x

أسرار عالم تجارة الجسد (تحقيق)

«المصري اليوم» تخوض مغامرة لكشف دهاليز «اللحم الرخيص»
الأحد 18-12-2016 00:14 | كتب: غادة محمد الشريف |
تجارة الجسد تجارة الجسد تصوير : غادة محمد الشريف

قلبى يخفق بشدة، أسمعه بوضوح. النوم خاصمنى منذ أيام، شعور الأمان لم يعد يعرف طريقه إلىّ، أصوات غليظة، وألفاظ خارجة. أوجه مريبة، وعيون تنتهك خصوصيتى، وألسنة لا تعرف سوى المقايضة على ثمنى كأنثى. مجتمع يساومنى على جسدى، ويفتح مزادا علنيا لمن يشترينى بثمن أعلى.

شهور هجرتنى فيها مشاعر الأمان والاستقرار والسعادة، كوابيس مؤلمة مازالت تطاردنى عن رجل ساومنى على نفسى من أجل قضاء شهر أو أقل مقابل حفنة أموال، وآخر أراد بيع ابنته القاصر لثرى خليجى يتزوجها أسبوعا أو اثنين على الأكثر، وسيدة حاولت إقناعى بالتصوير عارية كى يرانى عدة أشخاص في بلاد أخرى. سلعة رخيصة.. هكذا كان حالى لشهور اخترقت فيها عالم «تجارة الجسد»، الذي لم أظن يومًا أنه قد يكون حقيقيًا، تماما كفيلم «لحم رخيص» الذي قدمته المخرجة إيناس الدغيدى، عام 1995، عن فتيات يتم بيعهن لمن يدفع أكثر مقابل الزواج شهرا أو أقل.

كنت لشهور واحدة من بطلات فيلم «لحم رخيص» الحقيقى، تماما مثل «إخلاص وتوحيدة ونجفة»، بطلات الفيلم اللاتى باعهن «مبروك» السمسار، لمن يدفع أكثر، لكن تلك المرة كنت أباع وأشترى علنا وفى الواقع، دون كاميرات سينما أو سيناريو أو فيلم ينتهى بنزول تترات النهاية داخل إحدى قاعات العرض، حاولت فيها جاهدة الحفاظ على نفسى مهما حدث باستغلال مكر النساء.

خضت المغامرة، واخترقت عالم «تجارة الجسد». 3 أشهر ونصف استغرقتها التجربة، سبقها شهر من البحث عن سمسار وزيارات متكررة. شعرت بمعاناة كل فتاة يدفع بها والدها أو شقيقها أو والدتها لتُباع لمن يدفع أكثر تحت اسم الزواج.

حسب دراسات وتقارير منظمات حقوقية مصرية ودولية، فإن كثيرا من الفتيات يدفعهن الفقر إلى الدخول في عالم «تجارة الجسد»، ويقبلن بالزواج من أشخاص مقابل أموال بعقد عرفى، دون مراعاة لشرعية الزواج، حيث يجرى الزواج كل أسبوع من شخص مختلف. أبطال هذا العالم سمسار الزواج والمحامى الذي يكتب العقد، وراغب المتعة، وهو في معظم الأحوال ثرى عربى.

دراسة أعدها مركز «عدالة ومساندة» المستقل عام 2016، أكدت أنه توجد مناطق انتشر فيها زواج القاصرات، منها بعض القرى التابعة لمحافظة الجيزة، حيث وصلت نسبة الزواج العرفى في «طموه» إلى 48% من إجمالى الزيجات، وفى الحوامدية 52%، والعزيزية إلى 30%.

الأمر لم يكن سهلًا، اخترت المكان، واستقررت على منطقة «الحوامدية»، كونها واحدة من الأماكن التي تلقى فيها تلك التجارة رواجًا واسعًا، ارتديت العباءة السوداء كأغلب نساء الحى، حملت حقيبة أدوات تجميل، وقدمت نفسى «كوافيرة»، تسعى للمال بأى طريقة هربًا من الفقر، مسقط رأسى قرية «المناوات»، إحدى قرى الحوامدية، اخترتها لأن لى عائلة بها تحمل لقبى. ادعيت أننى لم أعش بالقرية، وعشت عند خالتى في مدينة الإسكندرية، برفقة شقيقى الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، حتى لا يفتضح أمرى بسبب اللهجة.

المحررة خلال لقائها بالمحامى

بعد شهر من البحث عن سمسار مثل «مبروك»، بطل الفيلم، ظهر نظيره الواقعى محام من خارج الحوامدية، ساعدنى على الوصول إلى 3 سماسرة، يتخذون من تجارة الـ«توك توك» والموبايلات، غطاءً لبيع الفتيات. والسماسرة الثلاثة، الأول «م. أفندينا» صاحب معرض «أ. للتوك توك»، والثانى «م. الجنتل»، والثالث «ع. ب. للموبايلات».

