بالملابس الرسمية والتصريحات الرسمية، بزخم المنصب وقيوده واشتراطاته، بالمظهر الحاد والكلمات والنظرات والخطوات المحسوبة، يتحركون فى الحياة، كمن يسيرون على طريق، لو حادوا عنه لسقطوا فريسة ألسنة الناس والإعلام.
نسميهم الشخصيات العامة.. سياسيون ومفكرون ومثقفون، أولئك الذين يمتلك الناس حياتهم كاملة، لا نعرف عنهم غالبا سوى ما تقتضى مناصبهم أن يفصحوا عنه، حتى ليظن البعض أنهم يتنفسون المناصب والمسؤوليات والمهام والحياة الرسمية المرسومة بعناية، خلف تلك الأقنعة تختفى تفاصيلهم الصغيرة، وحكاياتهم اليومية كبشر عاديين يتنفسون ويأكلون ويشربون ويحبون ويكرهون مثلنا. «المصرى اليوم» فى رحلة أسبوعية لاستكشاف الجانب الآخر فى حياة المشاهير والشخصيات العامة، بحثا عن أجوبة لأسئلة طالما لم نعثر على إجابات لها وأهمها السؤال الأصعب فى حياة أى شخص: كيف يعيش؟!
إبراهيم سليمان حاول إبعادى من «المقاولون العرب» بعد شائعة أن الجنزورى يريدنى وزيراً
والدته سليلة الباشوات وأبوه من عائلة عصامية بدأت من الصفر عانت وكافحت حتى أصبح لها اسمها وسمعتها، ورغم ذلك وربما لهذا السبب يفتخر دائما بعائلته من أبيه، فيحكى بكل إعزاز وفخر أن عمه محمد اضطر لأن يترك الجامعة كى يزرع الأرض ويعمل، وعمه عثمان أحمد عثمان، مؤسس «المقاولون العرب» وزير الإسكان الأسبق، كان يفتخر بأنه (جاب) شهادة فقر ليخفضوا له مصاريف الجامعة، وهو نفسه عانى منذ نعومة أظافره، حيث مات أبوه وعمره 6سنوات ومنع من رؤية والدته وعمره 14 عاما بأوامر من عمه عثمان، لأنها تزوجت بآخر، ورغم الأسى الذى كسا ملامحه ونبرة الحزن التى تغلب على صوته ونظرة المعاناة والحرمان التى تملأ عينيه فهو لا يكف عن إلقاء النكات والقفشات حتى إنه يضحك كل من حوله، شخصيته من نوع نادر متخمة بالثقة والرضا والمشاعر حتى إنه استطاع أن يحب وهو جد وأعلن حبه للجميع بزواجه من ماجدة موسى رحمها الله التى كانت حبه الذى تحول الى عشق نادر تتمناه أى امرأة ولكنها توفيت وتركته يعانى ألم الفراق والحرمان، ولكن زوجته الأولى مها دفعها أصلها لأن تشاركه آلامه ووقته العصيب وأبت أن تتركه وحيدا فعادت لتعيش معه فى الفيلا.
«نرحب بك فى البيت اللى كان جميل بالست اللى كانت معايا فى كل حتة»، هكذا بدأ استقباله لى وحديثه معى، وبشكل تلقائى عفوى أخذنى فى جولة الى كل ركن فى البيت كما يسميه هو، وأراه أنا فيلا فخمة مصممة بشكل راق وغنى حيث لم يبخل عليها بشىء من الممكن أن يضيف إليها جمالا حتى حمام السباحة جعل بدايته فى آخر غرفة استقبال، ويمتد إلى خارج الفيلا، بدأ يعرفنى بالصور.. هذه ملكة جمال العالم «نبيستا وليام» كانت ملكة جمال أمريكا ومثلت مع أرثر ميجورفيلم «جوز مارياشرايزر»، وهنا مع جورج بوش الذى كان فرحا لأنه يتصور معها، ويحكى: «نحن كنا نذهب إلى البيت الأبيض كل سنة منذ ولاية كلينتون فهذه صورة لنا فى البيت الأبيض، وهذه مع الهانم وده عبدالسلام المحجوب وده شرودر مستشار ألمانيا السابق».
فى الدور الأرضى الصور فى كل ركن بالفيلا، أما الدور الثانى وتحديدا فى المكتبة التى تظهر بمجرد الخروج من المصعد فهى متخمة بالصور والكتب وشرائط الفيديو والسيديهات، لكن الصور هى اكثر وموجودة تقريبا فى كل سنتيمتر من المكتبة وهو يعيش معها بشكل ملحوظ، فقد استمرت مدة لقائنا به أكثر من 3ساعات وفى كل سؤال تكون إجابته قصيرة ومقتضبة يعقبها تعليق على صورة وعرض لأخرى وهكذا وحكاياته مع الصور متواصلة.
■ هل زواجك الأول كان عن حب؟
- آه مها أنا قلت لها سأتزوجك وهى فى عمر9 سنوات، كانت جارتنا فى الإسماعيلية وعمرى آنذاك كان 13 سنة، ومرت ايام وتزوجتها فعلا بعد تخرجى عام 1966، وكان عمرى وقتها 23 عاما.
■ هل لديك أولاد؟
- نعم محمد وسلوى.
■ هل تعتبر نفسك غنيا؟
- مستور.
■ ما مساحة هذه الفيلا؟
- فدان ونصف.
■ من أين أتيت بها؟
- عمى عثمان هو الذى اشتراها وأهداها لى.
■ ما الطقوس التى تحب ممارستها يوميا؟
- لابد أن أسبح فى حمام السباحة يوميا ولمدة ساعة بأمر من الطبيب.
■ كم عدد أعمامك؟
- ثلاثة محمد وعثمان وحسين.
■ ومن أقربهم إليك؟
- عمى عثمان هو الأقرب لأنه هو الذى ربانى بعد وفاة والدى وعمرى 6 سنوات، وأدخلنى مدرسة داخلية «فيكتوريا» وأدخل ابنه محمود معى فى نفس المدرسة.
■ وأين كانت والدتك؟
- ربتنى حتى وصلت سنى إلى 14 سنة ثم منعنى عمى وإخوتى البنات من رؤيتها.
■ لماذا؟
- لأنها تزوجت بعد وفاة أبى بثمانى سنوات.
■ تزوجت ممن؟
- عبدالمنعم الصاوى.
■ كم استمر قرار المنع هذا؟
- عامين، كانت تقف فى البلكونة فى فيلا جدى المقابلة لفيلا عمى كى ترانا وكان ممنوعا علينا أن نذهب لفيلا جدى لنسلم عليها، وهمس قائلا: المعاناة تخلق الرجال.
■ هل عانيت فى حياتك؟
- عانيت كثيرا وحرمت من أشياء كثيرة، كنت أكبر إخوتى حيث كان لدى أختان، لكن نعمة ربنا كانت كبيرة حمانى من أجهزة كانت تريد أن تدمرنى.
■ ما الذى تتذكره لأمك؟
- أمى ربتنى تربية نظيفة للغاية، فملاءة السرير يجب أن تكون مشدودة ويجب أن أغسل أسنانى قبل النوم ولا يمكن أن أشرب من كوب أحد، أو أنام على (مخدة) أحد أو آكل مكان أحد، تربية نظيفة للغاية.
■ أتعلم كيف تعرفت على والدك؟
- نعم كانت تدرس صحافة، وأبى كذلك رغم أنه كان مدرسا فى كلية الهندسة، لكن لأنه أصبح رئيس تحرير مجلة نقابة المهندسين قرر أن يدرس «صحافة» كى تزيد ملكات الصحافة لديه، وهناك رأى أمى أوفسيت وكانت متفوقة، وكان الدكتور دائما يسأل ويقول أريد «أوفسيت» تجيب، وفى إحدى المرات سأل سؤالا فقال أبى له: وعايز «أوفسيت» هى اللى تجاوب برضه؟ فطرده الدكتور، بعدها ذهب فورا ليخطبها من جدى، وجدى وافق.
■ وهل كانت من عائلة غنية؟
- كانت من عائلة كلها باشوات والدها إسماعيل وهبى، وعمها الفنان يوسف وهبى وجدها عبدالله باشا وجدها من الناحية الثانية عبدالخالق باشا مدكور شهبندر تجار مصر وبنت خالة أمى بهية مدكور، والدة حاتم صادق، الذى تزوج بنت عبدالناصر ووالده محمد مدكور كان رئيس مجمع اللغة العربية، فعائلة أمى باشوات وعائلة أبى بنت نفسها من الصفر، وجدى لوالدتى كان يحبنى جدا، ووالدتى كانت بيضاء، وأنا طالع لأعمامى، ووالدى أسمر.
■ وما الذى تتذكره عن أبيك؟
- كان أول سكرتيرعام لنقابة المهندسين، وكان شخصية جميلة، توفى وعمره 36 سنة.
■ هل كان مريضا؟
- مات وهو فى الحمام. كان يوم خميس، وكان يستمع لأم كلثوم، وعندما غاب بحثوا عنه فى كل مكان ثم دخلوا الحمام فوجدوه على الأرض متوفى بأزمة قلبية.
■ وماذا عن عمك عثمان؟
- عمى حبيبى هو الذى ربانى، ولد فى حارة عبدالعزيز فى الإسماعيلية، ويفتخر بأنه «جاب» شهادة فقر علشان يخفضوا مصاريف الجامعة، وكان رجلا خلاقا يعرف الفرصة، وكيف يستخدمها فهو كان قائدا وزعيما ومديرا وشخصيته كانت جميلة، وكافح كثيرا ونحن أصلنا من العريش، وأجدادنا من البوسنة والهرسك.
■ أتقتصر علاقتك بعمك عثمان على أنه رباك فقط؟
- هو ربانى وعلمنى كل شىء فى حياتى، وكان يدربنى فى شركةالمقاولون العرب، وأنا فى السنة الأولى بالجامعة، وعندما تخرجت فى كلية الهندسة بتفوق وكنت الأول على الدفعة، اختارونى معيدا، وفى صباح اليوم التالى لتعيينى، ونحن نتناول افطارنا فوجئت به يقول لى «إمضى» فسألته أمضى إيه؟ فقال إمضى الأول، وبعدين اقرأ فوقعت على الورقة، التى أعطانى إياها وإذا بها استقالتى من الجامعة.
■ وما الذى حدث بعد ذلك؟
- الجامعة رفضت استقالتى، وقالت هذا تكليف ونريده معنا معيدا.
■ وما سبب رغبته فى استقالتك؟
- أرادنى أن أعمل معه، ربانى وعلمنى وفعلا ذهبت معه.
■ وماذا كان رد فعله عندما رفضت الجامعة الاستقالة؟
- لم يرضخ لهم، وأصدر قرارا وزاريا بقبول استقالتى من الجامعة، وأخبرنى به وأنا أعمل معه.
■ وهل تم تعيينك فى الشركة؟
- نعم لكن بعد قصة، لأنه عندما أراد أن يعيننى فى المقاولون قالوا له ممنوع لأنه قريب أقل من الدرجة الرابعة، والشركة قطاع عام وليست شركة أبوك، فأصدر قرارا وزاريا بتعيينى فى المقاولون العرب.
■ ما الذى حدث بعد قرار التعيين؟
- نادانى وقال لى «يا إسماعيل أمامك سكتين يا تبقى هنا جنبى وأجيب لك بدلة حلوة وعربية فخمة بسواق لابس برنيطة ويقول لك يا سعادة البيه ويا باشا، وأجيب لك مكتب جنبى وإنت عندى ما تسواش 3 تعريفة، أو تروح أبعد مكان، وشغلك هو اللى يجيبك أنا ماليش دعوة بيك عايزك تشتغل وتنجح، ونجاحك هو اللى يكبرك وتفضل تكبر بعملك مش أجيبك جنبى علشان إنت ابن أخويا».
■ وماذا اخترت؟
- قلت له حاضر، وذهبت للعمل فى أماكن كنت أنام فى خيام والعقارب تهاجمنا، وأحيانا لا نجد مياهاً، وجلست مع عمال وتربيت مع عمال ونجارين وحدادين، وذات مرة دخل مسمار فى قدمى ومرة ثانية أصبت فى رأسى... إلخ.
■ وماذا تعلمت؟
- تعلمت أننى أصلح وحدى دون من حولى، ولابد أن تحبك الناس وتحترمك وأنت تحبهم وتحترمهم.
■ لماذا لم ترفض قرار الاستقالة الذى أخذه عمك؟
- لأنه هو الكبير «بتاعنا» وهو الذى يفهم كل شىء ويريدنى أتعلم.
■ كنت تحبه أم تخاف منه؟
- أحبه أكثر ولم أخف منه أبدا، وأتذكر أنه كان يقول لى «تعال سجل لى أم كلثوم» وكنت أقول له «ياعمى لدىّ امتحان غدا»، فيقول لى «انت بتطلع الأول اقعد أقعد»، فهو كانت شخصيته جميلة.
■ هل كان خفيف الظل؟
- طبعا.
■ هل ورثت خفة الظل منه؟
- قال بخجل (يعنى شوية كده)، هو كان رجلا عظيما، كان إنسانا بمعنى الكلمة، وكان يعيش بالجلابية، ولهذا كان السادات يحبه جداً.
■ من هم الذين أرادوا تدميرك؟
- أكثر شخص أذانى هو وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان كان يريد أن يبعدنى بأى شكل عن الشركة.
■ لماذا؟
- انتشرت شائعة بأن الجنزورى سيختارنى وزيراً للإسكان، ومن وقتها بدأت المشاكل، ولكن الرجل اتصل بى بعد أن ترك الوزارة وصالحنى.
■ وهل قبلت الصلح؟
- أنا عمرى ما كرهته.
■ أتعتقد أنك كنت تستحق أن تكون وزيرا؟
- لا أستطيع أن أقول نعم أو لا، كان يمكن أن أتولى الوزارة ولا أنجح، النجاح له مقومات كثيرة والمبادئ والأخلاقيات «كويسة» لكنها ليست شرطا للنجاح فى الحياة العملية.
■ تقصد أنك كان من الممكن أن تفسد؟
- لا طبعا، أنا كان ممكن «أضرب كرسى فى الكلوب إن ما كانش عاجبهم، ماهى مش شطارة إن الكرسى ينّسى الدنيا».
■ كيف تعيش الآن؟
- أعيش حياة كريمة بوجودى وسط أقاربى وأهلى الذين يحبوننى فعلا، وما فعلته وأفعله معهم يجعلهم لا يتركوننى أحتاج لشىء، وأى شىء يشعرون أننى أحتاجه يوفرونه لى فوراً.. والعلاج هم الذين يعالجوننى، واضطررت إلى بيع أشياء عندى لكى أعيش حياة كريمة ولا أطلب شيئاً من أحد.
■ ما الذى اضطررت لبيعه حتى لا تطلب شيئا من أحد؟
- بعت فيلتى التى كانت فى مارينا -فيه حد يبيع فيلا فى مارينا- بعد أن ظللت أدفع ثمنها 10 سنوات، وكنت اشتريتها من أيام التعمير، وأخذتها من إبراهيم سليمان، أعطانى فيلا معقولة.
■ هذا قبل حدوث مشاكل بينكما؟
- طبعاً المشاكل حدثت بعد أن انتشرت شائعة أن الجنزورى يريدنى وزيراً «مش عايز أقول كل حاجة».
■ توجد رسوم كاريكاتيرية كثيرة معلقة هل أنت الذى رسمتها؟
- لا اشتريتها ولدى الآلاف منها، وكل ما أفعله أن أعيد ترتيب الكراسى على «ديسك» التيتانك.
■ ماذا تقصد؟
- يهيأ لىَّ أن كل ما أفعله اليوم هو «التيتانيك» المركب التى غرقت، «أنا عمال أجيب الكرسى ده مكان ده والتيتانيك بتغرق، فحاسس مهما عملت أى حاجة هاتغرق، هاتغرق، بتعبر عن كل الشخصيات الموجودة».
■ من هذه الشخصيات؟
- «أى حتة مش مظبوطة هاتغرق، أى حتة فيها فساد جامد هايحصل فيها إيه، لازم فى يوم من الأيام هاتغرق، وكلى تفاؤل إن شاء الله فيه خير.. ومصر هايبقى فيها خير».
■ تقصد أن مصر ليس فيها خير الآن؟
- فيه فقر وأشياء كثيرة موجودة يجب أن تحل.
■ هل تعتقد أنه من السهل اتهامك بالغرور؟
- لا أحب الغرور أبداً.
■ ربما لأن شخصيتك صعب فهمها؟
- لا.. لا أظن ذلك، ربما يقول البعض إننى أستعرض الآن.
«ودخل طفلان جميلان فقال لى.. دى سارة حفيدتى وده إسماعيل اسمه إسماعيل عثمان مؤدب جداً ما يقولش غير حضرتك وسيادتك وهو بيطلع دايماً الأول، وهما الاتنين مرتبطين ببعض سارة وإسماعيل هو طيب وهى شديدة جداً وهو بيستحملها مش عاوزها تبقى لوحدها».