الاتحاد والترقي»، ثم حمل راية القومية العربية وجعل من نفسه منظرًا لها، وفي هذا قال: «أنا عربي، وعندما انفصل العرب عن الإمبراطورية العثمانية، لم يكن لي خيار سوى الانضمام إليهم».
بعد استقلال سوريا عن تركيا وتولي الأمير فيصل الحكم فيها، انتقل الحصري بأسرته إلى دمشق قادمًا من القاهرة في 1919، وعينته الحكومة السورية الوليدة مفتشًا عامًا للمعارف ثم مديرًا عامًا للمعارف في سوريا، ويوم أعلن المؤتمر السوري استقلال سوريا وتُوج فيصل بن الحسين ملكًا على سوريا، بتاريخ 8 مارس 1920، اختير «ساطع» وزيرًا للمعارف، ولازم الملك فيصل وعمل معه على بناء أول حكومة عربية أتت نتيجة للثورة العربية الكبرى، وبعد موقعة ميسلون واستشهاد يوسف العظمة، واحتلال الفرنسيين دمشق غادر سوريا مع ملكها المبعد عن العرش فيصل الأول، مرافقًا له في رحلاته بين العواصم الأوروبية، ثم لجأ إلى مصر عام 1920 وأقام فيها قرابة عام.
في عام 1921 اتفق «ساطع» مع الملك فيصل على الإشراف على العملية التربوية في العراق، فرحل إليها وأقام فيها حتى عام 1941، ووضع خططا لإصلاح التعليم في العراق وتقلد العديد من المناصب التربوية، ثم أبعده الاحتلال من العراق في 1941، وفي 1944 دعته الحكومة السورية للعمل مستشارًا فنيًا للمعارف لثلاث سنوات.
انتخبه مجمع اللغة العربية في دمشق، في 1945، عضوًا تقديرًا لمكانته العلمية، واعترافًا بما أداه للغة العربية من خدمات.
وانتقل «ساطع» إلى القاهرة وعاش فيها 20 عامًا بعد أن دعته وزارة المعارف المصرية سنة 1947 ليعمل أستاذًا في معهد التعليم العالي في القاهرة، وكلفته بمنصب المستشار الفني للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، عام 1948، ثم استقال وتفرغ للبحث والتأليف.
في عام 1965 أعيدت إليه الجنسية العراقية التي حرم منها، فعاد إلى بغداد وعاش هناك ثلاث سنوات، إلى أن توفي زي النهاردة 23 ديسمبر 1968.