أمام محطة مترو المنيب، وجدت وسيلة مواصلات للحوامدية، التي تبعد عن القاهرة حوالى 18 كيلو مترا، ويبلغ عدد سكانها حوالى 130 ألف نسمة، ويحدها من الجنوب مركز البدرشين ومن الشمال مركز أبوالنمرس، والشرق نهر النيل، والغرب ترعة المريوطية. مشاعر مضطربة، نبضات القلب سريعة، أنا بمفردى أعلى كوبرى الحوامدية، استقللت «توك توك»، وسألته عن معرض «الجنتل»، الذي يملكه أحد هؤلاء السماسرة.

يجلس السمسار «م. الجنتل»، أو «الحاج» كما يناديه العاملون بمعرضه، مرتديا ملابس أنيقة، ويبدو في الخمسين من عمره، مع عدد من أصدقائه أمام المعرض، علمت بعدها أنهم مساعدوه، سألت عنه، أجاب بنبرة حادة وهو يتفحصنى من رأسى لقدمى: «أنا يا ستى. أي خدمة».

عرضت مطلبى بشراء «توك توك»، وسألت عن الأسعار، فرد: «إنتى جاية من طرف حد؟ وبلدك إيه؟» فأجبته إننى من قرية «المناوات» أنتمى لعائلة الشريف، خوفا من طلبه بإظهار بطاقتى الشخصية، فيكتشف هويتى، وواصلت سرد قصتى الوهمية، وأننى أبحث عن عمل، وأريد شراء «توك توك» لشقيقى للمساعدة في تحمل تكاليف المعيشة. أكدت له أننى ذهبت لشراء «توك توك» من شركة «مشروعى» لكن العاملين هناك طلبوا «ضامن»، فلجأت إليك بعد معرفتى بكرم أخلاقه، ومساندته الشباب.

السمسارة زوجة المحامى

قال لى: «عايزة تقسيط ولا كاش؟ جديد ولا مستعمل؟»، وطلب منى رؤية المستعمل، فوافقت، وسرد لى الأسعار: «الجديد بـ23 ألف جنيه، والمستعمل بـ15 ألفا. المقدم 7 آلاف»، فأجبته بأننى لا أملك سوى 3 آلاف جنيه، فوافق، ثم طلب منى الحديث على انفراد بعيدا عن مساعديه.

التقطت طرف الحديث وبادرته بصوت هادئ منكسرمستغلة كيد النساء ومكرهن: «يا حاج إنت عارف إنى يتيمة، وهطلب منك طلب صعب بنت تطلبه خالص. أنا سمعت إن في عرب كتير بييجوا البلد دى، وأثرياء وأنا عايزة عريس مرتاح أسافر معه، أو يتجوزنى هنا ويراعينى أنا وأخويا، لأن مفيش حد بيطلبنى لجواز عشان أنا لوحدى وماليش حد وأنا خايفة، وعايزة الستر وأرتاح بقى من الشقا. عايزة عريس يجيبلى شقة خاصة، وإنى قربت أعنس، سنى كبرت وصلت للتلاتين».

نظرات المفاجأة بدت عليه، وجحظت عيناه كأنما وجد ضالته، ولم يفكر كثيرًا قبل أن تزوغ عيناه يمينًا ويسارًا، وقال: «إنتى جميلة، والمصرى معندوش شقة، إنتى حلوة وتستحقى عريس غنى، لو كنت هنا من يومين كان فيه عريس إماراتى عنده 59 سنة، بس كان في ست كبيرة جايبة بناتها الاتنين، عرضناهم عليه، فاختار المطلقة، عمرها 25 سنة، ودفع مهرها 80 ألف جنيه، و25 ألفا دهب، ودفع لينا عمولة 20 ألفا أنا والمحامى اللى خلصنا الموضوع، واشترى شقة في برج بالحوامدية سعرها 235 ألف جنيه، وبيروح وييجى عليها مرة في السنة وهو حر يطلقها ولا يكمل معاها المهم إنها خرجت بشقة ومبلغ حلو. يا خسارة إنتى أحلى منها. هتتعوض متقلقيش».

متزوجة تعرض نفسها للزواج مرة أخرى بالمدة

وجدنى فريسة سهلة الصيد، وتعلق بقصتى بمجرد انتهائى منها، وطلب رقم هاتفى: «متقلقيش، أنا هجيبلك عريس عشان إنتى حلوة وتسوى مهر 200 ألف جنيه، وهخليه يجبلك شقة». المزيد

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية